يتواصل القتال في العاصمة السودانية اليوم بعد إعلان الجيش وقوات "الدعم السريع"، الأحد، في بيانَين منفصلَين، الاتفاق على مقترح للأمم المتحدة بفتح "مسارات آمنة للحالات الانسانية" لثلاث ساعات، ومقتل أكثر من 97 مدنيّاً بينهم ثلاثة عاملين في برنامج الأغذية العالمي.
وفيما أفاد أطباء عن إصابة المئات جراء المعارك، حذّرت منظمة الصحة العالمية، في بيان، من أنّ "العديد من مستشفيات الخرطوم التسعة التي تستقبل المدنيين المصابين تعاني من نفاد وحدات الدم ومعدات نقل الدم وسوائل الحقن الوريدي وغيرها من الإمدادات الحيوية".
وأضافت: "مع استمرار القتال في الخرطوم وأجزاء أخرى من السودان، تحض منظمة الصحة العالمية جميع أطراف النزاع على احترام حيادية الرعاية الصحية وضمان الوصول غير المقيد للمصابين إلى المرافق الصحية".
أثارت المواجهات الدائرة منذ السبت بين الجيش وقوات الدعم السريع إدانات دولية ومخاوف إقليمية، ما أدّى إلى إغلاق حدود مصر وتشاد المجاورتين. وتبادلت قوات الدعم السريع والجيش السوداني الاتهامات بالمبادرة بالقتال.
الأحد، كان دوي القصف يُسمع في شوارع الخرطوم المهجورة التي انتشرت فيها رائحة البارود القوية، بحسب شهود.
استؤنف القتال بعد حلول المساء، فيما يلازم السودانيون منازلهم وسط مخاوف من صراع طويل قد يعمق حالة الفوضى ويبدد آمال الانتقال إلى ديموقراطية بقيادة مدنية.
وأوضح بيان الجيش أنه تقرر فتح المسارات لثلاث ساعات ابتداء من الرابعة بعد الظهر (14,00 ت غ) لتنتهي العملية عند السابعة مساء. وأكّدت قوات الدعم السريع أن الجانبَين يحتفظان بحقهما في "الرد في حالة حدوث تجاوزات" من الجانب الآخر.
وعلى الرغم من ذلك، ظلّ يُسمع دوي إطلاق نار كثيف في وسط الخرطوم قرب المطار فيما تصاعد دخان أسود كثيف من المنطقة المحيطة.
من جهة أخرى، قُتِل السبت ثلاثة عاملين في برنامج الأغذية العالمي في إقليم دارفور بغرب السودان، بحسب ما أعلن الممثل الخاص للأمم المتحدة للسودان فولكر بيرثيس الذي "أدان بشدة الهجوم على موظفي الأمم المتحدة" ومنشآت المنظمات الانسانية في دارفور.
وقال بيان صادر عن مكتبه إنّ برنامج الأغذية العالمي قرر تعليق عمله في السودان بسبب الأوضاع الراهنة.
عشرات القتلى
تحوَّل التوتر بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وزعيم قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي"، إلى مواجهات عنيفة السبت، بعد تصعيد في الخلافات السياسية في الأسابيع الأخيرة.
وبحسب لجنة أطباء السودان المركزية، المنظمة المستقلة والمؤيدة للديموقراطية، فإنّ "إجمالي القتلى المدنيين بلغ 56" أكثر من نصفهم في الخرطوم وضواحيها، بينما لقي "عشرات" الجنود وعناصر القوات شبه العسكرية حتفهم. بالإضافة إلى ذلك، أصيب حوالى 600 شخص بجروح.
الأحد، قال أحمد حامد (34 عاماً) المقيم في إحدى ضواحي الخرطوم: "يتواصل اطلاق النار والانفجارات".
وقال أحمد سيف الذي يعيش مع زوجته وأولاده الثلاثة في شرق الخرطوم، لوكالة "فرانس برس": "كانت ليلة صعبة جدّاً. لم ننَم بسبب دوي الانفجارات وطلقات الرصاص".
ذكرت قوات "الدعم السريع"، التي تضم آلاف المقاتلين السابقين في حرب دارفور الذين تحوّلوا إلى قوة رديفة للجيش، أنها تسيطر على المقر الرئاسي ومطار الخرطوم وبنى تحتية أساسية أخرى. لكن الجيش ينفي سيطرتها على المطار.
وتستخدم كل أنواع الأسلحة من بنادق ومدفعية وطائرات مقاتلة، في هذه المعارك التي تشهدها العاصمة ومدن أخرى في الدولة التي يبلغ عدد سكانها 45 مليون نسمة وتعد من بين أفقر دول العالم.
"محاسبة المسؤولين"
طالب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الأحد بـ"محاسبة المسؤولين" عن مقتل العاملين في برنامج الأغذية العالمي. وقال المتحدث باسمه ستيفان دوجاريك، في بيان، إنّ الأمين العام "يدين بشدة" مقتل مدنيين من بينهم الموظفون الأمميون الثلاثة، وأعرب عن أسفه "لتضرُّر مباني الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية أخرى بمقذوفات وتعرضها للنهب في عدة أماكن في دارفور".
وذكر برنامج الاغذية العالمي، من جهته، تضرُّر إحدى الطائرات المستخدمة في عملياته السبت في مطار الخرطوم الدولي.
وأكدت مديرة البرنامج سيندي ماكين أنّ "برنامج الأغذية العالمي ملتزم بمساعدة الشعب السوداني الذي يواجه انعداماً حادّاً في الأمن الغذائي لكننا لن نستطيع القيام بعملنا الذي يُنقذ الأرواح إذا لم يتم ضمان سلامة طواقمنا وشركائنا".
بحسب الأمم المتحدة، يحتاج ثلث سكان السودان لمساعدات إنسانية.
اتفاق مجهض
تشكّلت قوات "الدعم السريع" في 2013 وانبثقت عن ميليشيا الجنجويد التي اعتمد عليها البشير لقمع التمرد في دارفور.
ومطلع الشهر الحالي، تأجل مرتين التوقيع على اتفاق بين العسكريين والمدنيين لانهاء الأزمة التي تعيشها البلاد منذ انقلاب البرهان على الحكومة المدنية في 2021، بسبب خلافات بين الأخير ودقلو.
وكان من شأن هذا الاتفاق الذي لم يوقع، إحياء عملية الانتقال الديموقراطي في السودان وفتح الباب أمام خروج البلاد من الأزمة.
شكل البرهان وحميدتي جبهة واحدة عندما نفّذا الانقلاب على الحكومة في 25 تشرين الأول 2021. إلا أن الصراع بينهما ظهر الى العلن خلال الشهور الأخيرة وتصاعد.
ووُجِّهت نداءات لإنهاء القتال من جميع أنحاء المنطقة والعالم بما في ذلك من الولايات المتحدة وبريطانيا والصين والاتحاد الأوروبي وروسيا.
"مد يد العون"
عقدت جامعة الدول العربية اجتماعاً طارئاً في القاهرة بناء على طلب مصر والسعودية.
ووصف رئيس الوزراء السوداني الأسبق عبد الله حمدوك في مؤتمر صحافي في أبوظبي، الوضع الإنساني بأنّه "كارثي"، ودعا طرفي القتال إلى هدنة والمجتمع الدولي وخاصة الدول العربية إلى "مد يد العون" للسودان.
وجاء في بيان صدر عن وزارة الخارجية الفرنسية الأحد أنّ باريس "تجدّد دعوتها لبذل كل ما هو ممكن لوضع حد للقتال ومنع أي تصعيد"، داعية إلى "حماية العاملين في المجال الإنساني".
وقالت مصادر ديبلوماسية لوكالة "فرانس برس" إنّ مجلس الأمن الدولي سيتطرق إلى الوضع في السودان خلال جلسة مغلقة الاثنين.
بدوره، أعلن الاتحاد الإفريقي أنّ رئيس مفوضيته موسى فقي محمد سيتوجه "فوراً" إلى السودان "للتحدث مع الطرفين بشأن وقف إطلاق النار".
ولأن الحرب بين الجنرالَين إعلامية أيضاً، فقد تحدث حميدتي السبت عبر قنوات عدد من دول الخليج التي يعدّ حليفاً لبعضها، مضاعِفاً التهديدات ضدّ خصمه البرهان الذي لم يظهر حتى الآن.
وطالب حميدتي برحيل "البرهان المجرم"، فيما نشر الجيش عبر حسابه على "فايسبوك" مذكّرة للقبض على حميدتي.
حالت الخلافات بين العسكريين دون الحلّ السياسي في البلد الذي مزقته الحرب لعقود ويحاول منذ العام 2019 تنظيم أول انتخابات حرّة بعد 30 عاماً من الديكتاتورية العسكرية الإسلامية.