لم تكُن انطلاقة العام الدراسي في عددٍ من المدارس الخاصة، هذا الأسبوع، متكافئة في مختلف المناطق اللبنانية، إذ إنّ "ضبابية" المشهد الأمني في الجنوب لا تزال تلقي بثقلها على الوضع التربوي جنوباً، فيما لم يكُن يتوقّع الطلاب وذووهم أن تمتدّ الحرب لسنة دراسية ثانية، وهذا يفرض على بعضهم "نزوحاً تربويّاً قسريّاً" بعد نزوحهم الأوّل.
وكما بات معلوماً، فإنّ المدارس الخاصّة في الجنوب تبدو أكثر استعداداً للعام الدراسيّ من المدارس الرسميّة، فيما تتفاوت إجراءاتها كلّ بحسب إدارة المدرسة وموقعها الجغرافيّ وقدرتها الاستيعابيّة.
في جولة على عدد من المدارس الخاصة ضمن بلدات رميش وتبنين والسلطانية، التي ستفتح أبوابها للتعليم حضوريّاً، بدا لافتاً ارتفاع وتيرة التسجيل خلال الأيام الأخيرة على الرغم من التصعيد العسكري، وذلك بعد تجربة "صعبة" عاشها الطلاب العام الماضي بالتعليم "أونلاين".
عودة إلى الجنوب لمتابعة التعليم
تروي الأستاذة في مدرسة سيدة البشارة في رميش، كوثر غالي لـ"النهار"، معاناتها في البحث عن بدائل لأولادها الأربعة بعد نزوحها من بلدة دبل (قضاء بنت جبيل) إلى الدكوانة العام الماضي، ومتابعة التعليم "أونلاين"، إلّا أنّ "أقساط المدارس في بيروت الباهظة جدّاً هذا العام، أرغمتني على العودة إلى بلدتي وإلحاق أولادي حضوريّاً بالمدرسة في رميش".
مدرسة سيدة البشارة كانت قد اتّخذت قراراً ببدء التعليم حضوريّاً مطلع تشرين الأول، وقد عملت الإدارة على تركيب كاميرات داخل الصفوف تُتيح للطلاب النازحين متابعة الشرح مباشرةً بأسلوب أفضل من "الأونلاين".
عودة غالي قسراً إلى الجنوب برغم الخطر تنبع من حرصها على عدم خسارة عملها أيضاً، فيما تُعرب عن قلقها من انفلات الوضع الأمني واضطرارها للنزوح مجدّداً إلى بيروت، وتقول: "وضعنا خطة بديلة للطوارئ، وتواصلنا مع مدير إحدى المدارس في بيروت لضمان مقعد لأولادي، وقد سمح لهم بالالتحاق بالمدرسة نظريّاً من دون الحصول على إفادة تسجيل نهاية العام".
أمّا المدارس الخاصة الكُبرى ذات الفروع المتعدّدة في لبنان، مثل "جمعية المبرات الخيرية"، "مدارس المهدي" و"مؤسسات أمل التربوية"، فقد وضعت خططاً لعامها الدراسيّ الجديد منذ أشهر، وعملت على إلحاق طلابها ضمن مبانٍ ومراكز خاصّة في بلدات غير حدودية في الجنوب وأخرى في بيروت، بحسب أماكن نزوحهم.
المدارس الرسمية تنتظر تعميم الوزارة
يلحظ المتابعون في المدارس الرسمية في الجنوب الإقبال اللافت على التسجيل في مختلف المراحل الأكاديمية، نتيجة غلاء أقساط المدارس الخاصة هذا العام، ممّا يضع المدرسة الرسمية أمام تحدّي إتاحة خيارات تربوية جيّدة لطلابها النازحين من القرى الحدودية.
ومن جرّاء "ضبابية الرؤية التربوية" التي سادت إدارات المدارس في الآونة الأخيرة، عُقِد لقاء تشاوري بين "الشبكة المدرسية الوطنية" في قضاء صور، وأكثر من 168 مديراً في محافظتَي الجنوب والنبطية، بحضور وزير التربية عباس الحلبي، لمقاربة التحديات الأمنية والاقتصادية لطلاب الجنوب.
من أهم ما رشح عن هذا اللقاء التشاوري ضمان أن "تفتح المدارس الرسمية المقفلة أبوابها للتسجيل الإداري على أن يختار طالب بين الالتحاق بمدرسة أخرى بحسب مكان نزوحه، أو متابعة التعليم أونلاين"، وفق ما يؤكد عضو لجنة التربية النيابية النائب أشرف بيضون لـ"النهار".
ويلفت بيضون إلى أنّ هذا الإجراء يُبدّد "هواجس الأهالي والمديرين، ويضمن عدم إخلاء أيّ منطقة جنوبية من سكانها بالكامل"، مؤكداً أنّ "الأهالي بانتظار صدور تعميم عن الحلبي يُترجم هذه التوصية للبدء بالتسجيل الإداري".
ومن التوصيات أيضاً بحسب بيضون، "إعفاء الطلاب النازحين من رسم 50 دولاراً، فيما البحث جارٍ عن مصادر أخرى لتغطية صناديق المدارس مما يُتيح إلغاء الرسم عن كافّة الطلاب اللبنانيين".
إذن، لا حلول جماعية للأهالي في الجنوب، فكلّ عائلة تبحث عن بدائل تربوية لأولادها بحسب وضعها المعيشي ومكان نزوحها وقدرتها على التكيّف من جديد.