منذ اندلاع الحرب على جبهة الجنوب بين "حزب الله" وإسرائيل في 8 تشرين الأول الماضي، وجد النازحون السوريون الذين فروّا قبل أعوام من الصراع القائم في بلادهم الى جنوب لبنان، أنفسهم تحت وطأة حرب أخرى لا تقلّ دموية وعنفاً عمّا خبرته سوريا.
غالبية مدن الجنوب وقراه لا تخلو من أعداد متفاوتة من النازحين السوريين، الذين يعمل معظمهم في قطاع الزراعة وبعض المهن الحرة. وفي آخر إحصاء شبه رسمي، فإن أكثر من 18 نازحاً سورياً قضوا وأصيب عدد آخر في القصف الاسرائيلي براً وجواً، من الناقورة غرباً لغاية القطاعين الأوسط والشرقي، ومنهم من استهدفتهم مسيّرات إسرائيلية على طرق رئيسية.
مرج الخوخ
الى جانب المسلك الشمالي للطريق الرئيسية بين جديدة مرجعيون وإبل السقي في القطاع الشرقي، يقوم أحد أكبر تجمعات النازحين السوريين في الجنوب ويطلق عليه اسم "مخيم مرج الخوخ"، ويضم نحو 200 خيمة بنيت جنباً إلى جنب من ألواح الخشب والصفيح والنايلون، وتبدو للناظر من بعيد أو من قربب كأنها بمثابة قرية صغيرة.
قيام "النهار" بجولة ميدانية داخل المخيم، استدعى الحصول على إذن مسبق من مخابرات الجيش وشخص داخل المخيم يطلق عليه اسم "الشاويش أيوب"، وهو واحد من ثلاثة تتمثّل مهمتهم بتنظيم أوضاع المخيم ومعالجة أي مشكلة فيه، والتنسيق مع مخابرات الجيش في كل ما يتعلق بالأمور الأمنية والابلاغ عن دخول أي شخص جديد إلى المخيم.
في مستهل الجولة، يطالعك العديد من الأطفال والأولاد وبعضهم حفاة، وجميعهم ولدوا داخل المخيم، لا يطلبون منك سوى تصويرهم.
أما النسوة، وإن تحدثن إليك، فإنما يشكون ظروفهنّ جراء الحرب وانقطاعهنّ عن العمل في بساتين سهل مرجعيون والخيام والوزاني وسردا، ويرفضن تصويرهن، باستثناء رهف العثمان وهي أم لثلاثة أولاد، يعاني أحدهم من كهرباء في الرأس وارتفاع في نبضات القلب، إثر تعرّضه لرعب شديد جرّاء انفجار قذيفة في مكان قريب من المخيم.
وتبدي العثمان حزنها الكبير لتعرّض ولدها للتنمّر من بعض الفتية في المخيم، مما يجعله حبيس خيمتها.
ويجمع عدد كبير من المقيمين داخل المخيم ومنهم نصر سلوم، وهو رب عائلة من 16 شخصاً، على أن قساوة النزوح تفاقمت خصوصاً في الجنوب نتيجة القصف الاسرائيلي واستهداف الأراضي الزراعية، والخشية من الذهاب إلى العمل خصوصاً في المنطقة القريبة من المواقع الإسرائيلية أو المحاذية لها.
كما يجمعون على تراجع دور الأمم المتحدة والمفوضية السامية شؤون اللاجئين والجمعيات الأهلية في مساعدتهم، ويلفتون الى أن ظروفهم المعيشية والصحية صعبة وقاسية، خصوصا لجهة الكهرباء والمياه والصحة. ولا ينكرون أن اتحاد البلديات في المنطقة ومؤسّسة "عامل الدولية" يمدّان إليهم يد المساعدة أحياناً.
نفق يدوي
وخوفاً من تعرض المخيم للقصف الاسرائيلي، خصوصاً بعد سقوط عدد من القذائف في محيطه، لجأ أحد الفتيان فيه ويدعى عامر، إلى حفر نفق بيديه يتسع له ولأشقائه الأربعة، وهم صبيان وفتاتان، للإحتماء فيه في حال القصف.
ويأمل عدد من النازحين وغالبيتهم من محافظة إدلب وبينهم من ريف حلب، في عودة آمنة إلى ديارهم، ومنهم من يطالب السلطات اللبنانية بفتح البحر أمام من يرغب في المجازفة للهجرة الى الخارج، بما يساهم في تخفيف الأعباء عن اللبنانيين والسوريين في آن واحد.