أنهى البابا فرنسيس زيارة العراق منذ حوالي الساعة. لكنّ الآثار الإيجابيّة لتلك الزيارة مستمرّة. برز الأثر الأوّل عبر الإضاءة على التحوّل الإيجابيّ الكبير الذي شهده العراق خلال السنتين الأخيرتين. لم يحظَ هذا التطوّر، أكان على صعيد الأمن والعمران أو على صعيد الحوار بين الأديان التغطية الإعلامية الكافية. من جهة ثانية، شكّلت الزيارة بداية جديدة للمجتمع المسيحي العراقي.
تطرّق الباحث في "معهد المشروع الأميركي" مايكل روبين إلى هذه المواضيع وغيرها في موقع "1945" حيث ذكر أنّ بعثة الأمم المتحدة المساعدة للعراق أوقفت في كانون الأول 2018 إحصاء أعداد الوفيات الناجمة عن العمليات الإرهابية في العراق لأنها تضاءلت إلى حد بعيد.
حين توفي 32 شخصاً ذلك الشهر، مثّل العدد انخفاضاً بنسبة 90% عن كانون الأول 2016. في الشهر نفسه أيضاً، كانت الإحصاءات تقول إن هنالك احتمالاً أقل من 1 بالمليون لأن يضربهم الإرهاب. ويقارن الكاتب هذا الرقم بعدد الجرائم في مدينة بالتيمور في 2017 والتي وصلت إلى 560 بالمليون، أو شيكاغو، حيث كانت النسبة 240 بالمليون. وهذا يفسر لماذا ينزعج العراقيون حين يقارن السياسيون والمراقبون الأميركيون "الكسالى" العنف المستجد في المدن الأميركية ببغداد.
لم تنهض بغداد ثقافياً وحسب، بل ديبلوماسياً أيضاً حيث تفتتح دول أوروبية وآسيوية وعربية متزايدة سفارات لها في المدينة. لم يلاحظ كثر في الخارج هذا الأمر لكن يفترض بزيارة البابا أن تكسر حلقة التقارير المركّزة على المشاهد الدموية والصراع بين الميليشيات المدعومة من إيران والقوات الأميركية، بحسب الكاتب.
زيارة البابا فرنسيس ذات معنى كبير لمسيحيي العراق الذين تناقصت أعدادهم بشكل كبير منذ اجتياح العراق لأنهم هربوا من التوترات الطائفية ولأنهم تمتعوا بفرص أكثر من العراقيين الآخرين للهجرة. بشكل غالب، استهدفت الميليشيات الشيعية والسنية بعضها البعض فأصبح المسيحيون ضحايا جانبية لهذا الصراع في الأحياء المختلطة. وأجبر بعض الإسلامويين المسيحيين على إقفال محلات بيع المشروبات الروحية قبل أن يعاودوا فتح بعضها لاحقاً. واستهدفت العصابات المسيحيين في عمليات الخطف للحصول على فدية اعتقاداً منها بأن عائلاتهم في الخارج ترسل لهم الأموال، وفقاً لما تابع روبين. وفي 2010، استهدف تنظيم القاعدة كنيسة كاثوليكية في بغداد.
عملت الحكومة العراقية على حماية المسيحيين وأهرقت الدماء دفاعاً عنهم. في 2018، أعادت وزارة المالية العراقية تصميم ورقة الألف دينار لاستبدال رمز يحمل آية قرآنية بنجمة أشورية. السياسي الشيعي عبدالرزاق العيسى والرئيس السابق لجامعة الكوفة كان المسؤول عن القرار. ويتبوأ المسيحيون مناصب بارزة في العراق ومن ضمنها الرئاسة، لا بسبب الحصص الطائفية وحسب لكن بسبب استحقاقهم لذلك أيضاً. وأضاف روبين أن مسلمي الموصل خاطروا بحياتهم لإخفاء الآثار المسيحية من داعش ثم أعادوها للقادة المسيحيين بعد هزيمة التنظيم.
وألقى الباحث الضوء على زيارة البابا فرنسيس لآية الله العظمى السيد علي السيستاني. حين فجّر إرهابيون من السنّة ضريح العسكريين سنة 2006، حض السيستاني الشيعة على عدم الانتقام. وبعدما سقطت الموصل بيد داعش في 2014 دعا السيستاني الشيعة للمخاطرة بحياتهم من أجل الدفاع عن العراقيين السنة والمسيحيين.
وذكر روبين أنه خلف الكواليس، كان السيستاني يتحاور بهدوء مع جامعة الأزهر في العراق. بلقائهما علناً، يقدّم البابا والسيد السيستاني قدوة حول كيفية معالجة الخلافات الدينية في الشرق الأوسط أكثر من أي خطاب حسن النية أكان أكاديمياً أو ديبلوماسياً أو ناشطاً.
وصف روبين زيارة البابا بـ"التاريخية" ورأى أنّها قد تكون الأكثر زخماً منذ زيارة البابا يوحنا بولس الثاني بولونيا الشيوعية في حزيران 1979.