على وَقع التصفيق وهتافات الترحيب والدموع، استقبل قرابة ثلاثين ألف مؤمن، غالبيتهم من العمال المهاجرين البابا فرنسيس، صباح اليوم، في استاد البحرين الوطني، في اليوم الثالث من زيارته الى المملكة الخليجية.
في الملعب الفسيح، جال الحبر الأعظم في السيارة البابوية بين جموع المصلين الذين لوّحوا بالأعلام البابوية ورفعوا هواتفهم لالتقاط الصور لتوثيق لحظة انتظروها طويلاً. وحضر المشاركون في القداس منذ ساعات الصباح الأولى وتوزّعوا على المقاعد المخصصة لهم. صافح البابا رجالاً ونساء وبارك أطفالاً هتفوا له. ولم يقوَ كثرٌ على حبس دموعهم من شدة تأثرهم بعدما أصبح "الحلم حقيقة".
وقالت أرنيدا كوينكال (38 عاماً) التي تعمل في السعودية منذ 13 عاماً في مجال الرعاية الصحية: "أنا سعيدة للغاية... لطالما أردت الذهاب إلى روما لزيارتها وحضور قداس يترأسه البابا. كنت أعلم ان ذلك بعيد المنال، لكنه تحقّق اليوم. إنها لحظة رائعة لنا".
والقدّاس الذي حمل شعار "من أجل العدل والسلام"، هو القداس الجماعي الثاني الذي يترأسه البابا في دولة خليجية بعد زيارته التاريخية الى الإمارات عام 2019 وتوقيعه وثيقة تاريخية حول الأخوة الإنسانية مع شيخ الأزهر الإمام احمد الطيب.
وفي كلمة ألقاها خلال القداس، دعا البابا فرنسيس إلى إعلاء المحبة على ما سواها. وقال: "هذه الأرض بالتحديد هي صورة حيّة للعيش المشترك، للتنوع ولعالمنا الذي يتّسم بشكل متزايد بالهجرة الدائمة للشعوب وبتعددية الأفكار والعادات والتقاليد".
وقالت فيلومينا أبرانش (46 عاماً) وهي هندية تقيم في البحرين وتعمل كمتطوعة في تنظيم فعاليات القداس: "نحن هنا منذ الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، لم نَنَم".
وأضافت: "إنه حلم... يمثل البابا قبل كل شيء السلام في العالم وهذا ما نحتاج إليه في هذه اللحظة".
والقداس اليوم هو ثاني محطة يلتقي فيها البابا فرنسيس المسيحيين الكاثوليك في البحرين، بعد محطة أولى مساء الجمعة في كاتدرائية سيدة العرب، الكنيسة الكاثوليكية الأكبر في الخليج، التي دخلها على وقع التصفيق والدموع.
"أخذتُ بركته"
وقالت مارغريت حيدة (63 عاماً) وهي مسيحية من البحرين: "استضافة البابا فرنسيس هي الحدث الأعظم هذه السنة".
وأضافت: "تذهب الناس عادة الى ايطاليا لرؤية البابا وقد لا توفّق في ذلك. لكنني رأيته في الكنيسة أمس وسأراه اليوم. أعتبر نفسي محظوظة لانني تمكنت أمس من الإمساك بيده وأخذ بركته".
ويقطن البحرين، التي تحترم حرية العبادة وتقيم علاقات دبلوماسية مع الفاتيكان منذ العام 2000، نحو ثمانين ألف مسيحي كاثوليكي، هم عمال من الهند والفيليبين بشكل أساسي، من إجمالي 1,4 مليون نسمة.
منذ وصوله الى البحرين الخميس، يستخدم البابا، البالغ من العمر 85، عاماً كرسياً متحركاً وعصا للتنقّل، بسبب آلام مزمنة في الركبة يعاني منها مؤخراً وتعيق حركته.
وقال مدير معهد الدراسات الشرقيّة للآباء الدومينيكان في القاهرة إيمانويل بيساني، بينما جلس في الصف الأول خلال القداس، لوكالة "فرانس برس"، إنّ زيارة البحرين تسمح للبابا "بلقاء المؤمنين مع وجود جالية كبيرة من المسيحيين المهاجرين".
وأوضح أنّه "منذ (البابا الأسبق) يوحنا بولس الثاني، ثمة وعي بأن الرحلات الرسولية للباباوات تسمح لنا حقًا بالذهاب إلى قلب البلاد، والسكان المسيحيين"، مضيفاً أنّه "من الواضح أن البابا فرنسيس، على الرغم من معوقات حركته، يواصل ذلك لأن الراعي يريد أن يلتقي" بأبناء رعيته.
"محظوظون"
وزيارة البحرين هي الزيارة الرابعة التي يجريها الحبر الأعظم الى الخارج هذا العام، وهي التاسعة والثلاثين منذ انتخابه على سدّة الكرسي الرسولي عام 2013. وشملت جولاته أكثر من عشر دول ذات غالبية مسلمة، بينها الأردن وتركيا ومصر وبنغلادش والعراق.
على المقاعد في الملعب والمدرجات التي تبلغ قدرتها الاستيعابية 25 ألف شخص، وضع المنظمون أكياساً بلاستيكية بداخلها قبعة تحمل شعار الزيارة، إضافة الى كتاب صلوات والعلم البابوي من بين أشياء أخرى.
ولم يقتصر الحضور على المقيمين في البحرين، بل تعدّاه الى مواطنين من جنسيات عدة أتوا من دول الخليج المجاورة خصوصاً السعودية والكويت والإمارات أو من لبنان.
من الدمّام في السعودية المجاورة، حضرت ماتريسيا (62 عاماً) للمشاركة في القداس. وقالت: "نحن محظوظون للغاية لأننا في هذا الحدث المقدس، في قداس يترأسه البابا من أجلنا".
وأضافت بتأثر شديد: "أنا محظوظة، لا يمكنني وصف الشعور لاننا حصلنا على فرصة حضور القداس".