بعد التقارب الإيراني - السعودي، والسوري - السعودي، وبعد اجتماع الأردن الإقليمي الذي عُقد قبل أيام، ستكون الأنظار شاخصة باتّجاه الجنوب السوري في الفترة المقبلة، بسبب ما يشهده من تفلّت أمنيّ، وما يُشكّله من مصدر أساسيّ لتهريب المخدرات نحو الأردن وبيئة خصبة لجماعات مسلّحة تنتشر بين محافظتي السويداء ودرعا، على الحدود السورية - الأردنية.
الأمن والمخدرات كانا محورين من محاور البحث بين سوريا والسعودية من جهة، وبين سوريا والأردن والسعودية والعراق ومصر في عمان من جهة ثانية. وينتظر المجتمع العربيّ جدّية النظام السوري في التعاطي مع هذين الملفّين، ومع غيرهما من الملفات، مقابل دعم ماليّ محتمل في المستقبل. وسيكون على النظام إرسال إشارات إلى هذه الدول حول مدى التزامه بالحرب على المخدرات بشكل خاصّ.
الأسد بدأ حربه على المخدرات؟
في هذا السياق، يكشف مسؤول تحرير موقع "السويداء 24" ريان معروف عن "عمليات أمنية لافتة يقوم بها اللواءان 12 و52 في الجيش السوري، بمؤازرة فصائل التسوية المحلية في درعا، هدفها إلقاء القبض على بعض تجّار ومهربي المخدرات الذين ينتمون إلى العشائر والبدو، علماً بأن معظم عمليات تهريب المخدرات نحو الأردن ينفّذها هؤلاء التجّار".
وفي حديث لـ"النهار"، يربط معروف هذه الحملة الأمنية بالتسويات التي يُحاول النظام السوري عقدها مع الدول العربية، وبشكل خاص مع الأردن والسعودية. ويُشير إلى أن "النظام السوري يُحاول إرسال إشارات إيجابية تتحدّث عن مدى التزامه بالحرب ضد المخدرات". وتوقّع أن "ترتفع وتيرة هذه العمليات الأمنية، لنسمع أخباراً حول ضبط شحنات مخدرات كانت معدّة للتهريب.
لكن معروف يقلّل من وقع هذه الحملات على أرض الواقع، لأن النظام السوري - برأيه - يستهدف التجّار الصغار المتواضعين، والذين ينتمون إلى الحلقة الأضعف في سوريا، البدو والعشائر المهجّرة، ولا يستهدف رؤوس تهريب المخدرات الكبيرة المعروفة الهوية وأمكنة الإقامة، والتي تعمل تحت غطائه الأمني. وفي بعض الأحيان، تنتمي الرؤوس المقصودة إلى صفوف النظام، كراجي الفلحوط، الذي ينتمي إلى شعبة المخابرات العسكرية، وكان من أشهر تجّار المخدرات في السويداء.
ويشدّد معروف على أن "جدّية النظام السوري في مكافحة المخدرات تبدأ مع التوجّه نحو منظّمي شبكات تهريب المخدرات، وعلى سبيل المثال لا الحصر، مرعي الرمثال، الذي ينتمي إلى صفوف شعبة المخابرات العسكرية، والذي تم توقيفه من قبل شعبة المخابرت الجوية قبل فترة، ليُعاد ويطلق سراحه في غضون ساعتين بتسهيل من المخابرات العسكرية".
وإذ يشدّد معروف على أن "لا معلومات دون أدلّة"، يكشف عن "وثائق تم الوصول إليها بواسطة هواتف بعض مهرّبي المخدرات، تُشير إلى التواصل مع أشخاص من لبنان، ينتمون إلى آل شمص وجعفر في بعلبك". ويلفت إلى أن هذه المخدرات تمرّ من لبنان إلى سوريا عبر معابر غير شرعية، تُسيطر عليها الفرقة الرابعة التابعة للجيش السوري وماهر الأسد.
ويُذكّر معروف بحادث سير حصل قبل فترة على أوتوستراد حمص الدولي، أدّى إلى تطاير كميات من المخدرات قُدّرت بـ3 أطنان، تعود إلى شخصين من القرداحة، مسقط رأس بشار الأسد، أحدهما ينتمي إلى شعبة المخابرات العسكرية، والآخر ينتمي إلى جهاز أمن الدولة السوري. وكانت هذه الشحنة قد مرّت على حواجز تابعة للنظام السوري، بحكم أنها كانت على أتوستراد دولي.
وفي السياسة، النظام غير قادر على إنهاء حالة المخدرات والتهريب لأن ثمّة مستفيدين كثيرين منها، لكنّه قادر على السيطرة عليها بنسبة كبيرة والحدّ منها، لأنه يمتلك خيوط اللعبة الأساسية، إلّا أنّه يحتاج لمقابل مادي. وعلى هذا الأساس، يُفاوض النظام السوري الأردن والسعودية. وفي حال تم دعم النظام السوري مادياً، فإنّه قد يتجه إلى خطوات تحدّ من تجارة المخدرات، والمسألة تحتاج وقتاً طويلاً.
في السياق، يؤكّد معروف تورّط النظام السوري وحلفائه ومجموعاته المسلّحة في عمليات تصنيع وتهريب المخدرات، وذلك عبر توفير الغطاء الأمني لشبكات التجارة والتعاطي من جهة، وتوفير البيئة المناسبة لنمو هذا القطاع من جهة أخرى. ويلفت إلى أنهم "يمسكون بخيوط لعبة تصنيع وتجارة المخدرات، والجدّية تظهر في تجفيف منابع المهرّبين الأساسية، كريف حمص، وضبط الحدود مع لبنان، لأن الكمية الكبرى من المخدرات تُستورد من الشرق اللبناني، وبشكل خاص من بعلبك والهرمل".
هل يشتبك النظام السوري مع المجموعات الإيرانية؟
في حين بات معلوماً تورّط مجموعات إيرانية مسلّحة بقطاع المخدرات، فإن محاولات النظام السوري الحدّ من التصنيع والتهريب - في حال كانت جادّة - قد تضعه في مواجهة مع المتضرّرين، ومنهم هذه الجماعات، التي تنشط في ريف حمص على وجه الخصوص، إلا انه من المستبعد حصول اشتباك بينهما نظراً إلى المصالح الاستراتيجية التي تجمع الطرفين.
ويستبعد معروف أن يواجه النظام السوري أيضاً عناصره الأمنيّة المتورّطة في هذا القطاع بغطاء منه، كضباط جهاز المخابرات العسكرية. ويُشير إلى أن قادة مجموعات صغيرة، كراجي الفلحوط سيكونون بمثابة "شمّاعات" توقفهم قوات النظام الأمنية فيما يبقى المسؤولين الكبار خارج اللعبة، في ظلّ عدم اعتراف النظام السوري أساساً برعايته لهذه التجارة.
ويردّ معروف على سؤال حول تفضيل النظام السوري للدعم المادي العربي على مردود المخدرات، فيقول: "بالرغم من ضخامة مدخول نظام الأسد من تجارة المخدرات، فإنّه سيفضّل الدعم العربي لجملة من الأسباب، أهمّها أن تجارة المخدرات تعرّضه لعزلة إقليمية ودولية، وأن أرباح المخدرات تموّل الحرب والميليشيات المسلّحة ورجال الأعمال لا القطاعات والمؤسسات الرسمية، والدليل على ذلك تراجع موازنة النظام السوري من 13 مليار دولار في عام 2020 إلى 11 مليار دولار، بالرغم من نموّ تجارة المخدّرات".
ماذا عن الأمن؟
أما على مستوى الأمن، ومع انتشار الجماعات المسلّحة في الجنوب السوري، فهناك اتجاه لتفعيل اللجان الأمنية التي كانت موجودة في كل محافظة، بعد أن تراجعت أدوارها في عام 2018؛ وهناك لجان عادت إلى العمل، منها لجنة درعا. ويُنقل عن مصادر أمنية في النظام السوري النيّة بتفعيل لجنة السويداء، وذلك بهدف حلحلة الملفات الأمنية العالقة في المنطقة التي تشهد تفلتاً أمنياً غير مسبوق.
ومن المتوقع أن ينفّذ النظام عمليات محدودة، وأن يجري تسويات مع المطلوبين للقضاء، بهدف الإمساك بأمن المنطقة وملفاتها، في سياق خطّة "الخطوة مقابل خطوة" التي تمّ الاتفاق عليها في الأردن لضبط أمن المنطقة والتخفيف من حدّة التهديد الأمني وإنهاء المظاهر المسلّحة، علماً بأنه من مصلحة الأردن أن تكون حدودها مستقرّة مع سوريا.
لكن معروف ينفي أيضاً قدرة النظام السوري على فرض الأمن بشكل كامل في الجنوب السوري وحلحلة مختلف الملفات، لأنّ الوضع الاقتصادي في المنطقة متردٍّ جداً، ولا يُمكن ضبط تجارة المخدرات والسرقات وغيرها بسهولة، والحلّ الفعلي والشامل والمستدام برأي معروف إرساء استقرار اقتصادي، وهذا الأمر صعب التحقيق، ويحتاج إلى سنوات وليس أشهراً، بالإضافة إلى دعم مالي من الخارج.
في المحصّلة، فإن الجنوب السوري على موعد مع مستجدات أمنية قد تشكّل رسائل سياسية إقليمية يبعثها النظام السوري، ومدخلاً لعودة بشار الأسد إلى "الحضن العربي"، في الوقت الذي تُشكّل امتحاناً لمدى جدّية النظام السوري والتزامه بمحاربة قطاع المخدرات الذي عمل على تنميته لسنوات بهدف تأمين المدخول المادي وتمويل حربه ضد الشعب السوري.