قبل سبع سنوات، هجّر منير جبرائيل من بلدته قرقوش هرباً من جهاديين بثياب سوداء دمروا مدينته وكنيسته، لكن هذا المسيحي من شمال العراق وقف اليوم في تلك الكنيسة نفسها، منتظراً رجلاً برداء أبيض، هو البابا فرنسيس.
وأكد أستاذ الرياضيات البالغ من العمر 61 عاماً ل"وكالة الصحافة الفرنسية" أن "الوضع بات آمناً أكثر هنا. من الرائع أن نرى البابا. لم نتوقع قط أنه قد يأتي إلى قرقوش".
وأضاف :"ربما قد يساعد ذلك في إعادة بناء البلاد، وإحضار السلام والحب أخيراً. شكراً له".
على مداخل البلدة، وقف سكّان قرقوش على جوانب الطرق، حاملين سعف النخيل وأغصان الزيتون كتلك التي استقبل بها المسيح في أورشليم، ترحيباً بالزائر غير العادي، فيما رفع صليب عند مدخل البلدة. هم هؤلاء أنفسهم الذين اعتلوا شاحنات ومعهم فقط الثياب التي على أجسادهم هرباً من تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في صيف عام 2014.
ملابس تقليدية
حينها، وخلال بضعة أيام فقط، فرّ غالبية مسيحيي البلدة البالغ عددهم 55 ألفاً، ولجأ معظمهم إلى كردستان، وبينهم جبرائيل.
فرّ الرجل من قرقوش إلى أربيل لثلاث سنوات، ثمّ عاد إليها في عام 2016 بعد تحرير شمال العراق من التنظيم المتطرف، وتمكّن من إعادة بناء منزله عام 2020.
وعلى رغم محاولة التنظيم إلغاء أي أثر للوجود المسيحي في البلدة التي يعود تاريخها إلى قرون خلت، يبلغ اليوم عدد العائدين إليها 26 ألف مسيحي انتظر الآلاف منهم الأحد بفرح كبير البابا قرب كنيسة الطاهرة الكبرى وداخلها.
وعلى وقع الألحان السريانية وبالورود، دخل البابا كنيسة الطاهرة الكبرى.
وفي الداخل، سمح فقط لحاملي دعوات خاصة بالتواجد. ومن بينهم نساء ورجال بملابسهم التقليدية، وأطفال حملوا الورود، احتفالاً بأحد استثنائي في بلدتهم.
وعلى الرغم من أن عدداً من المشاركين لم يضعوا كمامات، تمّ اتباع بعض الإجراءات الصحية، مثل قياس درجة حرارة الداخلين إلى الكنيسة.
وعكست الفرحة الكبيرة حجم الألم الكبير الذي تعرض له أبناء قرقوش. إذ رأوا في زيارة البابا لهم وميض أمل في وقت لا تزال الذكريات الموجعة لأهوال الحرب حيّة في نفوسهم.
وهيمن الجهاديون على تفاصيل حياة قرقوش اليومية... فرضوا هنا عقوبات دامية، وإعدامات، وأنشأوا أسواق بيع رقيق وساحات جلد علني، وغيرها من الانتهاكات العنيفة والوحشية لحقوق الإنسان.
في كلمته الأحد إلى أبناء قرقوش التي يسميها أبناؤها أيضاً بغديدة والحمدانية، حاول البابا بلسمة هذه الجروح. فقال :"قد يكون طريق الشفاء الكامل لا يزال طويلاً، لكنني أطلب منكم، من فضلكم، ألا تيأسوا".
وأضاف :"يتطلّب الأمر القدرة على المغفرة، وفي الوقت نفسه، الشجاعة للكفاح"، في بلد لا تزال فيه التوترات الطائفية حاضرة.