يدمي القلوب... مشهد النازحين بمئات الألوف، من مدن الجنوب وقراه، الفارون من بيوتهم الآمنة ومن جحيم انفجارات الصواريخ الثقيلة التي ألقتها الطائرات الحربية الإسرائيلية، من دون توقف طوال ساعات نهار الإثنين وليله، والتي أسفرت عن استشهاد أكثر من 500 شخص بينهم 35 طفلا ونحو 60 إمرأة وإصابة نحو ألف و700.
كثيرون غادروا بيوتهم على عجل من دون أن يتمكنوا من جلب أغراضهم الخاصة، ومنهم من نجوا بأعجوبة، إثر سقوط صاروخ على منزلهم بعد دقائق معدودة على خروجهم منه، ومنهم من عاشوا لحظات الهلع والرعب ولاسيما منهم الأطفال، إذ كان دوي انفجارات الصواريخ يتردّد على جوانب الطرق وأطراف القرى.
رحلة القهر والذل تجسّدت في خلال نزوحهم من بيوتهم وأماكن سكنهم وبلداتهم بما يشبه مشقّة درب الجلجلة. كل الفارين في إتجاه الشمال من أقضية محافظتي الحنوب والنبطية، قصدوا صيدا أولاً وإقليم الخروب الساحلي وأخيراً بيروت وما بعد بيروت. آلاف السيارات تحركت في وقت واحد من القرى والبلدات، في ذروة تصاعد العدوان الجوي الإسرائيلي، وامتثالاً لإنذارات العدو بإخلاء المنازل، مما أدى الى تدفّق الفارين بسياراتهم وكل وسائل النقل المتوافرة، وتالياً الى ازدحام خانق غير مسبوق، من مثلث الزهراني، صور، النبطية، وتحول إلى أم المشاكل على المداخل الجنوبية لمدينة صيدا، وعلى طريق الغازية - الأوتوستراد والطريق البحرية، فتوقفت عجلات السيارت ما يراوح بين 4 و20 ساعة.
فالسيارات التي كانت تعتزم عبور المدينة، من الأوتوستراد الشرقي، أو عبر بولفار معروف سعد وشارع رياض الصلح أو الطريق البحرية القديمة، كانت تعلق في مصائد، نتيجة غياب العناصر الأمنية عن القيام بواجباتها، وإقفال النازحين بسياراتهم المسارب المقابلة التي تتيح للسيارات المرور في الاتجاه المعاكس.
هذا الأمر، حسمه اليوم تدخّل قوة من الجيش انتشرت على معظم الطرق والساحات العامة ومفترقات الطرق، وعمل جنودها على تنظيم السير ومنع المخالفات التي كانت أبرز الأسباب التي أدت إلى الازدحام الخانق، وتوقف السير لساعات طوال، والتي نجم عنها بعض الحوادث والحالات الطارئة، ومنها، شعور إمرأة حامل بآلام المخاض وتعذّر مرور سيارة كانت فيها. وإثر نداءات على مواقع التواصل، توجهت سيارة إسعاف إلى المكان وعمل المسعفون على نقلها إلى أقرب مستشفى.
كذلك تعطلت سيارات عدة وسط الطريق نتيجة حماوة المحرك أو نفاد مادة البنزين، والطامة الأخرى تمثلت بعد وصول النازحين الى بعض المدارس التي فتحت أبوابها، بعدم توافر أي لوزام لإيواء الوافدين، علما أن عدداً كبيراً من العائلات افترشت الحدائق العامة وعدداً من الآرصفة في جوار سياراتهم، إضافة إلى تشتّت أفراد بعض العائلات وفقدان التواصل بينهم.