أحمد الزين
في الجنوب أشجار زيتون، يزرعها أصحاب الأرض ليقطفوا حبّها في كل موسم حتى تكون مصدر عيشهم على مدار السنة. خلال القطاف يجلسون تحتها والعائلة، يحكون حكايات الماضي بابتسامة رغم التعب، إلى أن جاءت الحرب. صارت حكاياتهم عن الأرض التي لم يستطيعوا الاستفادة منها منذ عام. لا عائلة تحتها ولا حبٌ للقطاف رغم حُب الزيتون. قصصهم عن المعاناة، رغم اختلاف المناطق المتضررة، يروونها لـ"النهار" بحزن عميق، وكأن ما يُعصر لم يعد الزيت بل قلوبهم.
جهاد حمود، مزارع زيتون من بلدة مركبا الواقعة على الحدود الجنوبية للبنان، يعاني من أضرار جسيمة لحقت بأرضه نتيجة الحرب. تقدر مساحة أرضه بأكثر من 10 دونمات، يعتمد على محصولها من الزيتون الذي كان ينتج منه حوالي 40 تنكة زيت سنوياً، كمصدر رزق أساسي لعائلته.
منذ بداية الحرب، لم يتمكن جهاد من زيارة أرضه، حيث التهمت القذائف الحارقة، بما في ذلك قذائف الفوسفور، عدداً كبيراً من أشجار الزيتون. كان يعمل في الأرض إلى جانب زوجته وأبنائه، ما جعل الأضرار تطال العائلة بأكملها.
مع استمرار الحرب، اقترب جهاد من فقدان موسمه الثاني من الزيتون، حيث يبدأ موسم قطاف الزيتون عادة من شهر أكتوبر ويستمر حتى ديسمبر. ومع عدم وجود أي تعويض من الدولة عن الأضرار التي لحقت بأرضه، يجد جهاد نفسه في انتظار نهاية الحرب ليتمكن من العودة إلى كروم الزيتون، مصدر رزقه الوحيد، لإعالة عائلته.
في بلدة أخرى من بلدات الشريط الحدودي مع فلسطين وتحديداً الظهيرة، تعيش زهرة الزين التي ورثت 6 دونمات من أشجار الزيتون عن زوجها الراحل قبل ثلاث سنوات. لم تنجب زهرة أطفالاً، وبقيت وحيدة في منزلها الذي يحيط به كرم الزيتون، حيث كان المحصول السنوي مصدر رزقها الوحيد.
الحرب القاسية التي اندلعت منذ 11 شهراً أجبرتها على النزوح، تاركة خلفها أرضها ومحصولها الثمين. لم تتمكن من العودة أو حتى معرفة مصير أشجار الزيتون، فهي لا تعلم شيئاً عن مصير أرضها من جراء القصف العنيف الذي ضرب البلدة.
عام زراعي فقدته زهرة، وها هي الآن على أعتاب خسارة موسمها الثاني. مع كل يوم يمر، يزداد قلقها من أن تستمر الحرب لفترة أطول، فالكرم هو كل ما تملكه، ومنه كانت تعتاش منذ وفاة زوجها.
قضاء حاصبيا كانت له حصة هو الآخر من خسائر الحرب، في إحدى بلداته، كفرحمام، يعيش حسيب عبد الحميد وهو مزارع زيتون وناشط اجتماعي في بلدته، يدير حوالي 30 دونماً من أشجار الزيتون، حيث يملك 200 شجرة ويشرف على 300 أخرى. خلال موسم الزيتون الماضي، ورغم قصف الصواريخ، استطاع حسيب جمع نصف المحصول، لكن في موسم العناية بالأشجار، تعذرت عليه العناية بها بسبب شدّة القصف، ما ألحق أضراراً جسيمة بأشجار الزيتون.
بصفته ناشطاً اجتماعياً، أطلع حسيب السكان على نتائج فحوص أجرتها الكتيبة الإسبانية التابعة لقوات حفظ السلام في المنطقة، التي أكدت أن التربة لن تتأثر بالفوسفور على المدى البعيد. ومع ذلك، تسبب الفوسفور بإحراق المحاصيل الحالية، ما يعني أن الضرر سيؤثر على الموسم الحالي، وأن أشجار الزيتون المتضررة ستحتاج إلى وقت طويل للتعافي.
يتوقع حسيب خلال حديثه لـ"النهار" خسارة عدد من الأشجار التي سيتعيّن عليهم قصّها بسبب الأضرار، ما سيزيد من الصعوبات التي يواجهها هو والعاملون معه، إلى جانب عائلاتهم. مع اقتراب موسم الزيتون الجديد، يأمل حسيب الاستفادة من الأشجار القريبة من المنازل التي لم تتضرّر كثيراً، فيما تظل الأراضي البعيدة غير آمنة ولا يمكن الوصول إليها بسبب استمرار الحرب.
مع كل موسم زراعي يضيع، تتعمّق معاناة المزارعين، إذ إن معيلهم الأكبر هو هذه الشتلة التي يغرسونها كدلالة على البقاء والصمود، يبقى أملهم الوحيد هو انتهاء الصراع ليتمكنوا من العودة إلى حقولهم والعمل من جديد لاستعادة حياتهم الطبيعية وإعادة بناء ما دمّرته الحرب.