النهار

باحثان: تقرّب السعوديّة من الصين يدعم مصلحة أميركيّة
المصدر: "النهار"
هل تتبدّد عاصفة القلق في واشنطن؟
باحثان: تقرّب السعوديّة من الصين يدعم مصلحة أميركيّة
وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يرحّب بالرئيس الصيني شي جينبينغ في الرياض، 9 كانون الأول 2022 (أ ب)
A+   A-

في وقت يعتقد البعض أنّ توثيق العلاقات بين المملكة العربيّة السعوديّة والصين يعني ابتعاد الرياض عن واشنطن، كان لباحثَين رأيٌ آخر. فقد دعا الخبير في الاقتصاد السياسيّ الدوليّ أحمد القاروط والخبير في العقوبات والجغرافيا الاقتصاديّة علي أحمدي الولايات المتحدة إلى عدم الخوف من التقارب السعوديّ-الصينيّ. لقد أثارت رحلة الرئيس الصيني شي جينبينغ الأخيرة إلى السعودية "عاصفة من القلق" في واشنطن. لكنّ الخبيرين يلاحظان أنّ معظم ما تمّ الاتفاق عليه خلال الاجتماعات كان مصمّماً لتهميش إيران في الشؤون الإقليميّة والعابرة للإقليم، وهذا يشكّل قضية مشتركة بين الولايات المتحدة والعديد من شركائها في دول مجلس التعاون الخليجيّ.

 

دقة التوقيت

كتب القاروط وأحمدي في "ناشونال إنترست" أنّ اتفاقيّة الشراكة الاستراتيجيّة الشاملة مع الصين تأتي بعد عامين على توقيع بكين اتفاقيّة مماثلة مع إيران. بالتالي، إنّ توقيت الاتفاقيّة ليس مصادفة وإنما خطوة محسوبة من قبل المملكة العربية السعودية لاحتواء وتقييد أي مكاسب يمكن أن تكون إيران قد ضمنتها عبر شراكة استراتيجيّة كهذه. بالتالي، وعلى الرغم من الاعتقاد السائد بعكس ذلك، ستستفيد الولايات المتحدة من الاتفاقيّة التي سوف تساعد في ضمان بقاء قوة إيران الإقليمية والدولية مقيدة.

 

السعوديّة في آسيا

بحسب الكاتبين، يجب ألّا يُنظر إلى الشراكة الاستراتيجيّة بين السعودية والصين بمعزل عن اتفاقات أخرى أبرمتها الرياض في آسيا. بطريقة من الطرق، إن استدارة السعودية نحو آسيا هي ردّ على استراتيجيّة إيران في "التطلّع إلى الشرق". تبنّى هذه الاستراتيجيّة محافظون إيرانيّون ينظرون إلى آسيا وأوراسيا كمسارين أساسيّين لتوسيع النفوذ الإيرانيّ على حساب العلاقات مع الغرب. من هنا، تهدف المملكة العربيّة السعوديّة إلى احتواء خطوات إيران في آسيا مكمّلة جهوداً أمريكيّة مماثلة.

وقّعت السعوديّة ودول أخرى من مجلس التعاون الخليجيّ اتّفاقات مع دول آسيويّة تسعى إيران إلى علاقات أقوى معها من أجل تخليص نفسها من الضغط الاقتصاديّ الغربيّ. خلال العامين الماضيين، وقّعت الرياض اتفاقات اقتصاديّة وديبلوماسيّة ودفاعيّة مع ماليزيا وإندونيسيا والهند وكازاخستان وبنغلادش، وهذه بضعة أمثلة. بالتالي، ينبغي النظر إلى العلاقات الأوثق للمملكة العربيّة السعوديّة مع الصين كجزء من جهودها لاحتواء علاقات إيران المتزايدة في آسيا وكردّ على ابتعاد إدارة رئيسي عن الغرب.

 

حجم التجارة الثنائية

من خلال التوقيع على "اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة"، عزّزت السعوديّة شراكتها الاقتصاديّة مع الصين للحدّ من احتمال أن تتقرّب الأخيرة أكثر من إيران. بحسب "مرصد التعقيد الاقتصاديّ"، وصل حجم التجارة بين الصين والسعوديّة إلى 65 مليار دولار في 2020 بينما لم يصل حجم التجارة بين الصين وإيران في السنة نفسها إلى 14.5 مليار دولار. يمكن تفسير الفجوة الكبيرة بشكل جزئيّ من خلال العقوبات الغربيّة التي تقيّد قدرة الشركات الصينية على التجارة مع إيران وبالعكس. مع ذلك، إنّ التوقيع على الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين وإيران في 2020 امتلك قوّة تعزيز حجم التجارة بينهما.

 

روسيا كمثل

مع تهديد الغرب بفرض عقوبات على الصين ومع فرضه عقوبات واسعة على روسيا، تقلق الرياض من سعي الصين إلى تعزيز تجارتها مع إيران في حال خضعت أيضاً للعقوبات. كانت هذه هي الحال مع روسيا. منذ فرض عقوبات عليها، وقّعت إيران اتّفاقات تجاريّة كبيرة مع روسيا عزّزت حجم التجارة بينهما بعدما وصل إلى 4 مليارات دولار سنة 2021.

على سبيل المثال، وقّعت إيران اتفاق غاز بقيمة 40 مليار دولار مع شركة "غازبروم" الروسيّة. وبرز تدفّق كبير لرجال الأعمال الروس إلى إيران خلال الشهر الماضي وتشديدٌ أعظم على برامج البنى التحتيّة المشتركة. بالتالي، ووفقاً للباحثين، تقلق السعوديّة من أن تنمو التجارة بين إيران والصين وتعدّل التوازن لصالح إيران. تضمن الشراكة الاستراتيجية السعودية أن تبقى التجارة بين إيران والصين أقل من تجارة الرياض معها، ممّا يحافظ على توازن القوة ضد إيران.

 

"شنغهاي" و"بريكس" و"الحزام والطريق"

أضاف الخبيران أنّه ينبغي النظر إلى هذه الجهود كجزء من رغبة الرياض في احتواء دعم إيران للمنظّمات الدوليّة الناشئة التي لا يسيطر عليها الغرب. يتمّ ترفيع إيران للحصول على عضويّة كاملة في "منظّمة شنغهاي للتعاون" وقد تقدّمت بطلب للانضمام إلى تكتل بريكس بقيادة روسيا. تقلق السعوديّة من أن تؤدّي الأهمّيّة المتزايدة لإيران في هذه التكتّلات الأمنيّة والتجاريّة إلى منحها القدرة على تخفيف العقوبات الغربية عنها وتمكينها من مواصلة نشاطات إقليميّة تقوّض مصالح السعوديّة. لقد تقدّمت السعودية بطلب الانضمام إلى "بريكس" بعد فترة قصيرة على تقدّم إيران بطلب العضوية فيها وهي تدرس الانضمام إلى منظّمة شنغهاي للتعاون إلى جانب قطر والبحرين.

إن التزام الرياض بربط "رؤية 2030" بـ"مبادرة الحزام والطريق" هو جزء أيضاً من جهودها لتقليص فرص إيران في أن تكون مستفيداً رئيسيّاً من المبادرة وضمان أن تواصل الصين تحوّطها في الاستثمارات المرتبطة بالمبادرة. وتسعى الحكومة السعودية إلى دفع الشركات الصينيّة كي تؤسّس مقرّات إقليميّة لها في المملكة كخطوة لضمان أن يسيطر اقتصادها على الشرق الأوسط. سيضمن هذا أن تنظر الشركات الصينيّة إلى إيران كسوق ثانوية لا استراتيجية.

 

الدولار والبترو-يوان

على صعيد الجغرافيا المالية، كانت الصين وإيران تسعيان إلى إلغاء دولرة التجارة وتعزيز فكرة "البترو-يوان". عبر الانضمام إلى منظّمة شنغهاي للتعاون، وهي منصّة دوليّة أساسيّة تدفع باتجاه خفض التجارة بالدولار، بإمكان إيران أن تكون قوة إقليميّة أساسيّة تروّج لهذه الأجندة. لن يساعد ذلك طهران على تخطّي العقوبات الغربيّة وحسب بل قد يجعلها أيضاً الدولة الأكثر خبرة وقدرة في المنطقة مع البنية التحتيّة التي تمكّنها من التجارة بعملات أخرى غير الدولار. بالتالي، ليس من قبيل المصادفة أن تدعو الصين السعوديّة للانضمام إلى هذا الجهد وبيع نفطها باليوان.

بينما تظلّ الرياض ملتزمة ببيع الطاقة حصراً بالدولار، جعلت قمّة الشراكة بين الصين والسعودية من "البترو-يوان" هدفاً رسميّاً الأمر الذي يعطي المملكة القدرة على ممارسة هذا الخيار في المستقبل خصوصاً إذا عززت إيران خفض الدولرة كنتيجة لشراكتها مع الصين. إنّ مبيعات البترول على نطاق واسع من خلال عقود مقوّمة باليوان قد لا تكون ممكنة في المسقبل القريب لكنّ آفاق خطوة كهذه قد تكون مقلقة لواشنطن بفعل أهمّيّة أسواق الطاقة المتمحورة حول الدولار بالنسبة إلى مكانة العملة الأمريكية كعملة مهيمنة على العالم.

 

التكنولوجيا لتقييد إيران

يحرص السعوديّون أيضاً على احتواء تطوّر إيران التكنولوجيّ وميزتها العسكرية المتزايدة. تنظر السعوديّة إلى القاعدة الصناعيّة الإيرانيّة كتهديد يساعد إيران على تصدير الصواريخ والمسيّرات وتكنولوجيا الاتصالات المتطوّرة إلى المنطقة ممّا يقوّض مصالح السعودية. عبر التقرب من الصين، تسعى السعودية إلى الرسملة على القدرة الصناعيّة لبكين من أجل بناء قاعدة صناعيّة متقدمة.

من هنا، رحّبت الصين باستثمارات صندوق الثروة السيادي السعودي في قطاعها الصناعي وهو ما سيساعد الرياض على اكتساب المعرفة لتعزيز قاعدتها الصناعية والحفاظ على التوازن الصناعي مع إيران. إنّ اتفاقاً لبناء مصنع للمسيّرات في السعوديّة، وقد تمّ التوقيع عليه قبل الشراكة الاستراتيجيّة، يكمل جهود الرياض لضمان توازن القوى بين السعودية وإيران. بالطبع، لدى السعوديّة وصول إلى الأسلحة الغربيّة وهو ما ليس متاحاً أمام إيران، لكنّ الرياض تسعى إلى تطوير قاعدتها الصناعيّة-العسكريّة المحلّيّة.

 

ميدان اختلاف بين الرياض وواشنطن؟

بحسب الباحثين، ثمّة مجال بارز محتمل لاختلاف بين الولايات المتحدة والسعودية. إنه بحسب الكاتبين اتّفاق الرياض مع شركة هواوي على بناء قدرات الحوسبة السحابيّة والمجمّعات العالية التقنية في المدن السعودية. لكنْ ما يبدو أنّه تمرّد سعودي في مواجهة التهديدات الأميركيّة يبقى مفهوماً في إطار التنافس مع إيران. ككيان خاضع للعقوبات، إنّ "هواوي" أكثر ارتياحاً بالعمل مع إيران وعرض إمكاناتها المتقدّمة عليها. من خلال التعاقد مع "هواوي"، تهدف السعودية إلى اكتساب تكنولوجيا جديدة وتمنح "هواوي" فرصة علاقة أكثر توازناً مع إيران.

 

الطاقة المتجددة

إن التزام الاتفاقية بالاستثمارات في الطاقة المتجددة هو أساسي في جهود السعودية لاحتواء صعود إيران. سعت إيران إلى توسيع صناعتها في الطاقة المتجدّدة كي تنوّع اقتصادها وتعزّز قدرتها التكنولوجية وتضمن شراكات إقليمية ودولية جديدة بما فيها مع الصين، وهذا ما سيساعدها على تخطي العقوبات. لقد كانت دول مجلس التعاون الخليجي تساعد اليمن والعراق وسوريا في تقليل اعتمادها على الهيدروكربونات الإيرانية من خلال التشجيع على استخدام الطاقة المتجددة عبر المبادرات والاستثمارات.

من خلال التوقيع على الاتفاقية مع الصين، تهدف السعودية إلى اكتساب تفوق في قطاع الطاقة المتجددة وهو ما سيقوّض مبيعات الطاقة الإيرانيّة في المنطقة وأبعد. إنّ الصين كقوّة رائدة في الطاقة المتجدّدة ستساعد السعودية في تحقيق هكذا أهداف على حساب طموحات إيران التي حجّمتها العقوبات الغربية أساساً.

 

الرياض لم تعطِ بكين كل ما أرادت

أضاف الكاتبان أن الصين لم تحصل على كل ما تريده من السعودية. بالتحديد، دعت الصين السعودية ودولاً خليجيّة أخرى إلى تأسيس منطقة للتجارة الحرة. لكنّ السعودية ودولاً أخرى في مجلس التعاون الخليجيّ لا تزال تقاوم هذه الفكرة. فهذا ميدان تتمتع فيه إيران بالتأثير على الصين بما أنها وقّعت اتفاقية لتأسيس منطقة تجارية حرة مع الاتّحاد الاقتصاديّ الأوراسيّ وهي تريد توقيع اتفاقية مماثلة مع الصين في الظروف المناسبة. إنّ غياب التنازلات السعودية في المسألة يقترح أن انفتاحها على الصين ليس بلا قيود ويبقى موجّهاً بشكل غالب إلى إضعاف إيران بدلاً من تعزيز الصين في الخليج والعالم العربي.

ولفت الكاتبان النظر إلى أن استدارة السعوديّة تجاه الصين تكمل في نهاية المطاف الجهود الأميركيّة لاحتواء إيران، وبصرف النظر عمّا ستبدو عليه للوهلة الأولى، هي لا تقوّض المصالح الأميركيّة. قد يساعد ذلك في تفسير ردّ إدارة بايدن الصامت على الشراكة السعودية-الصينية الاستراتيجية.

 

 

اقرأ في النهار Premium