تعيش اسرائيل مأرقاُ حقيقياً مع الاستنتاجات الأمنية بعدم تشجيع فتح جبهة واسعة راهناً من جهة، واستمرار الهجمات بالصواريخ والعمليات المنفردة التي شهدت وتيرة متسارعة في الساعات الماضية في تل أبيب وغور الأردن. وأتت التطورات الأمنية بعد توترات المسجد الأقصى والاقتحامات المستمرة في شهر رمضان، وتزامناً مع انقسامات داخلية اسرائيلية غير مسبوقة على خلفية مشروع "الاصلاح القضائي".
فقد قتل شخص وأُصيب 5 بجروح على إثر عملية إطلاق نار ودهس، نُفِّذت في تل أبيب، مساء اليوم، الجمعة، وقد "حيّدت" القوات الاسرائيلية منفذها.
ووقعت العملية في مكانين في تل أبيب، وأُصيب فيها 4 أشخاص، ولاحقاً أعلن عن وفاة أحدهم بعد فشل محاولات انقاذه، وأوردت وسائل اعلام اسرائيلية أنه سائح أجنبي.
ومن بين المصابين الآخرين، شخص على الأقل مصاب بجروح حرجة، وآخران مصابان بجروح متوسطة.
وذكرت تقارير إسرائيلية أن "سلاح المنفذ تعطّل أثناء إطلاق النار"، ما حال دون وقوع المزيد من الاصابات، وأشارت الى أنه من بلدة كفر قاسم وليس له ماض أمني.
في السياق، قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو استدعاء وحدات إضافية من الاحتياط في قوات حرس الحدود والجيش، ودعا الإسرائيليين إلى الالتزام بالتعليمات الأمنية.
وفي أول تعليق على العملية، قال الناطق باسم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عبد اللطيف القانوع، إن "عملية تل أبيب تدلل على قدرة المقاومة وشبابها على ضرب الاحتلال"، مؤكداً أن "عمليات الرد على جرائم الاحتلال في الأقصى تتصاعد ولن تتوقف إلا بكسر عنجهية الاحتلال".
وتعجز اسرائيل عن وضع حد للعمليات التي ينفذها أفراد في الداخل عبر الطعن او الدهس غالباً، وتعرف بعمليات "الذئاب المنفردة".
عملية غور الأردن
الى ذلك، وَقع حادث إطلاق نار قرب مستوطنة "الحمرا" في منطقة غور الأدرن، ب#الضفة الغربية، أدّى إلى مقتل سيّدتَين وإصابة ثالثة بجروح، وفق ما أفادت هيئة إسعاف إسرائيلية.
وفي المعلومات، أنّ القتيلتين في العشرينات من عمرهما وتحملان الجنسية البريطانية الى جانب الاسرائيلية، وأصيبت امرأة في الأربعينات من عمرها بحالة "خطيرة". وتحدثت تقارير إسرائيلية عن إصابة رابعة بحالة متوسطة.
ولا تزال القوات الإسرائيلية تطارد منفّذ الهجوم.
وأتى هذا التطور الأمني في الضفة الغربية تزامناً مع اشتعال جبهتَين أخريَين في قطاع غزّة ولبنان عقب إطلاق صواريخ من جنوب لبنان باتجاه الجليل الغربي، بالأمس، وما تبعه من قصف إسرائيلي على مواقع عديدة.
وذكر الجيش الإسرائيلي إنّ هجوماً بالرّصاص وقع على مركبة بالقرب من مستوطنة الحمرا. وقالت خدمة إسعاف نجمة داود الحمراء إنّ امرأتين لقيتا حتفيهما وأصيبت ثالثة بجروح خطيرة.
وأفادت تقارير أولية أنّ مركبة المنفذ طاردت المركبة الإسرائيلية واصطدمت بها، وبعد حرفها عن مسارها ودهورتها إلى قناة على جانب الطريق، تم إطلاق النار على ركابها.
وقال الناطق باسم حركة "حماس"، عبد اللطيف القانوع، إنّ "العملية البطولية في الأغوار تلتقي مع ضربات المقاومة من غزة لتؤكد على وحدة شعبنا في مواجهة الاحتلال والدفاع عن المسجد الأقصى المبارك".
تحليل أمني
وتعقيباً على تطورات لبنان والداخل، نقل موقع "واللا" الإلكتروني عن المسؤول الأمني قوله إنه "تلقينا تأكيداً على تراجع الردع الإسرائيلي، بعدما تخوّفنا منذ ذلك سابقاً"، معتبراً أنّ "إسرائيل ستختار التوقيت لجباية الثمن المؤلم".
في الساعات الأخيرة، تطوّر المشهد الأمني سريعاً بين لبنان وإسرائيل و#قطاع غزّة، بعد إطلاق عشرات الصواريخ من قرية القليلة الجنوبية- قضاء صور، باتجاه الجليل الغربي أدّت إلى أضرار في المستوطنات الإسرائيلية وسقوط جرحى، وقد دفعت القيادة الإسرائيلية لاتّخاذ قرار بالردّ على مصدر النيران داخل فلسطين وخارجها.
وشنّت إسرائيل هجمات صاروخية على قطاع غزّة، بُعيد منتصف ليل الخميس الجمعة، قبل أن تعلن استهداف 3 مواقع في محيط مخيّم الرشيدية، جنوب لبنان، عند ساعات الفجر.
من جهته، أشار المحلل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، يوسي يهوشواع، إلى أنّ "التصعيد الحالي سيُذكّر بما تمّ توقّعه والتحذير منه مسبقاً، إن كان في جهاز الأمن، أو شعبة الاستخبارات العسكرية وحتى قيادة المنطقة الشمالية"، مضيفاً: "الأعداء رصدوا الضعف الإسرائيلي في أعقاب الأزمة الداخلية".
كما أكد أنّ "حزب الله جاهز لتحمُّل المخاطر من خلال مواجهة مع إسرائيل، وإرساء معادلة جديدة، في حين وتسعى إسرائيل إلى تغييرها عبر ردّ عسكري، لكن من دون حرب واسعة".
وإزاء مشهد تصاعد الوتيرة الأمنية على الحدود الجنوبية والشمالية للكيان الإسرائيلي، ألقت المعارضة الإسرائيلية باللوم على الحكومة، وخاصة رئيسها بنيامين #نتنياهو، بالتركيز على الإصلاح القضائي وإغفال الجانب الأمني.
وقد اعتبر المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، أنّ "تصعيداً أمنيّاً حقيقيّاً سيؤدي إلى توقف لتهديدات عناصر الاحتياط في الجيش بتجميد خدمتهم العسكرية".
وأضاف هرئيل أنّه "خلال الأسبوع الماضي، زار نتنياهو قواعد عسكرية لأذرع الأمن المختلفة، وبينها هيئة الأركان العامة، وهنّأ الجنرالات بشكل مقتضب على إسهامهم في أمن الدولة".
ويكشف هرئيل أنّ "مزاج نتنياهو كان متعكّراً، وبدأ يوبخ الجنرالات"، وذلك بعيداً من عدسات الصحافة. كما وجّه نتنياهو قسماً كبيراً من غضبه نحو احتجاجات عناصر الاحتياط ضد الإصلاح القضائي. وادّعى نتنياهو أنّ "القيادة العليا للجيش الإسرائيلي لا تفعل ما يكفي من أجل مكافحة ما يصفه بـ(رفض الخدمة العسكرية)".
كما نُقِل عن نتنياهو قوله للجنرالات: "أنتم جيش يكلف الدولة 70 مليار شيكل سنويّاً، وأعلنتم عن إضراب ضد الدولة. وهذا غير معقول. ولا توجد إمكانية أن يتصرف عناصر الاحتياط وفق مشيئتهم".
بدوره، أشار المحلل العسكري في صحيفة "معاريف" طال ليف رام إلى أنّ "المعطيات الأمنية الأخيرة شكّلت إنذاراً استراتيجياً لنتنياهو من قبل وزير الأمن وبدعم أجهزة الاستخبارات".
وبعد تنفيذ غارات عديدة في قطاع غزّة ولبنان، ألغى الجيش الإسرائيلي، قبل ظهر اليوم، التعليمات الاستثنائية لسكان غلاف القطاع وعند الحدود مع لبنان، وجعاهم للعودة إلى حياتهم الطبيعية.
ونقل موقع "أكسيوس" عن مسؤولين إسرائيليين تفاصيل النقاشات التي حصلت في تل أبيب بعد التصعيد على الحدود مع لبنان. وقال الموقع نقلاً عن المسؤولين الإسرائيليين إنّ "نقاش الوزراء الإسرائيليين في المجلس الوزراي المصغّر خلص إلى أن إسرائيل لا مصلحة لها بالانجرار لصراع إقليمي". وأضاف الموقع أنّ "رئيس الموساد أيّد ضرب أهداف لـ"حزب الله" لكن رئيس الأركان طلب إبقاء الحزب خارج المعادلة". وأشار المسؤولون الإسرائيليون بحسب الموقع إلى "أنّنا حققنا الهدف في تجنب الاشتباك مع حزب الله ومنع توحد جبهتي حماس في الشمال والجنوب".وذكر مسؤول عسكري إسرائيلي أنّ "حزب الله" نقل رسائل لإسرائيل عبر وسطاء دوليين تؤكد عدم مشاركته في الهجوم”.
في الشكل، هو التصعيد "الأوسع" و"غير المسبوق" منذ حرب تموز 2006، كما وُصف، لكن في المضمون، فإن نتائجه المباشرة كانت أقلّ خطورة من الحدث نفسه، ممّا يفتح باب التحليلات حول ما حصل أمس، وهل لإسرائيل مصلحة فيه؟
هجوم أمس الصاروخيّ صبّ في مصلحة وحدة إسرائيل من جهة، ولتصوير الإسرائيليين على أنّهم مستهدفون من محيطهم من جهة أخرى لحشد الدعم الدولي، في ظل هجوم شرطتها على المسجد الأقصى. وعلى صعيد الوحدة، لا بدّ من العودة إلى تصريحات المعارضة الإسرائيلية، وبالتحديد يائير لابيد، الذي شدّد على "الوقوف متّحدين وتقديم المعارضة الدعم الكامل للحكومة في مواجهة كل تهديد".
العميد المتقاعد ورئيس تحرير موقع "الأمن والدفاع"، ناجي ملاعب، يُشير إلى التضخيم الإعلامي الذي رافق عملية إطلاق الصواريخ وحديث الإعلام العبري عن 100 صاروخ. ويلفت إلى أن "الهدف من ذلك تمثّل في نقطتين، النقطة الأول هدفها تصوير إسرائيل على أنها ضحية، واستعطاف الرأي العام العالمي واستجداء الدعم الدولي، أما النقطة الثانية، فغض النظر عن فشل القبّة الحديدية في التصدّي لكافة الصواريخ، التي سقط البعض منها بين الأحياء السكنية".
وفي حديث لـ"النهار"، يتطرّق إلى الرد الإسرائيلي، فيعتبر أن "تل أبيب ردّت في لبنان بشكل محصور في المناطق التي انطلقت منها الصواريخ، لأنها لا تريد التورّط في جبهة جديدة، ولا استدراج "#حزب الله" إلى القتال. وطالما أن الأخير لم يتبنَّ أو يُعلن مسؤوليته عن إطلاق الصواريخ، فإن ذلك كان بمثابة تحييد له عن المواجهة، والإبقاء على قواعد الاشتباك نفسها بين إسرائيل والحزب".