تَواصَل القصف الإسرائيلي والمعارك في محيط مستشفيات غزة، الأحد، في محاولة إسرائيلية للتوغّل في القطاع أكثر، ما يُهدّد حياة آلاف العالقين في مرافق صحية، واضطرّ مستشفيات أخرى لإجلاء المرضى الذين صاروا "في الشوارع بلا رعاية طبية"، بحسب مسؤول محلي.
وتتعرّض مناطق أخرى في قطاع غزة لقصف إسرائيلي، بعضها في الجنوب حيث وصل عشرات آلاف الفلسطينيين خلال الأيام الماضية، ويصعب عليهم إيجاد مأوى وغذاء ودواء وماء في ظل حصار تفرضه إسرائيل على القطاع منذ عملية "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول.
وأعلنت حكومة "حماس"، الأحد، أنّ 11 ألفاً و180 فلسطينيّاً قتلوا في القصف الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، بينهم 4609 أطفال و3100 امرأة، فضلاً عن إصابة 28 ألفاً و200 شخص.
وأعلن وكيل وزارة الصحة غي فزّة، يوسف أبو الريش، أنّ إسرائيل دمّرت "بالكامل مبنى قسم القلب في مستشفى الشفاء"، حيث لا يزال عشرات آلاف النازحين والجرحى والمرضى عالقين.
وقال أبو الريش إنّ "خمسة أطفال رضّع" و"سبعة مرضى في العناية المكثفة" توفوا بسبب انقطاع الكهرباء في المستشفى الأكبر في غزة، مضيفاً: "نتوقّع أن يتضاعف عدد الشهداء".
ووفقاً له، فإنّ "650 مريضاً، وحوالي أربعين طفلاً في الحاضنات، جميعهم مهدّدون بالموت، و15 ألف نازح" موجودون في هذا المستشفى.
وكان المستشفى أعلن أن ممرضين يلجأون إلى التنفس الاصطناعي اليدوي لإبقاء الرضّع أحياء، فيما أشار طبيب في منظمة "أطباء بلا حدود" إلى أن 17 مريضاً موجودون في قسم العناية المركزة.
وأكد شهود داخل المستشفى وقوع غارة في المكان.
وكان الجيش الإسرائيلي نفى، في وقت سابق، استهداف المستشفى بشكل متعمد، مكرّراً مزاعه باستخدام "حماس" المرافق الطبية مقارّ لها ولبنيتها العسكرية.
ولفت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في مقابلة مع "سي أن أن"، إلى أنّ نحو مئة مريض أُجلوا من مستشفى الشفاء.
وكان مدير مجمّع الشفاء محمد أبو سلمية حذّر من أنّ "الطواقم الطبية عاجزة عن العمل، والجثث بالعشرات لا يمكن التعامل معها أو دفنها".
وطالب مدير مستشفيات قطاع غزة محمد زقوت بـ"إنقاذ الأطفال في الحاضنات لأنّ الوقت ينفد لإنقاذ أرواحهم".
كما حذّر من أن "الوضع الكارثي" في مستشفى الشفاء وقال "لا يمكن لأحد الدخول إليه أو الخروج منه".
من جهته، وصف المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبرييسوس، على منصة "إكس"، الوضع في مستشفى الشفاء بأنّه "خطير" بعد "ثلاثة أيام بلا كهرباء وماء". وقال إنّ "تبادل إطلاق النار والقصف المتواصل في المنطقة القريبة (من المستشفى) يفاقم الظروف الصعبة أصلاً"، مضيفاً أنّ منظمته تمكنت من الاتصال بعاملين طبيين في مستشفى الشفاء.
واتهم الجيش الإسرائيلي "حماس" بمنع مستشفى الشفاء من تسلم 300 لتر من الوقود، فيما ندّد مديره محمد أبو سلمية بـ"أكاذيب"، مؤكداً أنّ هذه الكمية لا تكفي على أي حال "لتشغيل المولدات أكثر من ربع ساعة".
إلى ذلك، حذّرت منظمة "أطباء بلا حدود" من أنّ المستشفيات في مدينة غزة يمكن أن تصبح "مشرحة".
من جهتها، أطلقت اللجنة الدولية للصليب الأحمر "نداءً عاجلاً لحماية المدنيين في غزة".
وقالت واشنطن إنّها تعارض القتال في محيط مستشفيات غزة، "حيث يجد أبرياء ومرضى يتلقون رعاية طبية أنفسهم عالقين وسط تبادل إطلاق النار". وقال مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض جيك ساليفان لشبكة "سي بي إس": "أجرينا مناقشات مكثفة مع قوات الدفاع الإسرائيلية حول هذا الأمر".
في السياق، دعا مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إسرائيل إلى ممارسة "أقصى درجات ضبط النفس" لحماية المدنيين بينما دان استخدام حماس "المستشفيات والمدنيين دروعاً بشرية".
وأكد زقوت أنّ "الإخلاء القسري لمستشفيَي النصر والرنتيسي للأطفال أخرج المرضى للشوارع دون رعاية طبية"، مضيفاً: "فقدنا الاتصال تماماً بالكادر الطبي بمستشفيي النصر والرنتيسي للأطفال".
اتفاق تبادل محتمل
ويتصاعد الدخان من مناطق عدة في قطاع غزة، كما تُسمَع أصوات رصاص وانفجارات في اليوم الـ37 من الحرب.
في مدينة بني سهيلا في جنوب غزة، أفاد مراسل لـ"فرانس برس" بتدمير عشرات المنازل ومقتل عدد من الأشخاص وإصابة العشرات في غارة إسرائيلية الأحد.
في الأثناء، تحدّث نتنياهو في مقابلة مع شبكة "إن بي سي" الأميركية، الأحد، عن "احتمال" التوصّل إلى اتفاق لإطلاق رهائن تحتجزهم حركة "حماس".
ويُقدّر الجيش الإسرائيلي أنّ أكثر من 240 شخصاً احتجزوا كرهائن في غزّة بعد هجوم "حماس"، بينهم 30 طفلاً على الأقل، وفق وسائل إعلام إسرائيلية.
واعتبر نتنياهو أنّ الأمور تتقدَّم بفضل الضغوط العسكرية الإسرائيلية، قائلاً: "في اللحظة التي بدأنا فيها العمليات البرية، بدأت الأمور تتغير".
ويخوض الجيش الإسرائيلي معارك ضارية مع مقاتلي "حماس" في قلب مدينة غزة.
وتقول "حماس" و"الجهاد الإسلامي" إنّهما تمكّنتا من تدمير عدد من الآليات العسكرية الإسرائيلية.
من جهته، لفت مسؤول فلسطيني في غزّة إلى أنّ نتنياهو "مسؤول عن تعطيل وإعاقة الوصول لاتفاق مبدئي للإفراج عن عدد من أسرى المقاومة".
نزوح كثيف
وأعلن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الأحد، مقتل وإصابة "عدد كبير" من الأشخاص جراء قصف طال مقرّاً له في مدينة غزة كان قد أخلي من الموظفين تمهيداً لاستقبال نازحين.
في الجنوب الذي نزح إليه عشرات آلاف الفلسطينيين بعد إنذارات من الجيش الإسرائيلي، أصبح الوضع كارثيّاً.
وتجلس مئات العائلات على جانبَي الطريق ويبدو على أفرادها التعب، ويتصبّب العرق من البعض، وينام أطفال على الأرض بينما يتكئ آخرون على أمهاتهم.