هل تجد "سوق الأحد" الطرابلسية موقعاً مكتمل الشروط بما يرضي روّادها وبائعيها أم تبقى نقّالة مثل البدو الرُحّل؟ فقد أزالت البلدية المخالفات على الأملاك العامة من دون أن توفّر بديلاً من أجل ضمان إستمرارية هذه السوق الشعبية المعروفة، والتي يقصدها روّاد من كل المناطق الشمالية، لما تضم من "خيرات" تعرض فيها بأسعار مقبولة وزهيدة.
كانت هذه السوق لسنوات طوال في محلة جسر أبو علي، لكن تحت شعار "إعادة الرونق الى المدينة"، كما قال رئيس البلدية الدكتور رياض يمق في تصريحات سابقة، والحفاظ على إرثها الثقافي والسياحي، أزيلت من مكانها من ضمن حملة على المخالفات والتعديات على الأملاك العامة والأرصفة.
إزالة البسطات، حصلت من دون إيجاد بديل، ونفّذ أصحابها إعتصاماًت أمام القصر البلدي مطالبين بمكان يؤويهم "لأن قطع الأرزاق من قطع الأعناق، كيف لا والسوق يتشارك فيها عدد لا يستهان به من أبناء طرابلس الذين يعتاشون مما يجنونه من بيع ما يعرضونه من قديم وحديث؟
وحين فشلوا في مسعاهم، أقاموا سوقاً شعبية في وسط المدينة، قرب مبنى البلدية في شارع المدارس، باعتباره "حلاً موقتأً"، غير أنها أثارت اعتراضات في صفوف أهالي المدينة الذين فوجئوا بانتقالها الى وسط المدينة، مما أزعج المقيمين فيها بسب العجقة وأربك حركة السير لأن لا مواقف لروادها.
وفي هذا الإطار، صدر عن مديري مدارس شارع طارق بن زياد المعروف بشارع المدارس، بيان جاء فيه: "متابعة للقرار الصادر بنقل سوق الأحد إلى شارع المدارس، و بعد أن كانت هذه السوق تتمركز في الأطراف من ضمن بيئة غير مسكونة، وضمن مساحات واسعة، ولا تؤدي إلى أي قطع للطرق وإزعاج للقاطنين، مع ما يضاف إلى ذلك من مخالفات وتعد على الأرصفة والأبنية ولاسيما المدرسية منها، إذ تحولت أسوار هذه المدارس الى معلقات لكل أشكال البضائع، في مشهد أقل ما يقال عنه أنه لا يليق بالمدينة وأهلها ولا بكونها عاصمة للثقافة العربية.
إستتباعاً لما تقدّم وبشكل موجز، لا يسعنا إلا أن نعلن عدم قبولنا استباحة هذا الشارع وأبنيته وطرقه وأرصفته، ورفضنا القاطع لبقاء هذه السوق ضمن هذه المنطقة السكنية والبيئة التربوية بامتياز، وننتظر بعين الأمل صدور قرار رشيد عن أصحاب الشأن واعتباره الأحد الأول والأخير لإقامة السوق في هذه المنطقة".
في أعقاب هذه الإعتراضات، قرّرت بلدية طرابلس نقل السوق الى قلب "منشية طرابلس" (الحديقة العامة)، وهي مستمرة حتى اليوم في هذا المكان الى حين إيجاد بديل، علماً أن المكان الجديد لم يلق الكثير من الاعتراضات لكونه مساحة واسعة للعموم، ولكون باعة السوق التزموا عدم ترك نفاياتهم بعد الإقفال في أماكن العرض. وقد وفوا ما التزموه، مما حمل رئيس البلدية على شكرهم لحفاظهم على نظافة هذه الفسحة الخضراء الأجمل في طرابلس، والتي لها في نفوس الطرابلسيين وزوّار عاصمة الشمال أحلى الذكريات.
سوق الأحد كانت سابقاً "سوق الجمعة" لكنها، وإن تغيّرت تسميتها، لم تتبدّل في جوهرها وبقيت سوق الفقراء تساعد محدودي الدخل على تأمين حاجاتهم بأسعار مخفوضة وتؤمّن فرص عمل للبعض الآخر اذ تعتاش منها قرابة 400 عائلة، وفق ما يشير النقيب سيف الدين الحسامي، وهي اليوم باتت مقصودة أيضا من محبي جمع "الأنتيكا" الذين غالباً ما يجدون فيها ضالتهم.
في هذه السوق، تجد أشغالاً يدوية ومطرزات على أنواعها واختلاف ألوانها، وملابس مستعملة وأواني وأدوات قديمة وأثاثاً منزلياً، وكتباً ولوازم مدرسية مثل الشنط والقرطاسية، والخردوات على أنواعها وحتى الفاكهة والخضر والمونة البيتية والأواني الزجاجية والنحاسية، والصناعات الغذائية البيتية مثل المربيات والكبيس والكشك وما اليها، وكل ما تشتهيه عين الزائر ويُفرح قلبه، وفقاً لما يقال "من البابوج للطربوش."
سوق الأحد أو سوق الجمعة أياً تكن تسميتها، هي سوق شعبية خالصة، بل حاجة في هذه الأيام القاسية والصعبة معيشياً واقتصادياً، ولهذا لا يمكن الإستغناء عنها. والمطلوب بإلحاح موقع ثابت يتيح للجميع الإفادة منها قبل أن يدهمها موسم المطر.