كانت الزميلة الصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة من أوائل المراسلين الميدانيين في قناة "الجزيرة"، وأمضت نحو ربع قرن في قلب الخطر، حاملة لواء الرسالة الصحافية السامية ومدافعة عن حرّيتها. هي التي اختارت الصحافة كي تكون "قريبة من الإنسان"، على حدّ تعبيرها.
أدركت شيرين أنّ "تغيير الواقع ليس سهلاً"، وها هي اليوم شهيدة برصاص الجيش الإسرائيلي الحي أثناء تغطيها اقتحام مدينة جنين بالضفة الغربية المحتلة. وقد أعلنت القناة القطرية صباح اليوم نبأ مقتل شيرين خلال تغطيتها المستمرة من مشارف المخيم.
وفي حديث سابق لـ"الجزيرة"، قالت إنّ إسرائيل "تتّهمها دوماً بتصوير مناطق أمنية"، وأوضحت أنّها "كانت دائما تشعر بأنها مستهدفة وأنها في مواجهة كلّ من جيش الاحتلال والمستوطنين المسلحين".
وقالت: "أينما وضعت الكاميرا ينظرون إليك على أنّك تصور مكاناً ممنوعاً (...) دائماً تشعر كصاحفي أنّك مستهدف".
رغم كلّ الاستفزازات والتهديدات، لم تتراجع شيرين، وقالت: "على الأقلّ كنت قادرة على إيصال ذلك الصوت إلى العالم. أنا شيرين أبو عاقلة".
وعن تجربتها في تغطية الاجتياح الإسرائيلي لمدن الضفة الغربية عام 2002 قالت: "لن أنسى حجم الدمار، ولا الشعور أن الموت كان أحياناً على مسافة قريبة (...) رغم الخطر كنّا نُصرّ على مواصلة العمل".
ولدت شيرين عام 1971 في مدينة القدس، وهي حاصلة على درجة البكالوريوس في الصحافة والإعلام من جامعة اليرموك بالمملكة الأردنية الهاشمية. تركت الهندسة المعمارية لتلحق شغفها بالصحافة المكتوبة، وانضمّت إلى أسرة "الجزيرة" عام 1997.
"جريمة موصوفة"
اتّهمت "الجزيرة" إسرائيل، بتعمّد قتل أبو عاقلة، بإطلاق النار عليها "بدم بارد". وطالبت المجتمع الدولي بـ"إدانة ومحاسبة قوات الاحتلال الإسرائيلي".
من جهته، قال رئيس الوزراء الفلسطيني إنّه "يوم أسود على الصحافة في العالم وعلى كل إنسان حرّ بفقدان شيرين أبو عاقلة التي شكلت بمهنيتها العالية ذاكرة جيل كامل".
وعبّر السفير الأميركي لدى إسرائيل عن "حزنه"، داعياً لتحقيق معمّق في ملابسات مقتلها.
وعمت مشاعر الغضب في العالم العربي، لاسيما في الجسم الصحافي والاعلامي الذي استنكر الجريمة الموصوفة مطالباً بالمحاسبة ووقف الافلات من العقاب.
وغصّت مواقع التواصل بعبارات الأسى والادانة واستذكرت عبارات شيرين بالكتابة والفيديو، لاسيما المواقف التي وثّقت حبّها للمهنة والأرض.
وفي بيروت، دان مركز الدفاع عن الحرّيات الإعلامية والثقافية "سكايز" (عيون سمير قصير) بشدّة "الجريمة النكراء ومرتكبيها، لا سيّما وأن أبو عاقلة كانت ترتدي الملابس والسترة الخاصة بالصحافيين، مما يؤكد على استهدافها عمداً وبشكل مباشر من قِبل القوات الإسرائيلية، لمنعها من نقل حقيقة ما يحدث على الأرض من قتل واستهداف للمدنيين".
وطالب "سكايز" المجتمع الدولي بـ"محاسبة مرتكبي هذه الجريمة الموصوفة التي تخرق كل المواثيق والأعراف الدولية التي تدعو في سلّم أولوياتها إلى احترام وحماية الصحافيين العاملين في مناطق النزاع"، مشدّداً في الوقت نفسه على "ضرورة تأمين تلك الحماية وبشكل فوري للصحافيين العاملين في فلسطين ولا سيّما من آلة القتل الإسرائيلية التي تتمادى في استهدافهم وقتلهم من دون أيّ رادع".
من جهة أخرى، قال الصحافي بمكتب "الجزيرة" علي السمودي الذي رافق شيرين: "لم يكن أيّ مدني أو متظاهر في المنطقة التي نوجد فيها لدى استهدافنا بإطلاق نار من قبل قوات الاحتلال"، مضيفاً: "في كلّ تغطياتنا كنّا حريصين على الكشف عن موقعنا لقوات الاحتلال، وشيرين قتلت بدم بارد وقوات الاحتلال استمرت بإطلاق النار بعد إصابتها".
أمّا حركة "حماس" فقد رأت أنّ "اغتيال أبو عاقلة جريمة جديدة تضاف لسلسلة من الجرائم التي يرتكبها الاحتلال وخاصة بحق الإعلام الفلسطيني"، معتبراً أنّ "ما جرى هو اغتيال متعمد وجريمة مركبة ويجب أن يحاسب عليها الاحتلال في المحافل الدولية".