النهار

إلى متى تتمكّن إسرائيل وإيران من ضبط قواعد الاشتباك؟
جورج عيسى
المصدر: "النهار"
إسرائيل تعتمد "سياسة الأخطبوط"... ماذا عن إيران؟
إلى متى تتمكّن إسرائيل وإيران من ضبط قواعد الاشتباك؟
مناورات للجيش الإيراني، أيلول 2021 - "أ ب"
A+   A-

لم يكن يوم الاثنين الماضي يوماً عادياً في إيران. أعلنت إحدى أكبر الشركات الإيرانية الحكومية عن تعرضها لهجوم سيبيراني. أصدرت "شركة خوزستان للصلب" بياناً جاء فيه أنّ خبراءها خلصوا إلى عدم إمكانية مواصلة الشركة عملياتها بسبب مشاكل فنية ناجمة عن الهجوم. لذلك، قرّرت الإغلاق "حتى إشعار آخر".

بعدها، زار رئيس هيئة الأركان الإسرائيلية الجنرال أفيف كوخافي مقرّ "وحدة 8200"، وهي الذراع الاستخباري العسكري للجيش. عقب انتهاء الزيارة، بثّت القناة 12 الإسرائيلية مقطع فيديو يقال إنّ العاملين في الوحدة أطلعوا كوخافي عليه وهو يوثّق نتائج الهجوم السيبيراني الأخير. كانت تلك من المرّات النادرة التي تتبنّى فيها تل أبيب ولو بشكل غير مباشر شنّ هجوم سيبيراني على إيران. يصعب معرفة ما إذا كانت الرسالة مقصودة. فقد أمر وزير الدفاع الإسرائيلي في الحكومة الإسرائيلية بني غانتس قسم الأمن في وزارته بفتح تحقيق في التسريب لأنّه أضرّ بـ"سياسة الغموض" الإسرائيلية. في جميع الأحوال، لم يعد هذا "الغموض" غامضاً فعلاً منذ فترة طويلة.

 

"سياسة الأخطبوط"

صعّدت إسرائيل هجماتها ضد إيران على وقع اقتراب الأخيرة من العتبة النووية. تحدّث رئيس الحكومة التي باتت تصرّف الأعمال نفتالي بينيت مراراً عن "سياسة الأخطبوط" التي لا تكتفي بمهاجمة وكلاء إيران في المنطقة بل تستهدف الداخل الإيراني نفسه.

إلى هذه السياسة، تطرّق أستاذ الشؤون الدولية والدراسات الشرق أوسطية في جامعة جونز هوبكينز والي نصر والمستشارة الخاصة لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "مركز الحوار الإنساني" ماريا فانتابي. أوضح المراقبان في مجلة "فورين أفيرز" أنّ النهج الجديد أقل قابليّة للتنبؤ بمساره، وأكثر عدوانية وتعقيداً من الحملات الإسرائيلية السابقة. فخلال الأسابيع الأخيرة، وسّعت إسرائيل أهدافها إلى ما هو أبعد من اغتيال العلماء النوويين ليطال مسؤولين بارزين في الحرس الثوري. "لقد كان هنالك الكثير من التقارير الحديثة عن وفيات غامضة وانفجارات مشبوهة وحوادث صناعية".

إذا كان لا بدّ من مثل عن الوفيات المشبوهة، فبالإمكان الإشارة إلى تقرير في صحيفة "نيويورك تايمس" الشهر الماضي عن وفاة عالمين إيرانيين شابين وبصحة جيدة. أصيب العالمان (مهندس طيران وجيولوجي) بوعكة ازدادت حدة بمرور الأيام حتى توفيا في مستشفيين إيرانيين يبعدان عن بعضهما قرابة 600 كيلومتر. أحدهما أظهر عوارض تسمّم غذائيّ بعدما حضر حفل عشاء دعي إليه. لاحقاً، لم يكن بالإمكان العثور على صاحب الحفل، تابعت الصحيفة. بدأت سلسلة الأحداث الأخيرة بعد اغتيال العقيد في الحرس الثوري صياد خدايي فمهندس شاب ثمّ سقوط أحد أفراد الحرس الثوريّ بشكل مشبوه عن شرفته، لتنتهي عند اغتيال الجيولوجيّ ومهندس الطيران.

 

كيف تردّ إيران؟

في مواجهة "سياسة الأخطبوط" يبدو أنّ إيران تعتمد سياسة دفاعيّة إلى حدّ كبير. ربّما يدخل في حسابات إيران أنّ رفع حدّة المواجهة وصولاً إلى المخاطرة بالحرب قد يجعلها تخسر على جبهة الاتّفاق النوويّ. لا تزال المفاوضات غير المباشرة متعثرة، أكانت في فيينا أو في قطر. على الرغم من التصعيد الكبير في المطالب الإيرانية وصولاً إلى اشتراط شطب الحرس الثوري عن قائمة الإرهاب، وهو طلب من المرجّح ألا تقبل به واشنطن حالياً، لا تزال إيران راغبة بالاتفاق بفعل الأموال الكبيرة التي سيفرج عنها. فوتيرة الاضطرابات الاجتماعية عند حدّها الأعلى منذ وصول الثورة إلى الحكم. تخفيف حدّة الاستياء الاجتماعيّ يتطلّب بالضرورة حدثاً كإعادة إحياء الاتفاق النووي. التصعيد الإيرانيّ يجب أن يبقى مضبوطاً كي لا تضيع فرصة كهذه. ومن المحتمل استئناف المحادثات بعد جولة الرئيس الأميركي جو بايدن في الشرق الأوسط أواسط الشهر الحاليّ.

يلفت نصر وفانتابي إلى أنّ إيران "تلعب اللعبة الطويلة" و"تسعى إلى شراء الوقت". عبر تفادي المواجهة المباشرة مع إسرائيل، تستطيع إيران تعزيز برنامج الصواريخ والمسيّرات وتوسيع إمكاناتها العسكرية في الشرق الأوسط. ويعتقد الإيرانيون أنّ نجاح إسرائيل في جرّ إيران إلى نزاع أوسع سيدفع إدارة بايدن إلى التدخل عسكرياً. لكنّ ذلك لا يعني أنّ إيران في موقف دفاعيّ تماماً. يشتبه بأنّها شنّت هجوماً سيبيرانياً على مطار بن غوريون كما تُظهر إرادة باستهداف مراكز استخبارية إسرائيلية قريبة من حدودها.

 

حدود الردّ

يظهر أنّ لقدرة إيران على الردّ حدوداً. تبيّن أنشال فوهرا في مجلة "فورين بوليسي" أنّ إيران تخفّف من أهمية الاغتيالات التي طالت سبعة من علمائها وقادتها العسكريين منذ أيار. وتنقل عن فرزين نديمي من "معهد واشنطن" قوله إنّ إيران تخشى من تآكل التصوّر عن قوّتها الرادعة ومن فكرة أنّ إسرائيل تملك حرية الحركة داخل أراضيها.

في هذا السياق، يمكن أيضاً وضع إرسال "حزب الله" ثلاث طائرات مسيّرة إلى حقل كاريش قبل أن يسقطها الإسرائيليون. هو ليس فقط عبارة عن توجيه "رسالة" إلى الإسرائيليين بخصوص التنقيب في منطقة متنازع عليها، بل أيضاً إظهار (واختبار) لأحد جوانب الردع الإيرانيّ.

ويبدو أنّ محاولات إيران في الردّ على الإسرائيليين لا تنجح دائماً. نقل موقع "ألمونيتور" عمّن وصفهم بالمسؤولين الكبار قولهم إنّ رئيس جهاز الموساد ديفيد برنيع هو المسؤول عن كشف هوية المسؤول عن تعقّب ومساعي استهداف سيّاح إسرائيليين في تركيا وهو رئيس الاستخبارات في الحرس الثوري حسين تائب. بعد نحو أسبوع من نشر اسمه على الإعلام الإسرائيلي في 17 حزيران، أصدر الحرس الثوري بياناً جاء فيه أنّ محمد كاظمي أصبح الرئيس الجديد لاستخباراته.

 

حجم الضوابط

بالرغم من ارتفاع حدّة حرب الظلّ، لا يرغب الطرفان في انفلاشها إلى حرب كلاسيكية. ربّما تتغيّر الحسابات لاحقاً بعد زيارة بايدن الشرق الأوسط أو بعد انهيار محتمل للمفاوضات بشأن إحياء الاتفاق النوويّ. لكنّ الرغبة بعدم إشعال الحرب في المنطقة لا تكفي وحدها لتجنّب هذه النتيجة. رفع سقف التحدّي عادة ما يُخرج الحسابات عن سكّتها.

الأخطبوط قادر على تغيير لونه من أجل التخفّي ودرء المخاطر. أمّا "الأخطبوط" كسياسة إسرائيلية فيمكن أن يستجلب المخاطر بدلاً من درئها. والمرحلة الانتقالية التي تشهدها تل أبيب، وربّما المنطقة برمّتها، قد تضاعف هذه الاحتمالات.

 

اقرأ في النهار Premium