تواصلت المعارك الجمعة في الخرطوم وفي إقليم دارفور بغرب السودان، رغم إعلان تمديد الهدنة في النزاع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع المستمر منذ منتصف الشهر الجاري والذي أودى بحياة مئات الأشخاص.
وارتفعت حصيلة ضحايا القتال إلى قرابة 574 قتيلاً مع الكشف الجمعة عن مقتل 74 شخصاً في مدينة الجنينة في مطلع الأسبوع.
وقالت اللّجنة التمهيديّة لنقابة أطباء السودان في بيان الجمعة إنّ المعارك في مدينة الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور، أسفرت الاثنين والثلثاء عن سقوط 74 قتيلاً ولم يتم بعد حصر ضحايا يوميّ الأربعاء والخميس اللّذين شهدا استمراراً للقتال العنيف في المدينة.
وأطلقت منظّمات ناشطة الجمعة جرس الإنذار بشأن الوضع في دافور حيث تدور معارك دامية، ولا سيّما قرب الحدود التشاديّة. واندلع القتال في الجنينة قبل خمسة أيام.
وتحدّثت هيئة محامي دارفور عن ظهور مقاتلين مزوّدين "رشاشات وقذائف آر بي جي ومضادات طائرات" في الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور، وقالت إنّهم "أطلقوا قذائف على المنازل".
وأوردت نقابة الأطباء في بيان أنّ هناك "عمليّات نهب وحرق واسعة طالت الأسواق والمرافق الحكومية والصحيّة ومقرّات منظّمات طوعية وأممية والبنوك" في الجنينة. وذكرت أنّ "الأحداث الدموية لا تزال جارية" في المدينة "مخلّفة عشرات القتلى والجرحى".
وتحدثت الأمم المتّحدة عن "توزيع أسلحة على المدنيّين" في دارفور.
وحذّرت الأمم المتحدة التي علّقت نشاطها في السّودان بعد مقتل خمسة من موظفيها في أولى أيّام المعارك، من أنّ خمسين ألف طفل يعانون "نقص تغذية حادّاً" محرومون من أي مساعدة غذائية في دارفور.
ويصعب الحصول على معلومات دقيقة عمّا يجري في الإقليم الذي شهد في 2003 حرباً دامية استمرّت سنوات بين قوّات الرّئيس السّابق المعزول عمر البشير شاركت فيها قوات الجنجويد (قوات الدعم السريع بقيادة دقلو)، ومتمردين متحدرين من أقليات إتنية، وتسبّبت بمقتل قرابة 300 الف شخص ونزوح 2,5 مليون.
في الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، يبذل الأطباء قصارى جهدهم لتوفير رعاية صحية لعدد كبير من المصابين الذين نقلوا إلى المستشفيات.
وقال منسّق نشاط منظمة "أطباء بلا حدود" في الفاشر "الوضع صعب جدّاً جدّاً هنا".
وحذرت نقابة الأطباء السودانيين الجمعة من أنّ انهيار نظام الرّعاية الصحية في البلد "وشيك"، فيما يواجه أكثر من 12 ألف مريض خطر الوفاة لأنّهم لا يستطيعون الحصول على غسيل كلى منتظم.
حسب إحصاء وزارة الصحة السودانية، أسفرت المعارك عن مقتل 512 شخصاً وجرح 4193 آخرين، لكن حصيلة الضحايا أكبر وفق تقديرات مراقبين.
وفي مقابلة مع قناة الحرة الأميركية، قال البرهان إن "مرتزقة" يتدفقون عبر الحدود من تشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى والنيجر لاستغلال الفوضى في السودان.
من جهته قال دقلو في مقابلة مع بي بي سي "البرهان ليس جديراً بالثّقة وهو خائن. هذه الحرب تدمّر السودان".
- تمديد الهدنة -
في السّاعات الأخيرة قبل انتهاء هدنة من ثلاثة أيام لم يتمّ التزامها فعليّاً، أعلن الجيش بقيادة الفريق أوّل عبد الفتّاح البرهان وقوّات الدّعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو موافقتهما مساء الخميس على تمديد وقف إطلاق النار 72 ساعة إضافية، بمساع أميركية وسعودية.
منذ 15 نيسان، أُعلنت هدن عدّة، سجلّ خلال بعضها تراجع محدود في حدّة المعارك ساهم في حصول عمليات إجلاء رعايا أجانب، لكن لم يتمّ التزامها بشكل ثابت.
في بيان مشترك صدر في واشنطن، رحّب أعضاء الآلية الثلاثيّة (الاتحاد الإفريقي والهيئة الحكومية للتنمية والأمم المتحدة) والرباعية (السعودية والإمارات وبريطانيا والولايات المتحدة) باستعداد طرفي النزاع "للانخراط في حوار توصلا إلى وقف دائم للأعمال القتالية وضمان وصول المساعدات الإنسانية بلا عوائق".
وأضاف البيان: "هذه المرحلة الديبلوماسيّة الأوليّة ستسهم في وقف دائم للأعمال القتالية وفي الترتيبات الإنسانية وتطوير خطّة لخفض التصعيد".
ورحبّت دول عدّة بتمديد اتّفاق وقف النّار، ودعت إلى تنفيذه بالكامل.
وأعلنت مصر أنّ موفداً من البرهان سيصل السبت إلى القاهرة لمقابلة وزير الخارجية سامح شكري.
والولايات المتّحدة التي يتوسّط ديبلوماسيّوها هاتفيّاً بين الطرفين المتحاربين، اقرّت بانتهاك الهدنة.
وقال المتحدّث باسم وزارة الخارجيّة الأميركيّة فيدانت باتيل: "لكن تنفيذ وقف لإطلاق النار غالباً ما يكون صعباً في البداية. انتهاكات وقف إطلاق النّار لا تعني فشل وقف إطلاق النار".
قالت الوكالة الإنسانية التابعة للأمم المتحدة إنّ 16 في المئة فقط من المرافق الصحيّة في الخرطوم لا تزال تعمل بشكل طبيعي، ما يترك الملايين دون الحصول على الرعاية الصحية.
من جهة أخرى، حذّرت الأمم المتّحدة الجمعة من أنّ ما شهدته البلاد أخيراً من فرار من السجون يمكن أن يؤدّي إلى "مزيد من العنف في ظلّ مناخ عام سائد يوحي بأنّه لا توجد محاسبة".
وأعلن أحد مساعدي الرّئيس المخلوع، وهو مطلوب بمذكّرة توقيف دوليّة بتهمة ارتكاب "جرائم ضد الإنسانية" في إقليم دارفور خلال حكم البشير، قبل يومين أنّه فرّ مع رفاق له من سجن كوبر في الخرطوم على وقع القتال والفوضى العارمة في السودان.
على الأرض، القتال يتواصل. وأفاد شهود بحصول تبادل للقصف في الخرطوم الجمعة استُخدمت فيه طائرات عسكريّة تابعة للجيش ومدفعيّة ثقيلة تابعة لـ"قوّات الدعم السريع".
وقال شهود لـ"فرانس برس" إنّهم سمعوا ضربات جويّة ومدافع مضادّة للطائرات تطلق قرب مقرّ قيادة الجيش في العاصمة.
- نزوح جماعي -
ولم يعرف السودان استقراراً منذ 2019. وأطاح الجيش في نيسان من تلك السنة البشير تحت ضغط احتجاجات شعبية عارمة ضده. وتقاسم السّلطة بعد ذلك مع مدنيّين قادوا هذه الاحتجاجات.
في تشرين الأول 2021، نفّذ البرهان ودقلو انقلاباً أطاح المدنيّين من الحكم، قبل أن يبدأ بينهما صراع على السّلطة انفجر عسكريّاً.
ويسعى سكان الخرطوم البالغ عددهم خمسة ملايين إلى الفرار من المدينة التي تشهد انقطاعاً في الماء والكهرباء والاتّصالات وأزمة وقود، بالإضافة إلى القصف المتواصل.
وتسبّب القتال بنزوح جماعي في البلد الذي يعدّ من أفقر بلدان العالم.
ووصل عشرات آلاف السودانيين إلى دول مجاورة. وتقول الأمم المتحدة إنّ 270 ألفاً يمكن أن يفرّوا إلى تشاد وجنوب السودان.
ويغادر الأجانب غالباً عبر البحر من بورتسودان (شرقاً)، أو في طائرات تنطلق من قواعد عسكرية.
وستُنهي المملكة المتحدة السبت عمليّات الإجلاء بطائرات عسكرية لرعاياها وأقاربهم المحاصرين في القتال الدائر في السودان. وقالت الخارجيّة البريطانية إنّ الراغبين في الإجلاء يجب أن يتوجّهوا إلى المطار بحلول الساعة 10,00 ت غ صباح السبت.
وأجلت تشاد في غضون ثمان وأربعين ساعة 351 من مواطنيها الذين حوصروا في القتال الدائر في السودان، بعد وصول طائرة ثالثة إلى نجامينا على متنها 130 راكباً، حسب ما أفاد مراسل وكالة فرانس برس ليل الجمعة السبت.
وتعرضت طائرة نقل عسكرية تركية لإطلاق نار حسبما أفادت وزارة الدفاع التركية ما يظهر استمرار المخاطر وسط تدافع الحكومات الأجنبية لإنهاء عمليات إجلاء مواطنيها.
ووصلت سفينة سعودية مساء الخميس إلى جدة حاملة 2744 شخصاً من جنسيّات مختلفة أجلتهم الرياض.
ونفّذت دول عدّة، ولا سيّما الولايات المتّحدة وبريطانيا وفرنسا، عمليات إجلاء خلال الأيام الأخيرة.