أتاح "نصر أكتوبر" لمصر تحقيق سلسلة من المكاسب السياسية والعسكرية، إلّا أن حرب العام 1973 ضد إسرائيل أصبحت أشبه بمحطة عابرة بالنسبة لجيل شاب يشكّل غالبية المجتمع المصري ولا يعرف من الحرب سوى ذكراها.
على مدى العقود الماضية، كانت حرب تشرين الأول 1973 الرحم الذي ولد منها رؤساء الجمهورية المصرية من العسكريين، بدءاً بأنور السادات الذي قاد الحرب ثم أبرم معاهدة سلام تاريخية مع إسرائيل، الى خلفه حسني مبارك، ليكون الاستثناء الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي الذي التحق بالكلية الحربية في عام اندلاع الحرب.
حوّلت القاهرة انتصاراتها الميدانية وأبرزها عبور جيشها قناة السويس واختراق صفوف القوات الإسرائيلية في سيناء، إلى مكاسب سياسية ودبلوماسية.
ويرى المحلل في المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية توفيق أكليمندوس أن ما قام به السادات في الحرب وما بعدها منحه "شرعية" قد تحلّ بدلا عن تلك التي تمتع بها سلفه جمال عبد الناصر، العسكري بطل ثورة 1952 التي أنهت العهد الملكي في مصر.
بعد اغتيال السادات عام 1981 على يد إسلاميين، تولى نائبه مبارك الحكم.
مُعزَّزا بمشاركته المحورية في الحرب كقائد للقوات الجوية، توقّع الخبراء أن يكسب "صاحب الضربة الجوية الأولى" مع بدء هجوم المصري في 1973، شعبية لدى مواطنيه كرئيس للجمهورية.
في السياسة والاقتصاد
كان الإسلامي محمد مرسي الذي انتخب رئيسا لمصر في 2012، الاستثناء الذي كسر قاعدة أن مصر يحكمها عسكريون... لكن سرعان ما أطاحه الجيش بقيادة السيسي في 2013 عقب تظاهرات شعبية ضده.
في 2014، أصبح السيسي أول رئيس جمهورية لمصر من خارج نادي العسكريين المشاركين في 1973.
على رغم ذلك، سعى السيسي لتوظيف الحرب في الإطار السياسي المرحلي.
وأطلق السيسي العام الماضي على ذكرى السادس من تشرين الأول 1973 "يوم العزة والكرامة"، ووجّه رسائل عدة للمصريين منها أن "النصر سيظل برهانا على إرادة وصلابة المصريين وتمسكهم بسيادة الوطن وكرامته".
أراد السيسي بذلك رفع عزيمة أكثر من 105 ملايين مصري لتحمّل الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة التي تفاقمت خلال 2022 نتيجة نقص العملة الأجنبية وتراجع قيمة العملة المحلية والارتفاع غير المسبوق للأسعار.
الا ان الاستناد الى ذاكرة الحرب يبدو أمرا صعبا في مواجهة الواقع الراهن.
ويوضح أكليمندوس لوكالة فرانس برس أنّه "أصبح كل ذلك الآن بعيدا عن مستهدفات الجيل الجديد"، مرجعا ذلك إلى أن هذا الجيل "ليس لديه إمكانية الوصول إلى كتب عربية جادة حول هذا الشأن".
وتابع أن "الأشخاص الذين عاشوا الحرب هم (فقط) من يتذكرون الخوف والقيود التي فرضها اقتصاد الحرب".
"القرار الصحيح"
وبينما لم يكن السيسي على الجبهة عام 1973 حين استرد المصريون سيناء، الا أنه خاض حربا أخرى في شبه الجزيرة الواقعة بشمال شرق البلاد ولكن هذه المرة ضد "الإرهاب"، خصوصا المجموعات الإسلامية المتطرفة التي نشطت في هذه المنطقة عقب الإطاحة بمرسي.
وقبل استردادها نتيجة التقدم الميداني في حرب 1973 واتفاقية كامب ديفيد للسلام بعد أعوام، كانت سيناء تحت الاحتلال الاسرائيلي بعد الهزيمة القاسية التي تكبدتها مصر ودول عربية في حرب حزيران/يونيو 1967.
وساهم استرداد مصر لسيناء في استعادة البلد العربي الأكبر من حيث عدد السكان، مكانته على الساحة الدبلوماسية.
ويرى الباحث بالمعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن هشام هيلير إنه بعد الحرب "خرجت مصر من النفوذ السوفياتي لتنضم إلى النطاق الأمني الغربي"، خصوصا مع حصولها سنويا على مساعدة عسكرية تتجاوز مليار دولار.
ويضيف لفرانس برس أنه اليوم، وفي "عالم تتعدد فيه أقطاب النفوذ"، أصبحت القاهرة توازن في علاقاتها لكي لا تفضّل أحد حلفائها لصالح الآخر، سواء لجهة روسيا والصين والهند أو لجهة الأميركيين والأوروبيين والخليجيين.
ويرى الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية عمرو الشوبكي أن حرب 1973 جعلت من الجيش المصري "جيش النصر بدلا من جيش الهزيمة عام 1967".
بعد خمسين عاما على الحرب، تغيّرت المعطيات في الشرق الأوسط بشكل كبير. فمصر أبرمت معاهدة سلام مع إسرائيل في 1979، تلاها الأردن في 1994. وشهد 2020 تطبيع العلاقات بين اسرائيل وكل من الإمارات والبحرين والمغرب.
وعلى رغم ان اتفاق السلام مع القاهرة هو الأقدم زمنيا، لا يزال الشارع المصري غير قادر على التعامل مع هذا التطبيع بشكل كامل، إذ يُنظر دائما إلى إسرائيل على أنها العدو.
ويرى الشوبكي أن السادات الذي أثار مفاجأة واسعة بزيارته القدس عام 1977 ولقاء المسؤولين الإسرائيليين حتى قبل إبرام السلام، "لم يكن ليفاجأ (من اتفاقات التطبيع الأخيرة".
ويتابع "ففي ذلك الوقت كان مقتنعاً تماماً بأنه اتخذ القرار الصحيح بتوقيع السلام".