كانت الزوجة تعدّ الطعام في المطبخ ويساعدها زوجها في جو من الإلفة والمحبة والضحك كونها حاملاً بطفلهما الأول. سمعا "رجّة" جهاز "البيجر"، فأسرع الزوج نحوه ونظر إليه ملياً لقراءة الرسالة (كأنها النظرة الأخيرة)، فإذا يه ينفجر في وجهه ويصيب عينيه ويديه كما يصيب الزوجة.
وهلة الإنفجار كانت كفيلة انهيار الزوجة باكية وغير مدركة ماذا ستفعل، زوجها وحبيبها وعريسها مضرّج بالدماء، تطايرت أصابعه، وعيناه في مشهد مرعب رفضت أن تتقبله، فسارعت إلى الاتصال بوالديها القريبين من مسكنها الزوجي، باكية لا تعرف ماذا تقول ولا تدرك ماذا حصل... "علي انفجر ما بعرف شو صار؟".
في دقائق قليلة حضر والداها وصدما بالمشهد المرعب، فحمل الأب صهره الذي كان يعاني من نزيف في رأسه لكنه لم يغب عن الوعي لصلابته وقوته، فيما ساعدت الأم ابنتها المنهارة على المشي وبطنها يتقدم خطوتها وهي الحامل في شهرها الثامن، وسارعا إلى نقلهما في السيارة إلى مستشفى في بعلبك، وبدأت الكارثة.
الدم على الأرض وفي كل مكان، كأنك تدخل في نهر أحمر من شباب ينزفون ولا تعرف ماذا حصل، سارع الأب إلى وضع زوج ابنته على سرير الطوارئ، وأدخله إلى غرفة تعمّها الفوضى نتيجة الوضع الكارثي، دخل الممرضون لمعالجة الزوج وحضر طبيب الطوارئ لمعاينته. التقرير الأولي: جرح عميق في الرأس، إصابة بالغة في إحدى عينيه، فقدان أصابع في اليدين، الوضع محرج.
ولكن مهلاً، ماذا أصاب الزوجة الحامل؟ جرح كبير في كتفها وآخر في يدها تطلّبا "التقطيب" لوقف النزيف، والحمدلله حالة الجنين جيّدة ولم يدرك ماذا أصاب والديه المضرّجين بالدماء، ولا يعلم ما إذا كان الأب سيستطيع رؤيته نتيجة الإصابة في العينين.
"الوضع محرج ولا نستطيع علاجه في المستشفى. يجب نقله سريعاً إلى مستشفى آخر في المنطقة"... بهذه الكلمات شخّص طبيب الطوارئ حالة الزوج الذي كان واعياً ومتماسكاً أمام زوجته، ونقل إلى مستشفى آخر استقبله بسرعة كبيرة وأجرى الأطباء الصور والتحليلات اللازمة، لكن القرار كان مزعجاً... "ليست لدينا الإمكانات اللازمة للعلاج، ومن المحتمل خسارة النظر في إحدى عينيه"، ولكن ما هو الحل؟ سيجري نقله إلى إيران للمعالجة.
صدمة ثم توقف الوقت قليلاً قبل أن يوافق أهل الزوج الذين حضروا إلى المستشفى، فجاء طبيب لتشخيص حالة الزوج ومدى إمكان السفر على متن الطائرة، لكن الجواب كان: "لا نستطيع نقله بالطائرة لأن هناك شظية استقرت في رأسه ونتخوف من تحركها نتيجة الضغط الجوي المرتفع فتسبب ضرراً كبيراً". ران الصمت مرة ثانية، "فما الحل؟" صرخت الزوجة، "أريد زوجي أن يرى طفله، أريده معي في المنزل، أريده أن يبقى مهندساً، ليش هيك صار يا رب؟".
تدخّل الطبيب مرة ثانية وقال، بعد تنسيق مع قيادة "حزب الله"، كون الزوج عنصراً أو ضابطاً في الحزب، "سيجري نقله إلى سوريا في سيارة إسعاف، فهناك مستشفى متطور وجرحانا يتعالجون هناك وهو ذو كفاءة"، واتخذ القرار وفي انتظار تنفيذه، وقعت تفجيرات الأجهزة اللاسلكية الخاصة بالحزب، فيما لا يزال الزوج يرقد في المستشفى ويرى بإحدى عينيه "نوراً خافتاً" عسى أن يرى عبره مولوده المنتظر.
الأمل دائماً موجود، بعد 48 ساعة من العتمة وعدم القدرة الصحية للزوج على الانتقال إلى إيران أو سوريا، أتى إلى لبنان طاقم طبي إيراني مع معداته لمعالجته وإجراء جراحة تعتبر الأخطر، ونتائجها ستؤثر على قدرته على معاودة النظر، فهل يدرك الحزب بماذا ورّط عناصره؟