النهار

"جاروفة" لا تفرّق بين المحلية والمهاجرة... شباك خبيثة تمتد كيلومترات بارتفاع 4 أمتار ترتكب إبادة جماعبة لمئات آلاف الطيور
المصدر: "النهار"
على مدى البصر في سهل البقاع، وبين سلسلتي جباله الشرقية والغربية وحيثما تنمو الأشجار الحرجية والمثمرة، يبسط الصيادون شباكهم أفخاخاً خبيثة ليحصدوا من دون وجه حق ملايين الطيور المهاجرة، صغيرة كانت أم كبيرة، ضمن ممارسات تنتهك القوانين والمعاهدات البيئية الدولية،
"جاروفة" لا تفرّق بين المحلية والمهاجرة... شباك خبيثة تمتد كيلومترات بارتفاع 4 أمتار ترتكب إبادة جماعبة لمئات آلاف الطيور
واحدة من شباك إبادة الطيور في البقاع الشرقي.
A+   A-

بعلبك - وسام اسماعيل
على مدى البصر في سهل البقاع، وبين سلسلتي جباله الشرقية والغربية وحيثما  تنمو الأشجار الحرجية والمثمرة، يبسط الصيادون شباكهم أفخاخاً خبيثة ليحصدوا من دون وجه حق ملايين الطيور المهاجرة، صغيرة كانت أم كبيرة، ضمن ممارسات تنتهك القوانين والمعاهدات البيئية الدولية، مخلفة إبادات جماعية للطيور المهاجرة، ولاسيما منها عصفور التين وعصفور الرمان اللذين أطلت تباشير أسرابهما المهاجرة من أوروبا وأفريقيا عبر لبنان، وهاجسهم الإتجار بها وتحقيق المكاسب المادية، على حساب الأثر البيئي والتنوّع البيولوجي.
 

هذه المجازر العشوائية في حق الطيور المهاجرة، وحتى الأنواع المحلية كالحسون وغيره من الطيور المستوطنة في بلدنا، تجري من دون أي رادع تحت أنظار المعنيين بالمتابعة والملاحقة، وفي أحسن الأحيان تكتفي الجمعيات والهيئات البيئية والوزارات المعنية بإصدار بيانات الإدانة والتهديد والوعيد التي لا تعدو كونها صدى أصوات في بطون الأودية. علماً أن موسم الصيد ينطلق عادة بقرار من وزير البيئة مطلع تشرين الأول.

تشير المادة التاسعة من قانون الصيد اللبناني الرقم ٥٨٠ إلى حظر جميع أساليب الصيد التي تتّسم بالخداع والضرر، بحيث تمنع إستخدام الدبق والشباك والمصائد والأشراك، إضافة إلى الطيور العائمة، سواء كانت إصطناعية أو طبيعية، فضلاً عن الطعم والصيد المحبوس والأنوار الكاشفة. كما تُحظر استخدام السموم والغاز والدخان والآلات الكهربائية في ممارسات الصيد. وينص القانون على أنه يُسمح فقط بالصيد باستخدام الأسلحة النارية المرخّصة وقوس النشاب، مما يعكس التزاماً لحماية البيئة والحفاظ على توازن الحياة البرية.

يمضي الصيادون في تسويق منتجاتهم وبيعها عبر منصات التواصل الاجتماعي مثل "فايسبوك" و"تيك توك"، ويقدّمون صوراً مروّعة للمجازر التي يرتكبونها في حق الطيور، ويستغلونها للترويج لمبيعاتهم أو لبيعها مباشرة للزبائن والمطاعم في مختلف أرجاء لبنان، ساعين وراء تحقيق مكاسب مالية. يُباع العصفور بدولار أميركي، من دون أي أكلاف تذكر، إذ كل ما يحتاجونه هو نصب الشباك في ظلمة الليل وساعات الفجر، وجمع ما أمكن من "غنائم".
 

ويوضح المحامي علي اسماعيل أن "المشكلة ليست في وجود القوانين، بل في الثقافة البيئية لبعض الأفراد،  فموسم الصيد في لبنان لا يُفتح بصورة رسمية وقانونية إلا عبر إعلان وزير البيئة بذلك، وأي نشاط صيد يحدث خلاف ذلك يُعتبر خرقاً للقانون، والمعضلة الحالية لا تكمن في القوانين نفسها، بل في سبل تطبيقها، فالنصوص القانونية واضحة". 

ويشدّد على أهمية "القانون الذي ينظّم الصيد البري" لحماية التنوع البيولوجي المميّز في لبنان. فهو يحدّد القواعد والشروط للصيد والأنواع المسموح بها، ويتطلب الحصول على ترخيص للصيد من وزارة البيئة".

ويرى "وجوب العمل  على تعزيز الوعي البيئي واحترام القوانين المتعلقة بالصيد، وأن نتجنب الانتهاكات للطبيعة والحياة البرية. إن استغلال الأوضاع الاقتصادية السيئة ذريعة للتسامح مع مثل هذه الأفعال غير مقبول. ومن الضروري التأكيد على أهمية تطبيق القوانين بدقة، وتعزيز ثقافة الاحترام للبيئة والحياة البرية في المجتمع". 

وفي نداءً عاجل عبر "النهار" لرئيس "الجمعية اللبنانية للطيور المهاجرة" الدكتور ميشال صوان، يدعو الى "ركوب موجة التصدي للصيد الجائر، وخصوصاً عبر الشباك". ويوضح "أن أنواع كثيرة من الطيور بدأت أعدادها تتناقص بشكل مقلق، مما يثير الخوف من خطر انقراضها، وكل ذلك نتيجة الصيد العشوائي وتراخي الدولة وكل وزاراتها المعنية، رغم أن هؤلاء المخالفين يتجاوزون جميع القوانين المعمول بها".

ويعتبر "أن هذا القانون بات مفتوحاً ومخروقاً، إذ يقوم التجار والصيادون ببيع أدوات مثل الليزر والشباك التي تهرّب، و يُعدّ انتهاكاً صارخاً، فتزايد استخدام الشباك في هذه المرحلة بشكل ملحوظ، يعود الى ارتفاع أسعار الخرطوش.
الخطر الكامن في ذلك يكمن في أن الصيادين يستهدفون جميع أنواع الطيور، سواء التي تُؤكل أو تلك التي لا تؤكل، في ظل جشع التجار الذي جعلهم يروّجون لكل شيء بلا تمييز. فصيد الشباك لا يفرّق بين الطيور المهدّدة بالإنقراض والطيور الأخرى، أو حتى تلك الطيور المغرّدة التي تضفي جمالاً على الطبيعة".

ويأسف لـ"تسلّل هذه الظاهرة إلى مجتمعنا من دون أن تتدخل الدولة الغائبة عن واقع الأحداث، فظهرت أكشاك متخصّصة لبيع ساندويشات العصافير، فضلاً عن المطاعم وغيرها من الوسائل".
 

 وتهريب بعضها من سوريا إلى لبنان، يعدّ انتهاكاً صارخاً للقانون. "نحن نتعاون مع بعض الضباط والقوى الأمنية، رغم أننا نقدم شكاوى، إلا أن هناك من يغض الطرف في بعض المخافر، مما يجعلنا نشعر بالعجز أمام هذه الظاهرة المتفشية"، وفقاً لصوان.

ويؤكد "أن أهمية الطيور تكمن في دورها الحيوي حفاظاً على التوازن البيئي، لأنها تتغذى على الحشرات الضارة بالمزروعات وعلى القوارض والفئران، لذا فإن قتلها بدوافع الإستهلاك أو التحنيط هو فعل يتنافى مع القيم البيئية ويؤثر سلًلباً على التنوّع البيولوجي".

ويضيف: "يشير جميع الصيادين إلى الإنحدار المقلق في أعداد الطيور، خصوصًا في مناطق الشمال الهرمل والبقاع، حيث انتشر الصيد بالشباك بشكل واسع، ويُعرف الكثير من الصيادين بدعمهم من جهات معينة. أحد هؤلاء الصيادين المعروفين يضع شباكًا تمتد على مسافة 5 كيلومترات بارتفاعات تصل إلى 4 أمتار، كم دون أن يتعرض لرقابة أو مساءلة، مما يثير القلق بشأن مستقبل هذه الطيور!
 إنها مجازر فظيعة، ياللأسف فإن الجمعيات المعنية بالنهوض والمراقبة تظل قليلة جدًا في لبنان. نحن حاضرون دوماً على الأرض، نتابع الدراسات ونسجّل كل المخالفات، لكن المؤسف أن معظم هذه الجمعيات تفتقر إلى الجدية أو تعمل بشكل غير فعّال، أو هي في حالة غيبوبة، والجميع يتذرعون بالواقع الأمني وخوفهم من الإصطدام بالصيادين".
 
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium