قدوم شهر أيلول/سبتمبر، يشعر الكثيرون بالاكتئاب، فهو إعلان انتهاء الإجازة الصيفية والعودة إلى المسؤوليات والالتزامات المدرسية والجامعية والمهنية، وروتين الحياة اليومية والاستيقاظ باكراً. فغالباً ما يشعر الناس أن شهر أيلول هو بداية عام جديد، ويجدون صعوبة في فترة الانتقال هذه من العام.
فمع اقتراب شهر آب/أغسطس من نهايته واقتراب شهر أيلول، فإن تغيّر الموسم من الصيف إلى الخريف قد يكون مصدر قلق لكثير من الناس. ولا شك في أن الصيف يؤثر على حالتكالمزاجية وصحتك النفسية بطرق إيجابية مختلفة. فالتعرض لأشعة الشمس، وإنتاج فيتامين د، وتعزيز النشاط البدني، والتفاعل الاجتماعي، والاتصال بالطبيعة، كلها عوامل تساهم في التأثير الإيجابي الشامل لهذا الموسم. والصيف هو الوقت الذي يكون فيه الجو أكثر استرخاءً بشكل عام، حيث تقل حركة المرور على الطرق، ولا يكون هناك روتين.
يُعرَّف القلق لدى الانتقال من الصيف إلى الخريف باسم "قلق الخريف"، أو "قلق العودة إلى المدرسة". وبحسب عالمة النفس البيولوجية ومؤلفة كتاب "أنت الجديد الشجاع: استراتيجيات وأدوات وحيل عصبية للعيش بشجاعة أكبر كل يوم"، ماري بوفينروث، فهناك أسباب بيولوجية ونفسية واجتماعية لتقلبات المزاج الموسمية هذه. وعندما يبدأ ضوء النهار في التضاؤل وتنخفض درجة الحرارة، قد يتسبب الأمر في إنتاج الجسم كمية أقل من السيروتونين، وهو ناقل عصبي مرتبط بالتحكم في الحالة المزاجية والشعور بالرفاهية.
لماذا يمر الناس بما يسمى بالـ September blues؟
حديث خاص
د. نادين عقل- معالِجة نفسية وأستاذة محاضرة في جامعة الروح القدس الكسليك
أسباب عديدة تؤدي إلى اكتئاب أيلول، منها بدء الغيوم بالظهور لا سيما في الدول الأوروبية، فمن الناحية الفسيولوجية، الجو المتلبد وغياب الشمس يؤثران في الجسم بحيث ينخفض مستوى بعض من الفيتامينات فيه كالفيتامين د، ويؤثر ذلك على مزاج الشخص. وعندما لا يكون باستطاعته التعرض لنور الشمس ودفئها المعتاد، يتأثر مزاجه ويستجيب جسمه للتغيرات المناخية. وهنا نتحدّث عن "الاكتئاب الموسمي" أو ما يُسمّى بالـseasonal depression، وهو الاكتئاب المصاحب لتغير الطقس.
أمّا من الناحية النفسية، ففي أيلول ترتفع نسبة القلق(anxiety)،والسبب يعود إلى دخول الشخص في شهر الأعباء بعد حالة استرخائه في الإجازة الصيفية. هنا، يشعر بصعوبة الأمور والعودة إلى إيقاع الحياة السريع كبداية العام الدراسي. ويأتي هذا القلق أيضاً بسبب القلق الذي يعيشه الولد قبل بدء العام الدراسي، ويحمل هذه الحالة معه حتى بلوغه سن الرشد، أي الخوف من إعادة إحياء المشاعر التي خاضها من قبل. هذه الحالة تظهر بشكل واضح مثلاً عند قدوم يوم الأحد حيث يشعر المرء أن الأسبوع سيبدأ من جديد، وهنا يرتفع مستوى القلق والشعور بالحزن أيضاً.
ويحدث أيضاً، أنً التوقعات التي يضعها المرء عن موسم الصيف تكون عالية كثيراً في شهر حزيران، ولا ينجز إلّا جزء بسيط من مخططه الصيفي، ويصل إلى شهر أيلول ويشعر بالإحباط والندم حينها والفشل والخجل وضغط العودة إلى الروتين دون التمكّن من الراحة.
وفي دول حيث يكون الطقس فيها مشمساً في أيلول مثل الدول العربية، نجد أيضاً القلق في هذه الفترة، بسبب العودة إلى الروتين وانتهاء الإجازة.
الأفكار هي التي تولّد القلق. وعلى المستوى الهرموني، يتأثر الجسم ومنها هرموناته. فمثلاً، قلة التعرّض للشمس تحسّن من هرمونات السعادة، وغيابها يخفّض هذه الهرمونات، وكذلك، تتحسّن "الرغبة الجنسية" (libido مع وجود الشمس. وعندما يرتفع مستوى القلق تبدأ عوارض عدم النوم والتفكير والصداع.
كيف تحارب اكتئاب أيلول وتحسّن مزاجك؟
- احتفل بنهاية الصيف وبما قمت به وإن كان قليلاً، ورحّب بالموسم الجديد عبر إنشاء ألبوم صور لكل ما استمتعت به خلال الصيف، أو أقم تجمّعاً أو حفلة أو نزهة احتفالية، أو اشترِ أو اصنع هدية تذكارية تذكرك بالصيف.
- مارس المزيد من التمارين الرياضية لتعزيز الإندورفين الذي يمنحك شعوراً جيداً.
- مارس اليقظة الذهنية لتتعرّف على شعور القلق وتضعه جانباً وتركّز على اللحظة الحالية، لتجد مزاجك أكثر توازناً.
- احصل على نوم منتظم وعلى القدر المناسب منه.
- راقب ما تأكل، إذ يُعدّ الحصول على المزيد من أحماض أوميغا 3 الدهنية وأحماض الفوليك في نظامك الغذائي،طريقة طبيعية يمكن أن تساعد في تخفيف أعراض الاكتئاب. وتُعدّ أسماك الماكريل والسردين والسلمون مصادر جيدة للأحماض الدهنية.
- استمتع بتجارب جديدة، إذ يُعدّ شهر أيلول أحد أفضل أوقات العام لذلك، كانضمامك إلى نادٍ للقراءة أو البدءبهواية جديدة.
- جدّد روتينك، فهناك الكثير من المساحة في حياتك اليومية لتغيير جدولك، فحتى أصغر تعديل، مثل تغيير وقت ممارسة الرياضة، يمكن أن يغير من شعورك.
- خطط للمستقبل أو شيء تتطلع للصيف التالي أو لمنتصف الشتاء، لتجاوز الأوقات الصعبة.
- لا تكسر جو النزهات الذي كنت عليه في الصيف وإن كان بوتيرة أخف.
- استخدم قوة اللعب لتعزيز إنتاج الدوبامين في الدماغ، من خلال حضور ورش عمل إبداعية، مثل النجارة أو الفخار، أو أنشطة المغامرة في الهواء الطلق مثل التجديف بالكاياك أو المشي لمسافات طويلة.
- قسّم المهام ونظّم جدولاً زمنياً قابلاً للإدارة لنفسك.
- تعرّض للضوء الطبيعي والشمس، وخاصة في الصباح، إذ يخفّض ذلك من إنتاج هرمون الميلاتونين المحفز للنوم وزيادة إنتاج السيروتونين الذي يحسن الحالة المزاجية. فالوقت المثالي للتعرض لأشعة الشمس المباشرة هو بين الساعة 10 صباحاً والواحدة ظهراً، حيث يمكن لجسمك أن ينتج ما يكفي من فيتامين د.
- تأكّد من أنّ مهما حدث، سيعود الصيف!