بعد الحادثة المأسوية، التي هزّت قرية كوبا في قضاء البترون، إثر إقدام شاب ثلاثيني على قتل والده وزوجته الحامل وطفله الصغير، يتقدّم السؤال عن الدافع والأسباب الكامنة خلف هذا الفعل الشنيع؟
غالبًا ما يُعتقد أن مرتكبي مثل هذه الأفعال هم مصابون باضطرابات نفسية، أو من الذين يعانون من حالات نفسية سيّئة. ولكن، هل يعني ذلك أن كلّ مريض نفسي معرّض لارتكاب أعمال عنف أو انتحار؟ وما هي العلامات التحذيرية التي قد تشير إلى خطر ارتكاب أفعال عنيفة أو الانتحار من أشخاص يعانون من الاضطرابات؟
في هذا الإطار، قدمت الاختصاصيّة النفسية، الدكتورة ميا عطوي، رؤى حول هذه الأسئلة المعقّدة. وأشارت في حديثها لـ"النهار" إلى أنه لا يمكن تحديد الأسباب بدقة وراء ارتكاب أعمال العنف، خاصّة إذا لم تكن لدينا معلومات كافية عن ظروف الشّخص المعني أو حالته النفسيّة.
في بعض الحالات، قد يرتكب الأشخاص أفعال عنف تحت تأثير أمراض ذهنية معينة، كالانفصام -على سبيل المثال- حين يفقدون الاتصال بالواقع، ويستجيبون لأوهام أو هلوسات.
على الرغم من ذلك، فإن الأسباب الدقيقة التي تدفع الشخص لارتكاب مثل هذه الأفعال تبقى غامضة، وقد تكون مزيجًا من عوامل نفسية واجتماعية وشخصية.
من جانبها، ألمحت المعالجة النفسية التحليلية ماري بيل فخري إلى أن هناك علامات تحذيرية قد تشير إلى احتمال ارتكاب الشخص لأعمال عنيفة أو الانتحار. ومن بين هذه العلامات: العزلة الاجتماعية الشديدة، تقلّبات المزاج المفاجئة، وصعوبة الالتزام بالروتين اليوميّ، مثل الذهاب إلى العمل والعودة في أوقات محدّدة، كما أن صعوبة التعبير عن الذات في المجتمع يمكن أن تكون مؤشرات على خطر محتمل. هذه العلامات تشير إلى وجود اضطرابات نفسية قد تتطلّب تدخلاً فوريًا.
أما بالنسبة إلى التدخلات العلاجية والدعم النفسي، فقد أكدت الدكتورة فخري أن التمييز بين الاضطرابات النفسية، التي تؤدي إلى تصرفات عنيفة وغيرها، يتطلب فحص الصراعات الداخلية للشخص، وقد تكون غير محلولة منذ الطفولة.
الغضب المكبوت وعدم القدرة على التعبير عنه يمكن أن يدفعا الفرد إلى توجيه هذا الغضب نحو الآخرين. لذا، من الضروري أن يشجّع المحيط الاجتماعي الشخص على طلب العلاج النفسي.
في سياق متصل، تناولت الدكتورة عطوي تأثير الظروف الاجتماعية والأسرية على تفاقم الاضطرابات النفسية. وأكدت أن الدعم الأسري والاجتماعي يلعبان دوراً حاسماً في معالجة المشكلات النفسية حيث يجب على الأفراد المحيطين بالشخص الذي تظهر عليه علامات تحذيرية تشجيعه على رؤية طبيب نفسي والحصول على خدمات الصحة النفسية، كما أن الظروف الاجتماعية والاقتصادية تؤثر أيضاً بشكل كبير على الصحة النفسية، ويمكن أن تؤدي القدرة على تلبية الاحتياجات الأساسية إلى تقليل الأزمات النفسية.
من المهم أن يتم التركيز على توفير الدعم الاجتماعي والاقتصادي للأفراد من أجل الوقاية من تفاقم المشكلات النفسية وتجنب المخاطر المحتملة.
بناءً على هذه التحليلات، يتضح أن فهم أسباب ارتكاب الجرائم المأسوية يتطلب نظرة شاملة تجمع ما بين العوامل النفسية والاجتماعية، والتشخيص المبكر والعلاج المناسب، إلى جانب الدعم الاجتماعي القويّ، ليكون لذلك كله دور كبير في منع حدوث هذه الأفعال وضمان صحة نفسية جيدة للأفراد.