كان إيجاد الحل العادل للقضية الفلسطينية شرط السعودية الدائم لتطبيع العلاقات مع إسرائيل. وقد عاد هذا الملف إلى الواجهة من جديد بعدما تأكّدت معلومات عن جهود حثيثة تخوضها الولايات المتحدة من أجل إتمام "صفقة القرن" الحقيقيّة في منطقة الشرق الأوسط، مع إطلاق العلاقات السعودية-الإسرائيلية.
لم تنخرط السعودية في اتفاقيات أبراهام، التي عُقدت بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، برعاية دونالد ترامب في العام 2020، لأن موقع السعودية السياسيّ والدينيّ في العالم العربي والإسلامي مُختلف، وثمّة أثمان تطلبها.
انطلاقاً من هاتين النقطتين، وجب التطرّق إلى ملف القضيّة الفلسطينيّة الذي يتموضع في صلب المحادثات الجارية لتطبيع العلاقة بين الرياض وتل أبيب، وإلى ماهية الحلّ الذي ستقبل به السعودية كثمن ضمن الأثمان التي ستتلقّاها إن نجحت هذه المفاوضات ووصلت إلى خواتيمها.
في هذا الإطار، فإن الموقف السعودي واضح لجهة المطالبة بتطبيق "مبادرة السلام العربية"، التي أطلقها مؤتمر القمة العربية من بيروت في العام 2002، والتي تنصّ على عودة إسرائيل إلى حدود ما قبل حرب حزيران 1967، وعلى تنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الأرقام 242 و338 و425، وعلى مبدأ الأرض مقابل السلام.
خطّة مؤلفة من 14 بنداً
في سياق متّصل، تطرّق الباحث الفلسطيني بشارة بحبح إلى مجموعة نقاط من شأنها المساهمة في الحلّ، نُشرت في صحيفة "تايمس أوف إسرائيل". ونقل عن السفارة السعودية في واشنطن القول إنّ "حلّ الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي مطلوب لتتّخذ السعودية خطوة التطبيع".
واقترح بحبح عدداً من الخطوات التي تضمن إقامة دولة فلسطينيّة، وفي الوقت نفسه قد تكون مقبولة من جهة إسرائيل. لكن النقطتين غير مضمونتين في ظلّ انقسام الرأي العام الفلسطيني، ووجود حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية التي لا تقدّم التنازلات.
وفي الخطة المقترحة:
- موافقة إسرائيل على توحيد المناطق "أ" و"ب" و"ج" في الضفة الغربية بشكل مبدئيّ، وتسليمها للسلطة الفلسطينيّة، ضمن جدول زمني محدّد لا يتجاوز الـ3 سنوات أو الـ5.
- اتفاق أمني شامل بين القوات الإسرائيلية والفلسطينية برعاية محتملة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأردن ومصر والسعودية.
- ضمّ إسرائيل المستوطنات الكبيرة المتاخمة للخطّ الأخضر لعام 1967 مقابل إعطاء الفلسطينيين أراضيَ إسرائيليّة متساوية الحجم وذات أهمية استراتيجيّة.
- جعل المستوطنة أو المستوطنتين الإسرائيليّتين الكبيرتين المتبقيّتين في داخل فلسطين تحت السلطة القضائية الفلسطينية، على أن يُمنح المستوطنون فيهما الإقامةَ الفلسطينيّة وحقّ الوصول غير المقيّد إلى إسرائيل.
- جعل فلسطين دولة محايدة ومنزوعة السلاح، وذات قوات أمن داخليّ خاصّة بها. وتتولّى مجموعة من القوات الإسرائيلية والفلسطينية والأردنية والمصرية الإشراف على حدود فلسطين مع إسرائيل والأردن ومصر.
- دعوة القوات الدوليّة إلى أداء دور رقابيّ دائم للاتفاقيات الأمنية والحدودية.
- تشييد طريق سريعة لربط الضفة الغربية بقطاع غزّة.
- السماح لفلسطين باستخدام مطار القدس، والسماح لفلسطين بإعادة بناء مطار غزة، الذي دمرته إسرائيل.
- ضمان حرية الحركة للفلسطينيين وحرية نقل بضائعهم في داخل الضفة الغربية، وبينها وبين قطاع غزة، ومنع إقامة نقاط تفتيشٍ إسرائيليّة إلّا على حدود إسرائيل.
- تشييد ميناء غزّة واستخدامه لاستيراد وتصدير البضائع لفلسطين، ضمن قيد وحيد على البضائع المستوردة والمصدّرة لجهة فلسطين ذات الاستعمال العسكريّ. وتقوم الحكومة الفلسطينية بتحصيل الرسوم الجمركيّة مباشرة.
- الحفاظ على الوضع الراهن للأماكن المقدّسة في القدس، واستمرار وصاية الأردن على الأماكن الدينيّة الإسلاميّة والمسيحيّة في القدس.
- إعلان القدس الشرقية عاصمة لفلسطين، على أن يُسمح لفلسطين بأن يكون لها مجمع ديبلوماسيّ. ويتمّ رفع العلم الفلسطينيّ، ويمارس الفلسطينيون أعمالهم الديبلوماسية، فيما تظلّ رام الله قاعدة الحكومة الفلسطينيّة.
- منح اللاجئين الفلسطينيّين خيار التعويض الماليّ والبقاء في البلد المضيف بموافقة الأخير، أو الهجرة إلى بلدان أخرى، فيما يبقى الخيار الثاني هو العودة إلى الدولة الفلسطينية المنشأة. لكن العودة ستخضع لكوتا سنويّة تحكمها عوامل متعدّدة.
- تعود الموارد الطبيعية في فلسطين إلى الحكومة الفلسطينية، وسيشمل ذلك موارد المياه الحالية والنفط والغاز المحتمل الذي يمكن اكتشافه على الأرض أو قبالة شاطئ غزة، ويتم منح الفلسطينيين إمكانية الوصول إلى البحر الميت وموارده المعدنيّة الغنيّة.
أما بالنسبة إلى القضايا الأخرى كإطلاق سراح السجناء الفلسطينيين وتعويض الموارد الطبيعية الفلسطينية التي تستخدمها إسرائيل منذ عام 1967، فستتم مناقشتها وحلّها من قبل لجنة مؤلّفة من السعودية والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأردن ومصر والإمارات العربية المتحدة والصين وروسيا وأيّ دولة معنيّة مقبولة لدى كلا الطرفين، وفق الخطّة.
وينقل عن مسؤول فلسطينيّ كبير مطلع شخصيّاً على تفاصيل محادثات التطبيع السعودية-الإسرائيلية الجارية أنّ السعوديين ينظرون إلى فلسطين على أنّها "مركزية" في مفاوضاتهم مع إسرائيل، ممّا يؤكّد اهتمام السعودية بإيجاد حلّ للقضية الفلسطينية وإيلاء الرياض أولوية لذلك.
السعودية ترفض "الإغراءات" وتؤكّد على مطلب واحد
الكاتب حسين شبكشي يؤكّد أن "الرياض ملتزمة بمبادرة بيروت العربية للسلام، التي تمّ إطلاقها في العام 2002، وشرطها الأساسي لتطبيع العلاقات مع تل أبيب هو إقامة دولة فلسطينيّة. وقد حصل تواصل سعودي-فلسطينيّ تمّ التأكيد خلاله على مطالب الفلسطينيين لجهة اللاجئين في الشتات، وحق العودة والقدس الشرقية".
وفي حديث لـ"النهار"، يُشدّد شبكشي على الشروط السعودية، ويقول إنّ "الأميركيين حاولوا تقديم "إغراءات" كثيرة، لكن الرياض بمنظورها استطاعت عن جدارة تحقيق مطالب أمنية مرتبطة بالنووي والقوة الدفاعية. وبالتالي، هذه النقاط ليست ضمن شروط التطبيع بين السعودية وإسرائيل، بل مرتبطة بإقامة دولة فلسطينية فقط". وتنطلق السعودية بشروطها من كونها قوّة إقليمية قادرة على إحداث توازن في منطقة الشرق الأوسط، برأي شبشكي.
وبالنسبة إلى الموقف الفلسطينيّ المُشتّت بين السلطة الفلسطينية و"حماس"، يخشى شبكشي أن تُصعّب الملفات الخلافية بين الفلسطينيين مهمة التفاوض الحاصلة، ويُشدّد على ضرورة توحيد الموقف، مشيراً إلى أن السعودية حاولت القيام بمهمّة الجمع في وقت سابق، واليوم تُفضّل عدم التدخّل.
أما عن موقف نتنياهو الرافض لإعطاء الفلسطينيين أيّاً من حقوقهم، وإقامة الدولة الفلسطينية ضمناً، فيقول شبكشي إنّ هذا الملف يجب أن يكون في عهدة البيت الأبيض، لكن المشكلات بين الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأميركية معروفة بسبب سياسات نتنياهو ورفض الأخير إقامة دولة فلسطينية، ممّا سيُشكّل عقبة أمام مساعي التطبيع الجارية.
عقبات محتملة أمام هذه الخطة
إن الخطّة المذكورة سلفاً، أو أيّ خطّة أخرى، تحتاج إلى مواقفةٍ إسرائيلية وفلسطينية لإتمامها. وفي ما خصّ الموقف الفلسطيني، فإنّ اتّحاد الفلسطينيين خلف قرار واحد مرتبط بهذا الشأن صعب، في ظلّ الانقسام الحادّ بين السلطة الفلسطينية التي تمثّل منظمة التحرير، وحركة "حماس" التي تُسيطر على غزّة.
سيُشكّل الموقف الفلسطينيّ ومسألة توحيده عقبة أمام هذه الخطّة. ففي حين تميل منظمة التحرير الفلسطينية إلى التسويات انطلاقاً من مبدأ الواقعية السياسية الذي مارسته في أوسلو ومدريد، تتمسّك "حماس" بمبدأ المواجهة مع إسرائيل مدعومة من إيران التي لا مصلحة لها في تسوية الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
أما على المقلب الإسرائيلي، فإن نتنياهو اليمينيّ المتطرّف لن يستسيغ خطةً تمنح الفلسطينيين المزيد من السلطة والمكاسب السياسية والديبلوماسية والاقتصادية. لكن ثمن ذلك سيكون استقراراً سياسياً وأمنياً مبدئياً، واتفاقات تجارية مع السعودية، وكلّها ملفات قد تجعله يرضى بضغط أميركي.
إلى ذلك، فإنّ الخطة المذكورة قد لا تكون نهائيّة، بل تحتاج إلى تشريح دقيق من قبل الفلسطينيين لإيجاد الثغرات ومعالجتها، خصوصاً تلك المرتبطة بالسيادة، ثمّ تحتاج إلى ضمانات أمميّة، وأميركية بشكل خاص، ترتبط بالتزام إسرائيل المطلق، لأنّ تاريخ تل أبيب حافل بالعودة عن الالتزامات وعدم تطبيق القرارات الدولية.
في المحصّلة، فإنّ الأنظار ستكون شاخصة باتّجاه الديبلوماسيّة السعوديّة وكيفيّة تعاطيها مع القضيّة الفلسطينيّة. كُثر باتوا يستبعدون إمكانيّة تطبيق حلّ الدولتين. لكنّ فُرَص هذا الاحتمال قد تعود وترتفع في ظلّ المحادثات لتطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب؛ فهل تُنشأ الدولة الفلسطينية؟