السبت - 21 أيلول 2024
close menu

إعلان

أكثر أشهر السنة مشقّة في الجرد... أيلول: سباق المُزارع مع الطقس وورشة إعداد المؤونة للشتاء والربيع (صور)

المصدر: "النهار"
طوني فرنجية
إمرأة في الجرد الشمالي تعمل على تجفيف ثمار التين.
إمرأة في الجرد الشمالي تعمل على تجفيف ثمار التين.
A+ A-
 
يعتبر أيلول الشهر الأكثر مشقّة على سكان الجرد، ولاسيما منهم المزارعين وعائلاتهم الذين يسكنهم هاجس الخوف على محاصيلهم الزراعية، التي تكلفهم عناء زهاء خمسة أشهر، فيأتيها بـ"طرفه المبلول" ليتلف البعض منها، ويزيد أكلاف الجنى والقطاف في البعض الآخر.
 
 
 لذلك، يسابق المزارعون وعائلاتهم في هذا الشهر أحوال الطقس خشية هطول المطر واشتداد الرياح، فيزيدون وتيرة العمل لتحضير المؤونة البيتية إستعداداً لأشهر الشتاء والربيع، ويعجّلون حصاد القمح واقتلاع البطاطا، والإفادة من أشعة الشمس لتجفيف الفاكهة أو صنع "القديد"، وهو عادة قديمة تقضي بتجفيف أنواع عدة من الخضر فلا يدخلها الملح والخل بل تبقى طبيعية مثل اللوبياء والكوسا، والإفادة بالتالي قدر الإمكان من إنتاج أراضيهم، لتوفير مصاريف هم في غنىً عنها في الشتاء، خصوصاً في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها جميع اللبنانيين.
 
 
بين الحاضر والماضي
ما يحمّله أيلول من أعباء لأبناء الجرد، ترجمته بربارة عوّاد على صفحة "بين الماضي والحاضر حردين الأحلى"، حيث كتبت:
"ما في أصعب من إنو تفيق بكّير من عزّ نومتك بهالبرود.
بس المونة بتجبرك بمواسمها. 
مبارح ربّ البندورة واليوم مربى التين. 
أطيب شي تآمّن مونتك من أرضك. 
صباح الأرض الطيّبة، صباح الخير".
 
 
وكانت كتبت أيضاً قبل يوم قائلة:
"اليوم فقنا بكّير، عصرنا البندورات وبلّشنا بِصنع الشراب. 
ما في أطيب من مونة الضيعة وخصوصي إذا البندورة بلديّة 
وعم نعملها عالحطب. 
عالبركة، صباح الخير".
 
 
نكهة أيلول
ما كتبته عواد، يذكّرنا بأن كثيرين من أبناء هذا الجيل لا ينسون طعم شهر أيلول في القرى اللّبنانيّة، هم لا يزالون يحنّون الى عبق الدّخان المتصاعد من المواقد اللاهبة  في باحات المنازل أو خلفها، والتي على نارها تُعدّ في "الدسوت" ) الدست وعاء نحاسيّ كبير للطبخ، يتّسع قعره ويضيق أعلاه) مؤونة الشّتاء، ويسلق القمح لجرش  البرغل، ولا ننسى "الكركة" وتقطير الكحول والعرق البلدي المثلث، مما يبقي مذاق أيلول في الأفواه طوال الشتاء والربيع في المجتمعات الريفية والجردية.
 
 
فالمؤونة تشمل القمح والبرغل والحمّص والعدس والفول والجوز واللّوز والبازيلا  والفاصولياء، كماالألبان والأجبان والكشك والشنكليش، وبين الفاكهة الموسميّة الّتي تحوّل إلى مربّيات أو تُجفّف كما الزبيب مثلاً، فتعطي في أيّام البرد دفئاً صيفيّاً،  وبين المخلّلات على أنواعها والمكدوس والكبيس من الكوسا وورق العنب والخيار والمقتي والمشكّل والزّعتر ورِبّ البندورة ودبس الرّمّان والقاورما، من دون أن ننسى شراب التوت وماء الورد الذي يصنعون منه ما يعرف محلياً بـ"اليا اسما".  
 
وأدخلت حديثاً الى البيوت والأديار صناعة "الليكور" بعدما باتت صناعة النبيذ تقليداً كما العرق وخل التفاح. ولا تكتمل المؤونة من دون كبيس الزّيتون "شيخ السّفرة اللّبنانيّة" الّذي يُقطف في أيلول لتُرصّ حباته وتوضع في الخوابي الفخّاريّة أو داخل مراطبين زجاجية بحسب حاجة كل عائلة .
المؤونة وجنى المواسم قبل أن  تبدأ أحوال الطقس بالتبدّل في ايلول، تجعل المجتمعات الريفية الجردية أشبه بخلايا نحل. فالحركة مستمرة والجهود متواصلة، وعلى ما يقول المثل العامي: "بأيلول دبّر المكيول للحمص والعدس والفول ".
 
 
 
تقاليد وعادات كانت آخذة في الاندثار عاماً بعد آخر، لكنها عادت لتتجدّد في السنتين الأخيرتين لأن "ما بيد المزارعين حيلة لمواجهة الظرف الاقتصادي إلا الأرض ونتاج الأرض، ولهذا عادوا الى أرضهم مصدر رزقهم وخيرات آبائهم وأجدادهم. ولا يزال بعضنا يذكر عند بداية "حرب السنتين"، كيف أن المسنين حثوا أولادهم وأحفادهم على العودة الى الأرض واقتناء الدجاج ورأسين من الماعز، لتوفير اللبن والحليب واللحوم، في ظل ما خبروه من مجاعة الحربين العالميتين الأولى والثانية وضائقتهما.
الأزمة والعودة الى الأرض
سعيدة الشدياق تقول لـ"النهار": "قبل هذه الأزمة والانكماش الاقتصادي ما كنا نهتم بالمؤونة الشتوية، لأن كل شيء كان متوافراً في الأسواق. صحيح أنه بأسعار مرتفعة لكن الحصول عليه كان من دون تعب وكثير عناء. اليوم تبدّلت الأحوال وعدنا الى الارض وخيراتها، فالتكلفة أقل لكن التعب والمجهود كبيرين ."
 
 
 
وتضيف: "عدنا الى حقولنا وأرضنا نزرع الخضر ونعتني بها، نبيع منها الفائض عن حاجتنا ونؤمن من الإنتاج المؤونة اللازمة حتى موعد المواسم الجديدة: مربى المشمش والتفاح والإجاص والسفرجل، شراب التوت، الكبيس على أنواعه بما فيه الكوسا وورق العنب، وحتى البندورة الخضراء (غير الناضجة)، عدس وحمص والحبوب والفاصوليا على أنواعها، ونشتري القمح البلدي نسلقه ونجرشه ونصنع منه البرغل. كما إننا نجفّف أنواع عدة من الفاكهة ولم نعد نشتري في الشتاء إلا اللحوم والفراريج والخبز ".
وختمت مذكّرة بالمثل المأثور: "فلاح مكفي سلطان مخفي"... هذه حالنا اليوم بعد خسارتنا ودائعنا التي كنا نؤمن معيشتنا منها، ضاع جنى عمرنا في المصارف ولولا الأرض لكنا اليوم نشحد لقمتنا".
 
 
 
 
أما سلوى الحداد فتحمد الله على "أننا ما تركنا أرضنا، وليس عندنا بديل معيشي غير نتاجها. ضاقت بنا السبل إبان الوباء (كوفيد) لجهة تصريف الإنتاج الزراعي، لكننا اعتمدنا التصنيع، كالمربيات والكبيس ورب البندورة والشراب, ولهذا صرنا نزرع الأصناف التي يمكن تصنيعها، واليوم نبيع غالب ما نصنعه لأن كثيرين عادوا الى المونة البلدية على أنواعها، بما فيها الكشك والمكدوس والزعتر واللبنة المكبوسة، وباتوا يفضلون الطبيعي على المعلّب والمصنّع أو المنتج من البيوت البلاستيكية، ويأتون لطلب الخيار الشمسي والبندورة الشمسية ويسألون عن المؤونة قبل أن يشتروها إن كانت بلدية".
وتضيف : "في أيلول لا ننام لأن علينا إعداد كميات للمؤونة الشتوية وفق طلبات الزبائن، النار تبقى مستعرة في المواقد ساعات طوال، لإنضاج ما يحتويه "اللكن" أو الطناجر الكبيرة، ونحن لا نملّح رب البندورة كثيراً ولا الكبيس، ونستخدم خلّ التفاح للمخلّلات، كما نقلّل السكر في المربيات، ومن يعاني من السكري فله المجفّفات ".
 
وتوصي بـ"أن الأرض مباركة لا تتخلوا عنها، وهي الملاذ ساعة الشدّة".
 
المؤونة البلدية باتت في كل بيت وفي كل دير تباع على اختلاف أنواعها، تساعد المحتمعات الريفية على الصمود وعلى الاهتمام بالأرض والمواسم، وباتت زينة المعارض والسوبرماركت ومحلات المواد الغذائية، وعنوانها الأساسي: "كلو بلدي، قرّب ع الطيّب".
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم