أمضى الحجّاج يوم الجمعة بالصلاة والدعاء على جبل عرفات في السعوديّة، في ذروة مناسك الحجّ الذي جمع هذا العام العدد الأكبر من الحجاج منذ تفشّي فيروس كورونا الذي تسبّب في منع مئات الآلاف من المشاركة في السنتين الماضيتين.
ووصل الحجاج إلى الجبل لأداء الركن الأعظم من الحجّ، سيرا أو في حافلات من خيامهم في المناطق المجاورة، وجلسوا منفردين او في مجموعات فوق وبين الصخور الكبيرة للصلاة وتلاوة القرآن حاملين مظلات ملونة.
وفي طريقهم إلى الجبل الذي توجهوا إليه في الساعات الأولى من فجر الجمعة، ردد الحجاج "لبيك اللهم لبيك". وبقوا طوال اليوم في الموقع نفسه، يصلّون ويتلون القرآن الكريم، باستثناء فترة الظهيرة عند حلول موعد الصلاة.
والتقط البعض صورا لهم بهواتفهم المحمولة لحظة بلوغهم الجبل.
وقال الحاج المصري سعد فرحات خليل (49 عاما) لوكالة فرانس برس "أنا سعيد جدا لوجودي هنا مثل أي شخص آخر. هذا أكبر حج في ظل فيروس كورونا ، لكنه ليس كبيرا بما يكفي بعد".
وأضاف قبل أن يتصل بأصدقائه ليخبرهم عن موقعه في ظل صخرتين كبيرتين، "هناك مليون حاج لكن إذا سمح السعوديون بالمزيد، فسيأتي عشرة ملايين".
وقبل غروب الشمس بدقائق، بدأت حشود غفيرة تتجه نحو خيامها قبل ركوب الحافلات لمغادرة منطقة عرفات، أو مواصلة رحلة الحج نحو مزدلفة سيرا.
وبينما امتلأت الشوارع بالمصلين، بدأ الحجاج الباقون بالنزول من على الجبل فيما كانوا يتلون صلواتهم الأخيرة، وانهار بعضهم بالبكاء أثناء المغادرة.
وكان الحجّاج وعددهم مليون مسلم، بينهم 850 الفا من خارج المملكة اختيروا بالقرعة، أمضوا الليل في مخيّمات في وادي منى، على بُعد سبعة كيلومترات من المسجد الحرام في مكّة المكرّمة، أقدس مدن المسلمين.
وحددت قوات الأمن السعودية نقاط دخول وخروج لاستخدامها من الحجاج. وحلقت طائرات مروحية عسكرية فوق الجبل.
وشارك عدد من زعماء العالم في المناسك، بمن فيهم رئيس موريتانيا ونائب رئيس إندونيسيا، والزعيم الشيشاني رمضان قديروف.
- "أطهر بقاع الأرض" -
على الطرق التي تعج بالحجاج، كان المتطوعون يوزعون زجاجات المياه وآخرون يجمعون القمامة في أكياس بلاستيكية خضراء. وكتب على حاوية قمامة كبيرة "معا نرتقي بنظافة أطهر بقاع الأرض".
وطبعت أسماء دول بعض الحجاج على أظهر ملابسهم، وبينها اليمن وتشاد وإيران والعراق.
وعند الظهيرة، توجه آلاف الحجاج إلى مسجد نمرة وأدوا الصلاة.
وقال الحاج المصري بسام محمد "في 2020 شعرت بأنني لن أؤدي فريضة الحج. كانت أشبه بنهاية الزمان. لكن ها نحن هنا اليوم، الله اكبر".
يقام موسم الحجّ هذا العام في وقتٍ عاود فيروس كورونا الانتشار في المنطقة، فيما تُشدّد بعض دول الخليج قيودها منعًا لتفشّيه.
وطُلب من جميع الحجّاج الوافدين من الخارج أن يكونوا قد تلقّوا تطعيمهم بالكامل، وأن يُبرزوا نتيجة سلبيّة لاختبار فيروس كورونا. ولدى وصولهم إلى منى الخميس، سُلّموا أكياسا تحوي أقنعة ومعقّمات.
وعادةً ما يكون الحجّ أحد أكبر التجمّعات الدينيّة السنويّة في العالم، وهو من بين أركان الإسلام الخمسة، ويتوجّب على كلّ مسلم قادر على تأديته، أن يقوم به مرّةً واحدة على الأقلّ.
وأعلنت الهيئة العامة للإحصاء الجمعة أن إجمالي أعداد الحجاج لهذا العام بلغ 899,353 حاجًّا، منهم 779,919 قدموا من خارج المملكة. ومن بين مجموع الحجاج، بلغ عدد النساء 412,895 حاجَّةً.
وكانت نسبة الحجاج القادمين من الدول العربية 21.4 بالمئة، ونسبة حجاج الدول الأسيوية 53.8 بالمئة، والدول الأفريقية 13.2٪ بالمئة، في حين بلغت نسبة حجاج دول أوروبا وأميركا وأستراليا 11.6 بالمئة.
في 2019، شارك نحو 2,5 مليون مسلم من جميع أنحاء العالم في المناسك. لكنّ تفشي فيروس كورونا أجبر السلطات السعوديّة على تقليص الأعداد إلى حدّ كبير، فشارك فيها فقط 60 ألف مواطن ومقيم عام 2021 مقارنة ببضعة آلاف عام 2020.
- صلاة تحت الشمس -
أثارت الحشود الكبيرة مخاوف من انتشار كوفيد، خاصة بعد أن ذهب العديد من الحجاج دون أقنعة إلى المسجد الحرام في مكة، رغم قول السلطات السعودية بأن الأقنعة ستكون إلزامية هناك.
ويقام الحج وسط تهديدات باحتمال عودة انتشار الفيروس في المنطقة.
لكن وزارة الصحة قالت إنه لم يتم حتى الآن رصد أي حالات إصابة بفيروس كوفيد-19 بين الحجاج، على الرغم من أنه من غير الواضح ما إذا كانت هناك اختبارات واسعة النطاق.
وقد يكون الحجّ مرهقًا جسديًا، حتّى في الظروف المثاليّة. لكنّ الحجّاج واجهوا هذا العام تحدّيًا إضافيًا مع اشتداد درجات الحرارة، فأدّوا المناسك تحت شمس حارقة في ظلّ حرارة بلغت 42 درجة مئويّة.
ولا يمكن للرجال وضع قبّعات منذ لحظة الإحرام ونيّة الحجّ. وشوهِد كثيرون في المسجد الحرام هذا الأسبوع يحمون أنفسهم بالمظلات وسجّادات الصلاة وحتّى في إحدى الحالات بدلو صغير، فيما تُغطّي النساء رؤوسهنّ بالحجاب.
وقبل توجّهها إلى عرفات، قالت العراقيّة ليلى (64 عاما) لوكالة فرانس برس في مكّة "يمكننا أن نتحمّلها (الحرارة). نحن هنا من أجل الحجّ. كلّما تحمّلنا، قُبِل حجّنا أكثر".
والسبت، يُشارك الحجّاج في رمي الجمرات، آخر أهمّ المناسك والتي أدّت في السنوات الماضية إلى عمليات تدافع مميتة، قبل أن يتوجّهوا إلى المسجد الحرام في مكّة لأداء "طواف الوداع" حول الكعبة، في أوّل أيّام عيد الأضحى.