الأربعاء - 18 أيلول 2024
close menu

إعلان

فيضان النهر الكبير والأسطوان هاجس يتجدّد مع اقتراب موسم المطر... احتمالات كارثية ومعالجات ارتجالية

المصدر: الشمال- "النهار"
شاحنة عسكرية تنقل مساعدات من الصليب الأحمر الى المتضرّرين من فيضان النهر الكبير في الشتاء المنصرم.
شاحنة عسكرية تنقل مساعدات من الصليب الأحمر الى المتضرّرين من فيضان النهر الكبير في الشتاء المنصرم.
A+ A-
ميشال حلّاق
 
 
مع اقتراب موسم المطر يرتفع منسوب القلق والخوف لدى أبناء القرى والبلدات العكارية الواقعة على ضفاف مجاري الأنهر ولاسيما منها نهري الأسطوان والكبير الجنوبي اللذين تفيض مياهما سنوياً لتقتحم الممتلكات والأراضي الزراعية وتحاصر المنازل وتلحق أضراراً بالغة بالمواسم الزراعية، وتتسبّب بتلوث مياه الآبار التي تشكل المصدر الأساسي لمياه الشرب في القرى والبلدات السهلية الأكثر تضرّراً ومنها: حكر الضاهري والمسعودية والسماقية والعريضة عند الضفة اللبنانية لمجرى النهر الكبير، والكنيسة وتلبيرة والشيخ زناد عند ضفتي مجرى نهر الأسطوان وسط سهل عكار.
 
 
لعلّ مخاطر فيضان مجرى النهر الكبير تشكّل الهمّ الأكبر للأهالي بفعل سوء إدارة هذا الملف طوال العهود السابقة حتى اليوم ولم تنجح كل الوزارات المعنية ولاسيما منها وزارة الطاقة والمياه، في معالجة هذه الأزمة المتكرّرة والمتفاقمة سنة إثر سنة، والتي تتطلب معالجة جذرية لمرة واحدة تتلخص بإقامة ساتر ترابي عند الضفة اللبنانية أسوة بالساتر الترابي الذي أنشأته السلطات السورية قبل أكثر من 24 سنة، فحمت أراضيها على امتداد مجرى النهر في مناطقها السهلية الموازية للمناطق عند الضفة اللبنانية التي تدفع غالياً كل سنة ثمن إحجام الدولة اللبنانية عن سابق تصوّر وتصميم عن إنشاء هذا الساتر.
واكتفاء الدولة بالمعالجات الإرتجالية والمسكّنات عند وقوع الكارثة، شكّل باباً واسعاً للفساد وميداناً خصباً للتنفيعات وإهدار الأموال التي تذهب الى جيوب المتعهدين والمنتفعين، من دون حل جذري فعلي ينهي هذه المعاناة. بدليل تكرار الفيضانات وكل سنة أسوأ من سابقتها، على ما يقول أهالي المنطقة المصرّين على عنوان واحد ملخصه: إنشاء ساتر يحمي الناس وأرزاقهم.
 
 
ولا بد من الإشارة الى أن  مشاريع إعادة تعزيل مجريي نهري الكبير والأسطوان وتنظيفهما، غالبا ما تجري بشكل إرتجالي وصوري وغير علمي من بدون أي مراقبة أو متابعة من الجهات الرسمية المعنية. وغالباً ما تقتصر الأمور على شفط المتعهدين كميات الرمول عند مصبي النهرين، للإفادة من بيعها بأسعار خيالية.
علماً أن طول المجرى عند ضفتي كلا النهرين  يبلغ حوالى 26 كيلومتراً، مطلوب الإهتمام بها ومعالجتها .
اللبكي
محافظ عكار عماد اللبكي يوضح "أن ما حصل السنة الماضي كان كارثياً، وأن كمية المتساقطت فاقت كل التقديرات وحصل ما حصل من فيصانات ليست للبلديات ولا الأهالي القدرة على تحمّلها أو معالجة آثارها، ولا حتى اتخاذ إجراءات لتفاديها".
 
 
ويلفت الى "أن وزير الطاقة هذا العام  لزّم إحدى الشركات عمليات تعزيل مجاري الأنهر، ولكن نحن ليست لنا رقابة مباشرة على هذه الأعمال التي يقال أنها بدأت وهذا أمر قيد المتابعة من جهتنا".
 
وبشير الى أنه "سعى عبر هيئة إدارة الكوارث التي يرأسها، الى التعاون مع عدد من الجهات والجمعيات الدولية المانحة التي موّلت عملية تعزيل مجرى نهر الأسطوان في خراج بلدة الكنيسة بطول حوالى 2500 متر، وثمة جهود نبذلها حالياً لاستكمال عملية تنظيف مسافة 2500 متر إضافية من مجرى النهر، والأمور تسير في الإتجاه الصحيح".
 
ويضيف: "تمكنا بالتعاون مع بعض الجمعيات أيضاً من سدّ بعض الفجوات الأساسية على مجرى النهر الكبير في خراج بلدتي السماقية وحكر الضاهري.
غير أننا توقفنا عن العمل في الأنهر قبل قرابة شهر، لأن وزير الطاقة والمياه طلب منا التوقف عبر مستشاره طوني ماروني، باعتبار أن الوزارة هي التي ستقوم بهذه الأعمال".
 
 
ويعتبر "أن الأمور باتت أفضل نسبياً، لكن هل نحن في أمان؟ بالتأكيد لا وهذا أمر مرهون بغزارة مياه الأمطار التي لا يمكن تقديرها مسبقاً".
 
ويرى "أننا نفّذنا قسماً كبيراً من خطة العمل الموضوعة، لكن نعم هناك نواقص كثيرة وثمة ضرورة قصوى لتنفيذ باقي الأعمال المفترضة للحدّ من مخاطر الفيضانات، ومنها تعزيل جدي لمجاري الأنهر  قبل حلول الشتاء حرصاً على أرزاق  الأهالي وممتلكاتهم".
 
وكان اللبكي في هذا السياق، وجّه كتاباً عطفاً على كتاب لوزير الداخلية والبلديات،
يؤكد فيه عدم قدرة البلديات على القيام بأي أعمال تنظيف جرّاء فيضانات نهري الأسطوان والكبير، وأن هذه الأعمال من مسؤولية وزارة الطاقة والمياه (وفقاً لكتاب مرفق من الوزارة).
حنا
ويشرح غسان حنا عضو غرفة إدارة الكوارث وممثل الصليب الأحمر اللبناني في  محافظة عكار، واقع ما يحصل من فيضانات لمياه مجريي هذبن النهرين من شتاء عام 2019  حتى شتاء عام 2024، ويقول أنه في شتاء  2019 حصل فيضان كبير لمجرى النهر الكبير في خراج  السماقية عند الضفة اللبنانية إستمر ثلاثة أيام، قال عنه الأهالي أنه غير مسبوق منذ أكثر من 50 سنة.
 
 
ويلفت الى "أن الفيضان وقوة تدفق المياه أحدث أكثر من 6 فجوات كبيرة سمحت لمياه النهر بالتدفق الى عمق الأراضي، فأغرقت الممتلكات واستباحت المنازل والخيم (للنازحين السوريين)، فعمل الصليب الأحمر اللبناني بموافقة أمينه العام  على تأمين تمويل ساهم في إقفال هذه الفجوات وردمها عام 2020 بإشراف البلدية التي شكلت لجنة لمتابعة هذا الملف.
وفي عام 2021 لم يُحدث الفيضان أي خرق للفجوات السابقة التي جرى ردمها وإقفالها.
 أما في عام 2022، فحصل فيضان كبيرأيضاً وجرى إخلاء أكثر من 341 عائلة سورية (1750 شخصاً)  حاصرت السيول خيمها.
وأسفر هذا الفيضان عن إحداث ثغرات وفجوات جديدة في  الساتر الترابي الطبيعي لمجرى النهر، عمل الصليب الأحمرعلى إقفالها فور انحسار المياه بإشراف من غرفة إدارة الكوارث وبلدية السماقية.
 
أما الفيضان الأكبر والأكثر كارثية فكان في 13 كانون الثاني الماضي، عندما غمرت المياه الأراضي بكاملها في خراج السماقية وحكر الضاهري.
وعملت البلدية والآهالي وفرق الصليب الأحمر على إخلاء 350 عائلة سورية، بمساعدة لوجيساية من الجيش بتأمين المساعدات الغذائية والإغاثية للأهالي كما للنازحين.
 
ويذكّر بـ"أن الفيضان العنيف هذه السنة خلّف أضراراً كبيرة بالممتلكات في السماقية وحكر الضاهري، وتسبب بإحداث 7 فجوات سمحت بتدفق مياه النهر".
ويؤكد "أن الصليب الاحمر وغرفة إدارة الكوارث عملا على إقفال 5 فجوات، في حين تكفلت منظمة "الرؤية العالمية" اقفال فجوة . وتنصبّ الجهود على تأمين التمويل اللازم للعمل على إقفال الفجوة (السابعة) في خراج حكر الضاهري قبل حلول الشتاء، تحوّطاً لاحتمال تكرار حصول الفيضان الأمر الذي  سيتسبب بكارثة جديدة".
 
 
نهر الأسطوان أيضاً
ويقول: "في شتاء 2024 فاض مجرى نهر الأسطوان أيضاً بالتزامن مع فيضان النهر الكبير، وألحق أضراراً بالغة بأربع بلدات هي: المسعودية، تلبيبة، الشيخ زناد،  والكنيسة التي لحق بها الضرر الأكبر وأغرقت السيول أراضيها كاملة واقتحمت عدداً كبير من المنازل .
وفور انخفاض منسوب المياه، تواصلت غرفة ادارة الكوارث باشراف المحافظ مع الجمعية البولندية PPCM  التي عملت مشكورة على تنظيف المجرى بطول حوالى 2,5 كيلومتر.
ونسعى الآن عبر الغرفة الى استكمال تعزيل المسافة المتبقية قبل حلول الشتاء".
 
ويشدّد  على "أن السماقية هي الأكثر تضرّراً من فيضان النهر الكبير، ويسكنها  285 عائلة لبنانية، وأكثر من 345 عائلة سورية في 11 مخيماً.
بينما يسكن حكر الضاهري المجاورة 115 عائلة لبنانية.
 
زيارة فياض
وكان وزير الطاقة والمياه وليد فياض زار عكار برفقة مستشارين وموظفين في 9 أيار الماضي، وعقد لقاء موسعاً في سرايا حلبا، وكان ملفا النهر الكبير والأسطوان على طاولة النقاش والبحث .
وشرح فياض في حينه ما ستقوم به الوزارة لعكار، موضحاً "أن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي "UNDP" قدّم مبلغ 5 ملايين دولار لمصلحة عكار، سنستخدمها في تعزيل مجرى النهر الكبير وزيادة التوربينات لمعمل الطاقة الكهرومائية في البارد".
وأكد "الحصول على التزام مالي للنهر الكبير الجنوبي ونهر الأسطوان فقط للتعزيل، وليس لإقامة ساتر ترابي، وأمنّا في الموازنة مبلغ 45 مليون دولار نستفيد منه لتحسين الأوضاع في المنطقة والحؤول دون وقوع كارثة طبيعية، كما حصل العام الماضي. كما أجرينا مزايدة لتعزيل الأنهار وحصلنا على مزايدة ناجحة في عكار لمصلحة "شركة البروج" وساهمت تلك المزايدة في دفع أموال لمصلحة  خزينة الدولة".
 
ماذا يقول المواطنون؟
علي درويش من بلدة السماقية مزارع ويملك مع أشقائه أراض عدّة إضافة الى 9 بيوت زراعية محمية، يؤكد "أن خسائر فيضان الشتاء الماضي كانت كارثية على معظم مزارعي البلدة والقرى المجاورة، حيث أتلفت مزروعاتهم الشتوية بكاملها بعد أن غمرتها السيول".

وأسف لـ"كون الدولة منذ عام 2004 حتى اليوم لم تعوّض المزارعين خسائرهم الكبيرة جداً"، مشيراً الى "أن ثمة جمعيات قدّمت بعض المساعدات مشكورة، لكنها مساعدات بسيطة للغاية ولا تقاس بحجم الخسائر على الإطلاق".

ولفت الى أنه "لم تجر حتى اليوم أي عملية تعزيل لمجرى النهر، والأمور على حالها، وبعض الجمعيات عمل على سدّ عدد من الفجوات، لكن هذا الأمر لا يلغي مخاطر احتمال تكرار فيضان النهر ولن يوقف الكوارث المحتملة مع حلول فصل الشتاء".
وشدّد على "أن أهالي المنطقة يُجمعون على مطالبة الدولة بإنشاء ساتر ترابي بالمواصفات العلمية والهندسية، مماثل للساتر الذي أنشأته السلطات السورية على الضفة السورية للنهر الكبير، فحمت أراضي مزارعيها وممتلكاتهم، وإلاّ فإن الضفة اللبنانية ستتحمل كما دائماً هذا الحمل الثقيل الذي لم يعد بإمكان أبناء القرى اللبنانية المجاورة للنهر تحمّله".

"لا من يعوّض ولا من يسأل"
ويأسف المزارع خالد إدريس من بلدة الكنيسة المحاذية لمجرى نهر الأسطوان لـ"الاستهتار الحاصل بتعب الفلاحين والمزارعين الذين يخسرون كل شتاء جزءاً كبيراً من إنتاجهم بفعل فيضان النهر واقتحام السيول للبيوت الزراعية البلاستيكية وإتلاف المزروعات الشتوية".
ويطالب بـ"إتمام عمليات التعزيل سنوياً قبل حلول الشتاء، وتعميق مجرى النهر على النحو الذي يمكّنه من استيعاب كمية الأمطار المتساقطة لتخفيف الضرر عن المزارعين والأهالي".
ويشير الى أن السيول في شتاء العام الماضي "اجتاحت أكثر من 11 بيتاً زراعياً يملكهم مع أشقائه، فحطمتها وأطاحت بالأغطية البلاستيكية ولا من يعوّض ولا من يسأل".
"
لا حلّ إلاّ بساتر ترابي"
ويشدّد المواطن أحمد العلي من حكر الضاهري الواقعة مباشرة عند الضفة اللبنانية لمجرى النهر الكبير، على "أن أبناء المنطقة ما عادوا يتحمّلون فيضان النهر سنوياً"، لافتاً الى "أن أكثر من 5 بلدات تتضرّر محاصيلها وتحاصر منازلها بالسيول الجارفة ولا من يسأل".

ويعتبر "أن المعالجات لا تفي بالمطلوب وهو إتمام إنشاء ساتر ترابي على طول مجرى النهر قبالة الساتر الترابي المنشأ من الجانب السوري، وهذا هو الحل الوحيد الذي يحمي أراضينا وممتلكاتنا وهو ما يطالب به الأهالي منذ سنوات، لكن لا جواب من المسؤولين عندنا".
  
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم