رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "الرضوخ" لضغوط داخلية وخارجية متزايدة لإبرام اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة يتيح الإفراج عن الرهائن المحتجزين لدى حركة حماس، متعهدا مواصلة القتال لتحقيق أهداف الحرب التي تقترب من إتمام شهرها الحادي عشر.
في غضون ذلك، تواصل إسرائيل الثلاثاء عمليتها العسكرية لليوم السابع في الضفة الغربية المحتلة حيث قتل 30 شخصا، وفق مصادر رسمية فلسطينية.
وأتى موقف نتنياهو في أعقاب احتجاجات شعبية شهدتها إسرائيل منذ الأحد، ورافقها إضراب جزئي الإثنين في بعض البلدات والقطاعات الاقتصادية، بعد إعلان الجيش العثور على جثث ستة من الرهائن في جنوب غزة. كما اعتبر الرئيس الأميركي جو بايدن الذي تعد بلاده أوثق حلفاء إسرائيل، أن نتنياهو لا يبذل جهودا كافية للتوصل الى اتفاق يعيد الرهائن من القطاع.
واتهم نتنياهو حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بقتل الرهائن الستة بإطلاق نار "على مؤخر الرأس". من جهته، توعد متحدث باسم الجناح العسكري للحركة الإثنين، بأن الرهائن سيعودون "في توابيت" في حال واصلت إسرائيل ضغطها العسكري في القطاع.
وأثار العثور على جثث الرهائن الستة في نفق تحت الأرض بمدينة رفح، حزنا وغضبا عارما في إسرائيل، خصوصا من قبل عائلاتهم التي رأت أن اتفاقا لوقف النار كان كفيلا بعودتهم أحياء.
وأكد نتنياهو ليل الإثنين تمسّكه بوقف النار وفق الشروط التي يراها مناسبة لتحقيق أهداف الحرب، ومن أبرزها الإبقاء على وجود عسكري إسرائيلي عند الشريط الحدودي بين قطاع غزة ومصر، والمعروف بـ"محور فيلادلفيا".
وقال إن "تحقيق أهداف الحرب يمر عبر محور فيلادلفيا"، والسيطرة عليه "تضمن عدم تهريب المخطوفين إلى خارج غزة".
وشدد "لن أرضخ للضغوط" بهذا الشأن.
وتقود الولايات المتحدة ومصر وقطر منذ أشهر جهود الوساطة بين إسرائيل وحماس سعيا للتوصل الى هدنة وتبادل الرهائن وسجناء فلسطينيين في إسرائيل. وباستثناء هدنة لأسبوع في تشرين الثاني/نوفمبر، لم يتم التوصل الى أي تفاهم مع تمسّك كل منهما بمطالبه.
وتتمسك حماس بمطالب عدة أبرزها الانسحاب الإسرائيلي الكامل من القطاع وعودة النازحين الى مناطقهم.
وطلب نتنياهو "الصفح" من عائلات الرهائن القتلى، لكنه شدد على ضرورة أن يوجَّه الضغط الى حماس.
وقال "ستدفع حماس ثمنا باهظا للغاية"، مضيفا "نحن نقول نعم وهم يقولون لا طوال الوقت، لكنهم قتلوا هؤلاء الأشخاص أيضا والآن نحن في حاجة إلى أقصى قدر من الضغط على حماس". وتابع أنه "يجب على حماس أن تقدم تنازلات".
- "تعليمات جديدة" -
وأتى المؤتمر الصحافي لنتنياهو في وقت تجمّع آلاف المتظاهرين في تل أبيب مساء الاثنين لليوم الثاني من التظاهرات المناهضة للحكومة.
وحمّلت حماس الدولة العبرية مسؤولية مقتل الرهائن.
وقال أبو عبيدة، المتحدث باسم كتائب القسام، الجناح العسكري للحركة، في بيان الإثنين إن "إصرار نتنياهو على تحرير الأسرى من خلال الضغط العسكري بدلا من إبرام صفقة سيعني عودتهم إلى أهلهم داخل توابيت".
وأكد إصدار "تعليمات جديدة" لحراس الرهائن "بخصوص التعامل معهم حال اقتراب جيش الاحتلال من مكان احتجازهم".
من بين 251 شخصا احتجزوا رهائن خلال هجوم حماس على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، لا يزال 97 منهم في غزة، من بينهم 33 يقول الجيش الإسرائيلي إنهم ماتوا.
ورأت المتخصصة بالشأن الإسرائيلي في في مجموعة الأزمات الدولية ميراف زونزين بأن المواقف الأخيرة لنتنياهو تجعل الاتفاق بشأن غزة بعيد المنال.
وأوضحت لوكالة فرانس برس أن رئيس الوزراء الإسرائيلي "قال عمليا أن استراتيجيته هي أنه لن يوقف الحرب أو يقدم أي تنازل يعتبره وجوديا، الى أن تستلم حماس. وهو أعلن عمليا أنه لن يتم إبرام اتفاق بشأن الرهائن".
وأشارت الى أن نتنياهو "يريد احتلال غزة الى أجل غير مسمى (...) إسرائيل لن تعيد أبدا أرضا تحتاج إليها في (ضمان) أمنها".
واعتبرت أنه "في ما يتعلّق بصفقة الرهائن، يواجه (نتنياهو) معارضة هائلة، لكن لا يوجد أحد على الساحة السياسية قادر على تحدّيه".
ورأت صحيفة "هآرتس" اليسارية التوجه أن نتنياهو "يريد قبل أي شيء حماية موقعه السياسي. هو يعمل لحماية ائتلافه (اليميني المتطرف) الذي قد ينهار في حال أبرِم اتفاق بشأن غزة".
في واشنطن، اعتبر بايدن أن نتنياهو لا يبذل جهدا كافيا للتوصل لاتفاق، لكنه أكد أن المفاوضين "قريبون للغاية" من التوصل إلى اقتراح نهائي لتقديمه لطرفي الحرب.
وعقد بايدن ونائبته كامالا هاريس الاثنين اجتماعا مع فريقه المعني بالمفاوضات بشأن غزة.
وفي موقف ضاغط من دولة حليفة لإسرائيل، أعلن وزير الخارجية ديفيد لامي الاثنين تعليق 30 من أصل 350 ترخيصا لتصدير الأسلحة إلى الدولة العبرية، مشيرا أمام البرلمان إلى "خطر واضح" من إمكان استخدامها في انتهاك خطير للقانون الإنساني الدولي.
- 30 قتيلا في الضفة -
واندلعت الحرب في غزة في السابع من تشرين الأول/أكتوبر إثر هجوم غير مسبوق لحركة حماس على جنوب إسرائيل.
وأدى الهجوم إلى مقتل 1205 أشخاص في الجانب الإسرائيلي، معظمهم مدنيون، حسب تعداد لفرانس برس يستند إلى بيانات رسمية.
وتوعدت إسرائيل بـ"القضاء" على حماس. وتسبّب القصف والعمليات البرية الإسرائيلية على قطاع غزة بمقتل ما لا يقل عن 40819 شخصا، وفقا لوزارة الصحة التابعة لحماس. وتؤكد الأمم المتحدة أن غالبية القتلى من النساء والأطفال.
كما تسببت الحرب بدمار هائل وأزمة انسانية كارثية في القطاع الذي يناهز عدد سكانه 2,4 مليون شخص.
وتواصلت الثلاثاء عمليات القصف.
وأفاد مراسلون لفرانس برس عن غارات جوية خصوصا في وسط القطاع ومنطقة خان يونس (جنوب). وتحدث شهود عن غارة جوية على منزل قرب مخيم البريج.
وخلال اليومين الماضيين، شهد القطاع "هدنا إنسانية" محلية لتسهيل حملة تلقيح بعد رصد أول إصابة مؤكدة بشلل الأطفال منذ 25 عاما. وأفادت وزارة التابعة لحماس بأن نحو 160 ألف طفل تلقوا اللقاح الأحد والإثنين.
في الأثناء، واصلت إسرائيل عمليتها العسكرية الواسعة النطاق لليوم السابع على التوالي في شمال الضفة الغربية التي تحتلها منذ العام 1967.
وأفادت وزارة الصحة الفلسطينية في رام الله بأن 30 شخصا على الأقل قتلوا منذ بدء العملية الأربعاء الماضي.
وقالت حماس وحركة الجهاد الإسلامي، إن 14 على الأقل من إجمالي القتلى في الضفة هم من عناصرهما.