بدأ التونسيون الإدلاء بأصواتهم السبت لانتخاب برلمان مجرّد من سلطات فعلية في انتخابات تشريعية تشكل الحجر الأخير في بناء نظام رئاسي يسعى قيس سعيّد إلى إرسائه منذ ان قرّر احتكار السلطات في البلاد صيف 2021.
وفتحت مراكز الاقتراع أبوابها عند الساعة الثامنة (07:00 ت غ) على أن تغلق عند الساعة 18:00 (17:00 ت غ) باستثناء بعض المكاتب التي تبقى مفتوحة إلى حدود الساعة 20:00 بالتوقيت المحلي.
وبدت الحملة الانتخابية التي استمرت ثلاثة أسابيع باهتة، كان ظهور المرشحين خلالها محدوداً ومن دون أن يطغى عليها أي طابع تنافسي، بينما غاب عنها السجال الانتخابي في وسائل الاعلام.
ومنذ ثورة 2011 التي أسقطت نظام الرئيس السابق زين العابدين، كانت البلاد تعتبر مثالاً ناجحاً في الانتقال الديموقراطي في المنطقة وأنتظمت انتخابات كانت فيها نسب المشاركة مهمّة.
ودعي نحو تسعة ملايين ناخب إلى التصويت.
وكان الإقبال خلال الساعات الأولى ضعيفاً. ففي مكتب في العاصمة تونس قام ثلاثة ناخبين فقط بالتصويت خلال نصف ساعة، وفقاً لمراسل لوكالة "فرانس برس".
ودعا سعيّد التونسيين إلى التوجه إلى مراكز الاقتراع. وقال بعد إدلائه بصوته في احد المراكز في العاصمة التونسية إنها "فرصتكم التاريخية حتى تستردوا حقوقكم المشروعة". وأكد سعيّد "سنقطع مع من خربوا البلاد ونصبوا أنفسهم اولياء بطريقة انتخاب بائدة كما أثبت التاريخ ذلك".
ويتكوّن البرلمان الجديد من 161 نائباً. وسيحل محل البرلمان السابق الذي جمّد أعماله سعيّد في 25 تموز 2021 وحلّه لاحقاً واحتكر السلطات في البلاد، مبرراً قراره آنذاك بالانسداد السياسي وتواصل الأزمات السياسية في البلاد اثر خلافات متكررة بين الأحزاب في البرلمان.
وذكّر سعيّد بأن النواب "سيبقون تحت رقابة ناخبيهم فإذا تنكروا لهم فوكالتهم ستسحب منهم".
لكن هذا البرلمان الذي سيتم اعلان نتائج انتخابه بعد دورة ثانية بين شباط وآذار القادمين، سيكون مجرّداً من السلطات استناداً إلى الدستور الجديد الذي تم إقراره إثر استفتاء شعبي في تموز الفائت ولم يشارك فيه نحو سبعين في المئة من الناخبين.
وبموجب هذا الدستور، لن يكون بوسع نواب البرلمان إقالة الرئيس ولا إسقاط الحكومة إلاّ بتوفر شروط "من الصعب جدّاً" تحقيقها، حسب الخبير السياسي حمادي الرديسي.
في المقابل يمكن لمجموع النواب تقديم مقترحات ومشاريع قوانين لكن يبقى للرئيس الأولوية في ذلك.
وينص القانون الانتخابي الجديد على الاقتراع الفردي ويحل محل انتخاب اللوائح، ما يضعف مشاركة الأحزاب السياسية في الانتخابات. وقد نتج عن ذلك ترشح شخصيات غير معروفة غالبيتها بدون انتماءات سياسية.
ويقول أستاذ العلوم السياسية حمزة المؤدب لوكالة "فرانس برس" إن "هذا التصويت إجراء شكلي لاستكمال النظام السياسي الذي فرضه قيس سعيّد بتركيز السلطات بين يديه".
ويضيف أن "التونسيين يعلمون أن البرلمان لن يكون له وزن سياسي وسيتم تجريده من كل السلطات"، متوقعاً إقبالاً "ضعيفاً جداً" على صناديق الاقتراع.
ونال وديع الجلاصي شهرة واسعة عندما أطلق طائراً من قفصه ضمن مظاهرة حاشدة خلال ثورة 2011 في تونس، في إشارة إلى تحرر تونس من نظام ديكتاتوري. لكنّه اليوم يرى الأمل يتلاشى ويقول إنه أصبح لا يتنفس حرية ولا يرى ديمقراطية ولن يصوت في هذه الانتخابات البرلمانية.
قصة الجلاصي، من الانتفاضة ضدّ الاستبداد إلى مقاطعة انتخابات برلمان بصلاحيات ضعيفة تعقد في ذكرى اندلاع شرارة الثورة التونسية، تُظهر أحلاماً مبدّدة لجيل ناضل من أجل الديمقراطية لكنه يرى أن ثمارها تضيع أمام عينيه.
يقول الجلاصي لـ"رويترز" في مقهى بمنطقة النحلي الشعبية "أشعر بالاختناق أكثر في بلدي. لا يوجد مستقبل واضح لي أو لعائلتي وأصدقائي من الحي. لا أشعر بالحرية ولا أستطيع الكتابة بحرية على وسائل التواصل الاجتماعي. إنه أمر مقلق للغاية".
وأصبحت صورة الشاب العاطل عن العمل والذي كان يبلغ من العمر 21 عاماً وقت الثورة، أيقونية في تونس، ورمزاً لآمال الحرية التي سرعان ما انتشرت عبر شمال أفريقيا والشرق الأوسط فيما أصبح يعرف بانتفاضات "الربيع العربي".