لا تزال قصص النساء من الضحايا اللواتي تزوجن من "دواعش" في سوريا مستبعدةً إعلامياً مع العلم من أنّها لم تنتهِ بعد لا بل تتفاقم أكثر مع مرور الأيّام في المناطق التي تسيطر عليها جماعات متطرفة، لا سيّما وأن تلك النساء لم يشفينَ بشكل كامل من العذاب والويلات التي ذقنها من أزواجهن المتطرفين.
يجب القول أن حال سوريات كثيرات لم تنل العناية المأمولة من المؤسّسات الإنسانيّة والنسوية وكلّ الجهات المعنية التي فشلت في إنقاذهن ليبقين رهن أقدارهن ورحمة قلوب البشر. من هنا ضرورة التذكير بمعاناتهن في المنابر، ورواية قصصهن، والحثّ على مساعدتهن.
منال... الطاعة وإلا!
"أخبرني أن الشهادة في سبيل الله كنز لا يفنى، وأن زواجي به كمجاهد في سبيل تعاليم النبيّ سيُمهّد لي الطريق إلى الجنة مع الأبرار". هكذا تستذكر منال. ح. (37 عاماً) في حديثها مع "النهار" بداية حكايتها مع زوجها "الداعشي"، حيث اعتقدت أنها وجدت "السعادة الوهمية" التي تحلم بها الفتيات، وكانت مولعة بارتداء الفستان الأبيض الذي سوّد لها حياتها في ليلة تشرينيّة تحت شعار "الحلال"!.
ترعرعت منال في كنف أسرة فقيرة في حلب، حيث لم يكن التأثير الديني موجوداً قبل الأحداث السورية، فكان الجيران والمعارف يعيشون كعائلة بعيداً عن التعصّب الذي شرذم المجتمع وقسّمه إلى عدوّ وصديق وفقاً للمذهب على الهويّة. وبعد تخرّجها من الجامعة، انتقلت إلى دمشق للعمل في مجال التسويق في أحد المجمّعات حيث تعرّفت إلى طليقها.
البدايات دائماً جميلة، وهذا منطقيّ، فمثلاً منال اقتنعت بفكرة الحجاب منذ نعومة أظافرها، فهو ليس بفرض عليها، ومن ثمّ تزوّجت رجلاً "بلحية" ويرتدي "بناطيل قصيرة" ظناً منها أنّه "مسلم حقيقي" وحاولت أن تصبح الزوجة الصالحة له، فأقنعها بارتداء النقاب الأسود الشرعيّ، وأخذ دروس بالإسلام والجماعة، ومن ثمّ الالتحاق بما بجمعية نسائية لنشر مفاهيم الإسلام ودور المرأة فيه.
من "حياة هادئة" عادية إلى "سجن" مؤبّد إرادي، هكذا تصف منال حياتها بعد الزواج بداعشيّ حبسها في المنزل تنفيذاً للشريعة الإسلامية التي يطبّقها وفقاً لمفاهيم "داعش" وليس النبيّ أو أهل البيت، ليعود ويطلب منها مجامعة باقي أفراد الجماعة في المنطقة تحت ما سمّاه "طاعة الزوج"، وهنا المأساة الحقيقيّة!
كلّ ما عاشته منال من تشدّد وحرمان وتعصّب في بيت زوجها لا يُعادل لحظة واحدة من الآلام والاحتقار التي كانت تشعر بها بعد جماع رجل غير زوجها، والمضحك المبكي أن زوجها شرعاً هو من قدّمها على طبق من فضّة لرجل آخر... "كنت أقرف من نفسي، أستحم أكثر من 5 مرات في اليوم عساني أغتسل من ذنوب زوجي التي لبست جسدي رغماً عني، أنظر إليه وأتوسّله ألّا يرسلني إلى منازلهم، إلّا أن إجابته الدائمة كانت: ما بالك يا امرأة أنت لا تقترفين أيّ خطأ بل تطيعين زوجك وحسب".
مرّت السنة الأولى من الزواج، وحملت منال بابنها البكر عمر، الذي لا تعلم حتّى اليوم من هو والده الحقيقيّ، قبل أن تقرّر استجماع قواها والهروب مع طفلها إلى تركيا في آواخر عام 2016، لتتخلّص من "بيت الدعارة" الذي كانت تقطن فيه، وفق قولها، ولتُعطي ابنها حياةً طبيعيّة بعيداً عن الدم والسرقة والخوف الدائم من المجهول.
تُخبرنا منال بحرقة عن "حبّ عمرها" الذي تحوّل إلى كابوس، وتقول: "انجذبت إلى فكرة كونه يعمل على محاربة أعداء الله فأنا من عائلة ملتزمة دينياً ولطالما كنت أمارس طقوسي كاملةً، فكنت أسأل الله أن يُرسل إليّ رجلاً يحبّني ويخافه لنؤسّس معاً عائلة واحدة وأنجب منه أطفالاً يُشبهونه، إلاّ أن هذه الفكرة باتت ترعبني بعدما تعرّفت إليه، فكيف أُنجب مِمّن يقتل ويذبح ويسفك دماء الأبرياء عمداً تحت اسم الله؟".
أموال وذهب ووعود بـ"الجنّة"
جهاديون كثر، كي لا نُعمّم، ينجذبون إلى الحركات المتطرّفة بغية كسب الأموال، فيما هم يعانون من ظروف صعبة حتمت عليهم اللجوء إلى قوة السلاح والتعصّب الديني لخدمة عقيدة معيّنة أو نهج محدّد ليقعوا ضحيّة خياراتهم وأوضاعهم في الوقت نفسه، ولكن هذا لا يعني تبرير ما يفعلونه، والعبرة في تحكيم الضمائر والإنسانيّة.
"قدّم لي مهراً بقيمة 3 ملايين ليرة سورية وبيتاً في حلب باسمي، فضلاً عن الذهب والأموال التي أغرقني بها، أنا وعائلتي أيضاً، فجعلني أصدّق أنّه رجل أعمال من الشام يعمل في مجال الاستيراد والتصدير ممّا يُحتّم عليه السفر كثيراً وبشكل فجائيّ، وأنا كنت كالبلهاء أصدّق كذباته، مع العلم أنّه كان يستبق الأمور ليُفسّر غياباته العديدة دون سابق إنذار"، تقول منال.
مريم... تعذيب وقتل واغتصاب!
بالنسبة إلى مريم لم تكن الحالة مختلفة، إذ تعرّضت للاغتصاب 10 مرات من قبل جاسم محمد، أحد القياديين في "جبهة تحرير الشام"، الذي تزوجها قبل 7 سنوات حين كانت تبلغ 17 عاماً مقابل مهر قدره 300 ألف ليرة سوريّة ومن ثمّ طلّقها لأنّها لا تُنجب الأولاد و"ستتسبّب له بالعار"، إلّا أنّه رفض تركها دون أثر يُذكّرها به كلّما نظرت إلى المرآة.
تكشف مريم تفاصيل مرض زوجها العصبيّ ورغبته الجنسيّة "الشرهة"، إضافة إلى إدمانه القتل والتعذيب. "كان يغتصبني أكثر من مرة في اليوم ولم أكن أستطيع فعل أيّ شيء، فهو الآمر الحاكم في المنطقة وإذا تفوّهت بكلمة واحدة كان سيقتل إخوتي وأبي، فالتزمت الصمت، إلى أن جاء حتّى عتبة بيتي وطلب يدي، فطمع والدي بالمال الوفير والنفوذ، وأعطاه إيّاي... للأسف حياتي كانت مقابل حفنة من المعدن والورق فقط".
بصوت خافت وخوف من كشف هويتها، تُشير الشابة إلى أن "زوجها كان يُصلّي ويقيم المجالس في العلن ليُشيد ويُبشر بكلمة الله، بينما يسكر ويضرب زوجته ويعذب أخته الصغيرة في الخفاء، وكلّ هذا تحت شعار الدين والشريعة الإسلامية التي شوّهها هو وأمثاله".
"كنت أستمع إلى مخططاته الدموية بهدوء، وكأنني شريكته، فلا يمكنني الخروج من المنزل وحدي بما أنني امرأة لتحذير عباد الله منه، ولا يمكنني تعريض حياة عائلتي للخطر من جهة أخرى، وممّا زاد الطين بلّة والدته المتسلّطة التي حرّضته عليّ وأوهمته أنّني سأتسبّب بفقدانه لنفوذه وهيبته أمام الجميع لأنني عقيمة، فطلقني بعدما سكب مياه نار على الجزء الشمالي من وجهي، وقال لي بسخرية: إن لم تكوني لي فلن أدعكِ لرجل غيري، أيّتها المشوّهة"!.