بغداد – حسين جرادي
انتهت أزمة خليل دردمند، وكان يمكن لهذا الأمر أن يُحدث نقلة نوعية في العلاقات السعودية – الإيرانية، لولا أزمة مهسا أميني.
في 21 نيسان (أبريل) الماضي، خرج رئيس الاستخبارات العامة السعودية الفريق خالد الحميدان ومساعد الشؤون الدولية في مجلس الأمن القومي الإيراني سعيد إيرواني من قاعة محادثات في مطار بغداد، وعلى وجهيهما علامات الرضى. عكست هذا الجو صورةٌ نُشرت للرجلين يتوسطهما رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، الذي كان فخوراً بدوره في تلك اللحظة بإنجاز خامس جولات الحوار السعودي – الإيراني برعايته، على المستوى الأمني. وأُعلن عقب الجولة الخامسة أن الجولة السادسة ستنقل الحوار إلى الجانب الدبلوماسي في اجتماع "قريب" على مستوى وزيرَي خارجية البلدين.
لكنّ الحاج الإيراني خليل دردمند قلب هذه الأجواء، حين التقط أثناء أدائه مراسم الحج في تموز (يوليو) صورة لهاتف فيه صورة قائد "فيلق القدس" الإيراني السابق قاسم سليماني، إلى جانب الكعبة، فاعتقلته السلطات السعودية. عكّرت تلك الحادثة أجواء الطرفين، وأُرجَأت عملياً الجولة السادسة للحوار في بغداد، بعد رفض السعودية الإفراج الفوري عن دردمند.
ورغم التكتّم الشديد الذي يحيط بتلك المحادثات منذ جولتها الأولى في نيسان 2021، التي بقيت سرية إلى حين سرّبت طهران خبرها من جانب واحد، علم "النهار العربي" من مصادر موثوقة في بغداد أن الاتجاه حالياً، وفي ظل الظروف الداخلية في إيران، بات نحو أن تكون الجولة السادسة أمنية أيضاً، على أن يُرجَأ اللقاء بين وزيري الخارجية إلى الجولة السابعة، ليكون تتويجُ جولات الحوار بإعلان تطبيع العلاقات مجدداً والتجهيز لعودة العلاقات الدبلوماسية.
فكرة عقد لقاء على مستوى وزيري الخارجية السعودي والإيراني طرحها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على الوفد العراقي الذي زار المملكة في ٢٥ حزيران (يونيو) الماضي، وفق تصريحات لوزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، الذي نقل الفكرة إلى الجانب الإيراني ووافق عليها، قبل أن تعرقلها قضية دردمند ثم تطورات الأزمة العراقية.
ويقول مصدر عراقي رفيع لـ"النهار العربي" إنه كان "ممكناً جداً" قبل أيام قليلة أن يتم تجاوز أزمة الحاج الإيراني وعقد الجولة السادسة على مستوى الوزيرين في بغداد، بدعم من سلطنة عُمان، لكنّ اندلاع الأزمة الداخلية في إيران عقب مقتل الشابة الإيرانية مهسا أميني عرقل المسألة مجدداً، بالإضافة إلى ما شهدته بغداد ذاتها من تدهور أمني واستفحال للأزمة السياسية بين القوى العراقية.
أول أمس، الأربعاء 5 تشرين الأول (أكتوبر)، وصل خليل دردمند إلى إيران بعدما أفرجت عنه السعودية بوساطة عراقية وعُمانية. كانت بغداد حريصة على إزالة هذه العقبة التي هدّدت في مرحلة ما بنسف إنجازات شهور عديدة من المفاوضات الشاقة، ولا سيما أن كلّ شيء كان يشي بأن الأمور اقتربت من خاتمة سعيدة.
وكان وزيرا الخارجية العُماني بدر البوسعيدي والعراقي فؤاد حسين أبلغا نظيرهما الإيراني حسين أمير عبد اللهيان خبر الإفراج عن دردمند، في اتصالين هاتفيين منفصلين، قبل أربعة أيام من وصول المواطن الإيراني إلى بلاده، حيث استقبله ممثل المرشد الأعلى علي خامنئي في منظمة الحج والزيارة الإيرانية.
هل تعيد عودة المواطن الإيراني إلى دياره إحياء الأجواء الإيجابية التي سبقت توقيفه؟
تقول المصادر إن الأمر الآن بات مرهوناً بالداخل الإيراني، فتذليل عقبة دردمند يُفتَرض أن يعيد الأمور إلى مرحلة ما قبل توقيفه، حين كان الطرفان جاهزين لعقد الجولة السادسة في بغداد. والمستجدّ في الملف هو الاحتجاجات الداخلية في إيران التي دفعت السلطات إلى التريث في استئناف المحادثات، علماً أن العراق يبدي استعداده مجدداً لاستضافتها بعدما هدأت التوترات الأمنية في بغداد رغم استمرار الأزمة السياسية.
عُقدت الجولات الثلاث الأولى في عهد الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، وكانت "صعبة جداً" ولا سيما الأولى ثم الثانية، وشهدت الثالثة تقدّماً مهماً لكسر الجمود وبناء الثقة بين الطرفين. الجولة الرابعة عقدت في نهاية أيلول (سبتمبر) الماضي وكانت الأولى في عهد الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي، قال بعدها عبد اللهيان إن المناقشات "تسير على المسار الصحيح (...). لقد حققنا نتائج واتفاقات، لكننا لا نزال بحاجة إلى مزيد من الحوار"، في حين أعرب وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان عن أمله في أن تكون الجولة "وضعت الأساس" لمعالجة القضايا العالقة. وكذلك عكَس خطاب العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 22 أيلول 2021 عبر الفيديو أجواء مشجعة لمسار الأمور حين قال: "إيران دولة جارة، ونأمل أن تؤدي محادثاتنا الأولية معها إلى نتائج ملموسة لبناء الثقة، والتمهيد لتحقيق تطلعات شعوبنا في إقامة علاقات تعاون مبنية على الالتزام بمبادئ الشرعية الدولية وقراراتها، واحترام السيادة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية".
قطعت الرياض علاقاتها الدبلوماسية مع طهران بداية عام 2016 بعدما اقتحم محتجون بعثات دبلوماسية سعودية في إيران رداً على إعدام المملكة رجل الدين نمر باقر النمر. وكانت هذه واحدة من نقاط التوتر الصعبة في العلاقات الثنائية وبالتالي على طاولة مفاوضات بغداد. تقول مصادر "النهار العربي" إن النقاشات احتدت في أحيان عدة. ولأكثر من مرة خلال الجولات الثلاث الأولى كان ثمة طرف يرغب في مغادرة الغرفة، ليعيده الوسيط العراقي.
جولات الحوار الخمس تمّت كلّها في مطار بغداد، بإدارة الكاظمي. ولم يجتمع الوفدان السعودي والإيراني قط في أي مكان خارج المطار. الموضوع اليمني كان الأبرز على الطاولة، في ظل مطالبة السعودية لإيران بوضع حد لهجمات "أنصار الله" الحوثيين، وخصوصاً أن الجماعة كانت صعّدت هجماتها بالصواريخ والطائرات المسيّرة على المملكة. وكان لحوارات بغداد دور فاعل في التمهيد للهدنة اليمنية التي استمرت شهوراً وانتهت قبل أيام قليلة.
واحد من الملفات العالقة كان الحملات الإعلامية المتبادلة، وأدّت المحادثات إلى تقليصها بنسبة كبيرة. الفريق السعودي ركّز في جولات الحوار على وجوب تعديل جذري في آلية مقاربة إيران للملفات الإقليمية، مطالباً بوقف تدخلاتها في الشؤون الداخلية للدول العربية.
الحوار السعودي – الإيراني لم يكن الوحيد الذي رعته بغداد طوال الشهور الماضية، إذ شهدت العاصمة العراقية كذلك حوارات مصرية – تركية، ومصرية – إيرانية، ومصرية – قطرية، وأردنية – إيرانية، كان لها دور كبير في انفتاح العلاقات وكسر الجليد بين الدول المعنية التي وصلت علاقاتها في بعض المراحل إلى القطيعة.
لكن ما مصير الجهود العراقية في حال لم يتمكن الكاظمي من نيل ولاية ثانية في رئاسة الوزراء، بعدما بدا أن جزءاً أساسياً من الانفتاح العربي على العراق يعود إلى العلاقات الوطيدة التي نسجها رئيس الوزراء العراقي مع قادة عرب؟
ترجّح مصادر عراقية أن تفقد الوساطات العراقية، وخصوصاً بين السعودية وإيران، كثيراً من زخمها في حال لم يكن بديل الكاظمي – أو الطرف الذي يرشح رئيس الوزراء الجديد – على وفاق مع السياسة الخارجية التي تنتهجها الحكومة الحالية. لكنّ ذلك لا يعني بالضرورة أن كل شيء سينتهي، في حال رغبة الرياض وطهران في استكمال ما أنجزاه على مدى سنة من المحادثات، وطبعاً إذا أعلنت أي حكومة عراقية جديدة رغبتها في استكمال جهود سابقتها. أما في حال استمرار الانسداد السياسي العراقي فترة أطول فقد يكون مرجّحاً تحديد موعد قريب لجولة الحوار السادسة، وخصوصاً بعدما انتهت أزمة الحاج الإيراني.