توفي رئيس "تيار بناء الدولة" السوري لؤي حسين في مدريد ظهر اليوم، متأثراً بمضاعفات إصابته بمرض عضال.
وبعد تداول الخبر على مواقع التواصل من قبل أصدقائه، أجرينا اتصالاً مع العائلة التي أكدت النبأ.
عرف عن لؤي حسين (62 عاماً) معارضته عسكرة الانتفاضة السورية. انتمى الى المعارضة المدنية ورشق باتهامات شتى من "صقور المعارضين".
حين ركبَ الطائرة المدنية في الرحلة التي أقلته من دمشق الى القامشلي في العام 2015، ولحظة عبَرَ الطرق
الحدودية الوعرة مع المهربين وصولاً الى مطار سافرَ منه الى مدريد، كان حسين يدرك أن موعد العودة الى "الشام"
تحدده استحالات بحجم نهاية الصراع السوري.
لم تولّدْ نتائج الحرب الكارثية في السنوات الماضية وعدم تبلور أفق لحل سياسي قناعة لدى رئيس "تيار بناء الدولة" لؤي حسين بضرورة ترك البلاد، الا حين وجد نفسه وراء قضبان سجن عدرا بعد أن ألقيَ القبض عليه في تشرين الثاني الماضي من العام 2015 على الحدود اللبنانية-السورية، ومكث في "عزلة" السجن لنحو ثلاثة أشهر ونصف، هو الذي كان قد أدى "عسكريته" كمعارض سوري، فقضى في معتقلات حزب البعث سبع سنوات (1984-1991) بتهمة الانتماء الى "حزب العمل الشيوعي".
في إطلالته الأخيرة مع "النهار" في نيسان 2021.
بقيَ حسين في دمشق منذ بداية الانتفاضة (2011) باحثاً عن حل سياسي مستحيل، لا انضم الى "هيئة تنسيق وطنية" ولا الى "ائتلاف وطني"، أُلبس عباءة المعارضين الذين لا يزعجون #النظام، وكانت مواقفه تُنعت أحياناً بأن سقفها أقل مما كانت تبلغه مواقف "هيئة التنسيق". لم يتلقف، اليساري السابق ومؤسس التيار "الليبرالي" مع بدء الانتفاضة، ومنسق لقاء "سميراميس"، رسالة وصلته من شخصية لصيقة بالنظام مفادها أنك بدأت تتحرك في الدائرة المحظورة، وخصوصاً في ما يتعلق بالتعرض للرئيس بشار الأسد، كما قال حسين لـ"النهار" في حوار نشر في العام 2015.
نحو 3 أشهر ونصف أمضاها في سجن عدرا، لم يزج به مع المعتقلين السياسيين، بل مع المجرمين، "لم أعذب ولم أتعرض للاهانة وكان ضباط الشرطة لائقين معي في معظم الأحيان". وحدها عزلة السجن هذه المرة جعلته يتخذ قرار الخروج من البلاد للالتحاق بعائلته في مدريد، فـ "لا أدري كيف للنظام ان يزج بشخصية وفاقية تعمل من أجل حل سياسي وحواري في السجن". ولم يكن اعتقاله عن طريق المخابرات بل بأمر قضائي، واستمرت محاكمته بعد اطلاقه أمام "محكمة الجنايات" في دمشق.
عارض الكاتب السوري حمل السلاح منذ بداية الانتفاضة، ويقول انه لم يعارض حامليه ممن يودّون الدفاع عن عائلاتهم أو القتال "لاسقاط النظام"، والعبارة الأخيرة لم ترد في الأدبيات التي استخدمها "التيار" البتة في الماضي، فكان يُكتفى بتوصيف الصراع على انه صراع بين سلطة ومعارضة، وبدا التفتيش عن مساحة حوار للانقاذ الهدف المرتجى. تبدّل الحال اليوم، وترسخت قناعة بأن الحل السياسي في سوريا بات مستحيلاً.
صاحب "دار بترا للنشر" الذي أقفل بسبب الحرب، وجد نفسه اليوم منحازاً الى "من يناضل من أجل سوريا موحدة وسوريا غير اسلامية"، اما "معارضة السلاح فكانت تنخرط في سياق وسائل الصراع وليس المبادىء، والمخاوف التي بنيْنا عليها مواقفنا لم تعد قائمة مع تحوّلها واقعاً".
في إطلالته الأخيرة مع "النهار" في نيسان 2021، اعتبر أنه "منذ يضع سنوات لم يعد هناك دور للمعارضة السورية، بحيث تأتمر كل منصة بلسان البلد الموجودة فيه. لا دور للمعارضة لأن بنيتها ممسوكة من العواصم".
وتحدث عن رهانه اليوم "على الحراك داخل البلاد، على معارضة جديدة للنظام تقوم على صراع سياسي وليس وجودياً مع النظام".
في مدريد، المكان الذي احتضن سنواته الأخيرة، كتب لؤي حسين صفحته الأخيرة، من دون أن تقدّر له رؤية التغيير المنشود في عاصمة الياسمين. لؤي حسين معارض سوري آخر يموت في المنفى.