يشارك الرئيس الأميركي جو بايدن، اليوم السبت، في قمّة "الأمن والتنمية، في جدّة، التي تضمّ قادة دول عربية، ويسعى خلالها لعرض رؤيته للشرق الأوسط والتركيز على التقلبات في سوق النفط، وذلك في المحطة الأخيرة ضمن جولته الشرق أوسطية التي قادته أيضاً إلى إسرائيل والأراضي الفلسطينية.
ويضم لقاء القمّة هذا قادة دول مجلس التعاون الخليجي الستّ بالإضافة إلى مصر والأردن والعراق، وفق ما أعلن البيت الأبيض في بيان.
ووصل رئيس دولة الإمارات محمد بن زايد إلى مطار جدة، حيث كان في استقباله ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، للمشاركة في أعمال القمّة. كما وصل العاهل الأردني عبدالله الثاني وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني إلى جدّة، وكان في استقبالهما ابن سلمان، حيث عُقِدت لقاءات ثنائية مع الوفود المشاركة في القمّة، قبيل انطلاقها.
وكان وصل في وقت سابق الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، ورئيس الوزراء البحريني وولي العهد سلمان بن حمد آل خليفة.
وعلى هامش القمّة، عقد بايدن خلوة ثنائية مع كلّ من الكاظمي والسيسي.
وقبيل انطلاق أعمال القمة، أعلن مسؤول كبير في الإدارة الأميركية أنّ الرئيس جو بايدن سيعلن، اليوم، خلال قمّة عربية، تخصيص الولايات المتحدة مليار دولار في صورة مساعدات جديدة على المدى القريب والمدى البعيد للأمن الغذائي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وقال المسؤول إنّ زعماء دول مجلس التعاون الخليجي سيلتزمون أيضاً بتقديم ثلاثة مليارات دولار على مدار العامين المقبلين في مشروعات تتماشى مع شراكات الولايات المتحدة في البنية التحتية العالمية والاستثمار.
كما سيبحث بايدن القدرات الصاروخية والدفاعية المتكاملة خلال القمّة.
وكان بايدن وصل الجمعة إلى السعودية التي تعهّد بأن يجعلها دولة "منبوذة" على خلفية سجلها الحقوقي، واجتمع بالعاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز وولي العهد محمد بن سلمان ومسؤولين سعوديين كبار آخرين.
ويبدو الآن أنّ بايدن مستعد لإعادة التعامل مع دولة كانت حليفاً استراتيجيّاً رئيسيّاً للولايات المتحدة لعقود، ومورداً رئيسيّاً للنفط ومشتريا متعطشًا للأسلحة.
وتريد واشنطن أن تُقنع أكبر دولة مصدرة للنفط الخام في العالم بأن تفتح الباب لزيادة انتاج النفط لخفض أسعار المحروقات المرتفعة على خلفية الغزو الروسي لاوكرانيا، وهو واقع يُهدّد فرص الديموقراطيين في انتخابات تشرين الثاني المقبل.
لكن مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان قلّل من التوقعات بإحراز تقدم فوري أثناء حديثه مع الصحافيين على متن طائرة الرئاسة من إسرائيل إلى جدة.
وقال: "لا أعتقد أنه يجب أن نتوقّع إعلاناً معيّناً هنا، لأنّنا نعتقد أنّ أي إجراء إضافي يتم اتخاذه لضمان وجود طاقة كافية لحماية صحة الاقتصاد العالمي سيتم في سياق أوبك بلاس"، الكارتل الذي يضم روسيا.
وتابع أنّ اجتماع القمة سيمكّن بايدن من "طرح رؤيته واستراتيجيته بوضوح وبشكل موضوعي" والمتعلقة بالانخراط الأميركي في الشرق الأوسط، مضيفاً: "إنّه عازم على ضمان عدم حدوث فراغ في الشرق الأوسط" تملأه الصين وروسيا.
بيان أميركي- سعودي مشترك
أفاد بيان أميركي- سعودي مشترك أنّ الولايات المتحدة والسعودية اتفقتا على أهمية منع إيران من "الحصول على سلاح نووي" وذلك خلال زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للمملكة، وفق بيان نشرته وكالة "واس".
وقال البيان إنّ بايدن أكد التزام بلاده القوي والدائم بدعم "أمن المملكة العربية السعودية والدفاع عن أراضيها وتسهيل قدرة المملكة على الحصول على جميع الإمكانات اللازمة للدفاع عن شعبها وأراضيها ضد التهديدات الخارجية".
وفي الشأن اللبناني، عبّر الجانبان عن "دعمهما المستمر لسيادة لبنان وأمنه واستقراره، وللقوات المسلحة اللبنانية التي تحمي حدوده وتقاوم تهديدات المجموعات المتطرفة والإرهابية". كما أشار الجانبان إلى "أهمية تشكيل حكومة لبنانية، وتنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية هيكلية شاملة تضمن تغلّب لبنان على أزمته السياسية والاقتصادية، وعدم تحوّله إلى نقطة انطلاق للإرهابيين أو تهريب المخدرات أو الأنشطة الإجرامية الأخرى التي تُهدّد أمن واستقرار المنطقة"، مشددين على أهمية "بسط سيطرة الحكومة اللبنانية على جميع الأراضي اللبنانية، بما في ذلك تنفيذ أحكام قرارات مجلس الأمن ذات الصلة واتفاق الطائف، من أجل أن تمارس سيادتها الكاملة فلا يكون هناك أسلحة إلّا بموافقة الحكومة اللبنانية، ولا تكون هناك سلطة سوى سلطتها".
في سياق منفصل، شدّدت السعودية والولايات المتحدة أيضاً على ضرورة منع إيران من التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ومن دعمها للإرهاب من خلال المجموعات المسلّحة التابعة لها وجهودها لزعزعة أمن واستقرار المنطقة، وفقاً لما جاء في البيان.
كما أكد الجانبان على أهمية الحفاظ على حرية حركة التجارة عبر الممرات البحرية الدولية الاستراتيجية ولا سيما باب المندب ومضيق هرمز.
تعزيز المصالح الأميركية
تعرّض بايدن لضغوط لإثارة قضية مقتل الصحافي جمال خاشقجي وكذلك قضية السعوديين المحتجزين في المملكة بموجب حملة ضد معارضي سياسات ولي العهد. لكن أثناء وجوده في إسرائيل، قال للصحافيين إنّ دوافعه لزيارة السعودية "أوسع" من حقوق الإنسان.
وقال بايدن مساء الجمعة بعد لقاء مع ابن سلمان إنّه أثار هذه المسألة في بداية الاجتماع، مضيفاً: "ما حدث لخاشقجي كان أمراً فظيعاً (...) قلتُ بوضوح إنّه إذا حدث أمر مماثل مجدّداً، سيكون هناك ردّ وأكثر من ذلك". لكن بايدن لم يُحدّد ما الذي قصده تحديداً بـ"الرد".
في المقابل، نقلت قناة "العربية" عن مصدر سعودي مسؤول قوله إنّ "الرئيس بايدن تطرق لموضوع جمال خاشقجي بشكل سريع" وإن ولي العهد "أكّد أن ما حدث أمر مؤسف واتخذنا جميع الإجراءات القانونية لمنع" حدوث ذلك مجدّداً.
وقد وقّع الجانبان خلال الزيارة 18 اتفاقية ومذكرات للتعاون المشترك في مجالات الطاقة والاستثمار والاتصالات والفضاء والصحة، بينها تعزيز تطبيق الجيل الخامس من الانترنت، وفقاً للاعلام الرسمي السعودي.
وفي بيان مشترك نشره الإعلام الرسمي السعودي، جدّدت الولايات المتحدة والسعودية "التزامهما باستقرار أسواق الطاقة العالمية". واتفق الطرفان على "التشاور بانتظام بشأن أسواق الطاقة العالمية على المديين القصير والطويل".
وشدّد الجانبان على "ضرورة ردع التدخّلات الإيرانيّة في الشؤون الداخليّة للدول، ودعم (إيران) للإرهاب من خلال المجموعات المسلّحة التابعة لها".
كما أكّدا "التزامهما الدائم بحَلّ الدولتين، بحيث تعيش دولة فلسطينيّة ذات سيادة ومتّصلة جغرافيّاً، جنباً إلى جنب في سلام وأمن مع إسرائيل".
مؤشرات تقارب
من جهة اخرى، استخدم مسؤولو البيت الأبيض الرحلة كمحاولة لتعزيز التقارب بين إسرائيل ودول عربية.
وقبل وصول بايدن إلى المملكة، أعلنت الرياض فتح أجوائها "لجميع الناقلات الجوّية"، في بادرة حسن نيّة واضحة تجاه إسرائيل. وسارع بايدن إلى الإشادة بهذا القرار، واصفًا إيّاه بأنّه "تاريخي".
لكن رغم مؤشرات التقارب الأخيرة، لا يبدو التطبيع قريباً، وقد ردّد العاهل السعودي في خطاباته أنّ المملكة يمكن أن تطبع العلاقات مع إسرائيل فقط حين تقوم دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية المحتلة.
وخلال زيارته جدة، أعلن الرئيس الأميركي والبيت الأبيض أنّ قوة حفظ السلام ستُغادر بحلول نهاية العام الحالي جزيرة تيران الاستراتيجيّة الواقعة في البحر الأحمر والتي انتقلت السيادة عليها مع جزيرة أُخرى من مصر إلى السعوديّة.ورَفع العلم السعودي فوق تيران وصنافير القريبة مرهون بموافقة إسرائيل لأنّهما جزء من اتّفاقات سلام مبرمة بين الدولة العبريّة ومصر.