ميشال حلاق
تفاقمت مسألة قطع الأشجار الحرجية الدهرية والمعمّرة في المناطق العكارية على اختلافها والمناطق الجبلية منها على وجه الخصوص، والتمادي تخطى كل الخطوط الحمر ولم يعد من وازع لدى الحطّابين، أو تجّار الحطب على نحو أصح، لإعمال مناشيرهم في الغابات البكر أعالي عكار مستهدفين أشجار اللزّاب والشوح الكيليكي والأرز والتنوب، إضافة الى السنديان والصنوبر البري.
ما يبدو أن كل السلطات الأمنية والقضائية وصولاً الى مأموري الأحراج ومعهم شرطة البلديات، قد أسقط في يدهم أو ربما نفضوا أيديهم من وضع حدّ لهذه الجرائم البيئية التي ترتكب في السر والعلن، فيما تضجّ أصوات مناشير الحطب في غابات عكار ليل نهار، وسط حركة ناشطة على الطرق الفرعية والرئيسية، للشاحنات الصغيرة والكبيرة التي تنقل الحطب المقطوع ولا من يسأل أو يحاسب!
آلاف الأطنان من أخشاب الأشجار المقتطعة تباع يومياً في عكار والمناطق اللبنانية المختلفة، حتى أن بعضها يهرّب ويباع في سوريا، وفقاً لبورصة أسعار ترتفع وتنخفض بحسب الطلب...
هذه الثروة الوطنية تتعرض لحرب إبادة شنيعة، شأنها شأن الكسارات والمرامل التي تفتك بالأرض والبيئة، والدولة "شاهد ما شافش حاجة"، وكما يقال "لا من تمها ولا من كمها"، فمن أين يستمدّ هؤلاء الحطابون كل هذه الجرأة حتى يفعلوا ما بفعلونه من دون تردد أو خوف من عقاب، ومن هم داعموهم وحماتهم؟
جديد هذه الجرائم البيئية ما حصل في الأيام الثلاثة الأخيرة في غابة الشوح الكيليكي الدهرية بين عكار العتيقة والقبيات، وفي محيط لوحات شير الصنم الأثرية المحفورة على الصخر والتي تؤرخ لانتصارات القائد البابلي نبوخذ نصر الذي عبر المكان، مذ كان الزمان والتاريخ وارتفعت أشجار الغابة شاهدة.
أكثر من 30 شجرة قطعت من جذورها، وجُرّدت من أغصانها فتعرّت معها وتصحّرت بقعة لا بأس بها من أرض الغابة.
وتشير المعطيات الى أن مأموري أحراج القبيات، نظّموا محضر ضبط بأحد الحطّابين وهو ينقل كمية من الحطب المقطوع من غابة شير الصنم على طريق القبيات -العتيقة، وعملوا على مصادرتها.
لكن أين تبخّرت أطنان الحطب الأخرى التي انتزعت من هذه المتطقة وسلخت من جذورها؟
حتى الآن لا أحد يعلم، وما تبقى من هذه الأشجار المقطوعة في أرض الغابة لا بد من أن يجري تحميله ونقله وبيعه.
الناشطون البيئيون سئموا المراجعات والمطالبات بالتدخل لأن لا جدوى لمناشداتهم، فصوت تجّار الحطب أعلى وأيديهم تهدّد بتغيير ملامح لبنان الأخضر الحلو.
أما الغابات التي تنجو من خطر الحرائق المفتعلة، فتسقط صريعة القطع الجائر.
من يسأل؟