تحقّق السلطات التونسية، الأربعاء، في ملابسات هجوم نفذه أحد رجال الأمن وقتل ثلاثة من زملائه وزائرين اثنين خارج كنيس يهودي في جزيرة جربة (شرق) خلال موسم الحج اليهودي قبل أن يُقتل بالرصاص.
وهذا الكنيس هو الأقدم في أفريقيا وكان استُهدِف عام 2002 بهجوم انتحاري بعربة مفخّخة ما أسفر عن 21 قتيلًا.
وأفادت وزارة الخارجية التونسية، في بيان الأربعاء، بمقتل عنصر أمني ثالث. وقالت إنه يُجري التحقيق من أجل "تحديد المسؤوليات في هذا الهجوم الجبان".
وقالت وزارة الداخليّة في بيان إنّ هجوم الثلثاء نُفّذ على مرحلتَين.
والأربعاء انتشرت قوات أمنية حول محيط الكنيس، مما أدى إلى إغلاق جميع الطرق المؤدية إليه، بحسب مراسلين لوكالة فرانس برس متواجدين في المكان.
كما قُتِل شخصان كانا يُشاركان في احتفال ديني يهودي في كنيس الغريبة.
وأوضحت الداخلية أنّ "عونَ حرسٍ تابعًا للمركز البحري للحرس الوطني (...) أقدم مساء اليوم الثلثاء على قتل زميله باستعمال سلاحه الفرديّ والاستيلاء على الذخيرة".
وأضافت أنه بعد ذلك "حاول الوصول إلى محيط معبد الغريبة وعمَدَ إلى إطلاق النار بصفة عشوائيّة على الوحدات الأمنيّة المتمركزة بالمكان والتي تصدّت لهُ ومنعته من الوصول إلى المعبد وأردتهُ قتيلًا".
وذكرت الوزارة أنّ اثنين من "زوّار" المعبد قُتِلا برصاص المهاجم قبل أن يتمّ إرداؤه، مشيرةً إلى "إصابة 4 أشخاص آخرين بجروح مُتفاوتة، تمّ نقلهم إلى المستشفى لتلقّي العلاج".
كما أصيب خمسة من عناصر الأمن بجروح.
من جهتها، أوضحت وزارة الخارجيّة التونسيّة في بيان الثلثاء أنّ "المتوفّيَيْن من الزوّار هما تونسيّ (30 عاما) وفرنسيّ (42 عاما)"، من دون أن تكشف هويّتَيهما.
وصل ميكاييل كوهين الى معبد الغريبة تزامنا مع تبادل اطلاق النار بين المسلح وعناصر الأمن وروى لفرانس برس "لم أفكر في شي حينها سوى في الاتصال بابني لأطمئن على بقية أطفالي" داخل معبد الغريبة.
واضاف "لم نتصور ونتخيل ما حصل".
- زي رسمي - ذكر وزير السياحة التونسي السابق رينيه الطرابلسي وهو من بين المسؤولين عن الجالية اليهودية التونسية في جربة وكان موجودًا في الكنيس حين وقع الهجوم، أن القتيلين تربطهما قرابة عائلية وهما أفييل حداد يهودي تونسي يبلغ من العمر 30 عامًا، وبنيامين حداد (42 عامًا) ويعيش في فرنسا وكان في جربة للمشاركة في الحج.
وقال لإذاعة "موزييك اف ام" الخاصة أن مرتكب الهجوم كان يرتدي زيّا رسميا أمنيّا وبزة واقية من الرصاص، لكن بفضل تدخل قوات الامن تم التنبه والتصدّي له بسرعة كبيرة.
وأضاف "لولا التدخل السريع لحدثت الكارثة لأن مئات الزوار كانوا في المكان".
في أعقاب الهجوم، أعلنت السفارة الفرنسيّة في تونس أنّها أنشأت "خليّة أزمة" ورقمًا للطوارئ.
وتعهد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأربعاء مكافحة "معاداة السامية"، قائلاً "دائماً، وبلا كلل، سنكافح معاداة السامية".
وأضاف ماكرون في رسالة على تويتر "الهجوم على كنيس الغريبة يقلقنا. نفكر بألم بالضحايا، بالشعب التونسي، بأصدقائنا. نقف إلى جانب عائلة مواطننا الذي قتل".
من جهته، قال المتحدّث باسم وزارة الخارجيّة الأميركيّة ماثيو ميلر على تويتر إنّ "الولايات المتحدة تندّد بالهجوم الذي وقع في تونس ويتزامن مع موسم الحجّ اليهودي السنوي الذي يجتذب مُصلّين من كلّ أنحاء العالم إلى كنيس الغريبة".
وأضاف "نعرب عن تعازينا للشعب التونسي ونُثني على التحرّك السريع لقوّات الأمن التونسيّة".
ونُفّذ الهجوم في وقتٍ كان مئات المصلّين يشاركون في موسم الحجّ اليهودي السنوي في الغريبة والذي كان يوشك على الانتهاء مساء الثلثاء في هذا الكنيس.
- أزمات - وبحسب الخارجية الاسرائيلية فإن أحد اليهوديين القتيلين يحمل الجنسية الإسرائيلية.
وأكد وزير الخارجية الاسرائيلي ايلي كوهين في بيان أن بلاده "تقف إلى جانب الجالية اليهودية في الأوقات الصعبة".
وفقًا للمنظّمين، أتى هذا العام أكثر من خمسة آلاف يهودي، معظمهم من الخارج، للمشاركة في حجّ الغريبة الذي استؤنف السنة المنصرمة بعد انقطاع دام عامين بسبب كوفيد-19.
يُنظّم الحجّ إلى كنيس الغريبة سنويًّا في اليوم الثالث والثلاثين من عيد الفصح اليهوديّ، وهو في صميم تقاليد اليهود التونسيّين الذين لا يزيد عددهم على 1500، يعيشون بمعظمهم في جربة، في مقابل مئة ألف قبل الاستقلال عام 1956.
ويأتي حجّاج أيضًا من الدول الأوروبّية أو الولايات المتحدة أو حتّى إسرائيل، لكنّ عددهم تضاءل إلى حدّ كبير بعد اعتداء عام 2002.
ويأتي هذا الهجوم في وقتٍ تُسجّل السياحة انتعاشا قويا في تونس بعد تباطؤ حادّ خلال الجائحة.
وعلى أثر سنوات عدّة من التدهور بسبب عدم الاستقرار الذي أعقب ثورة عام 2011، تأثّر هذا القطاع الرئيسيّ للاقتصاد التونسي إلى حدّ كبير بعد هجمات في عام 2015 استهدفت متحف باردو في تونس وفندقًا في سوسة، وأسفرت عن 60 قتيلًا بينهم 59 سائحًا أجنبيًّا.
بعد ثورة 2011 الشعبيّة التي أطاحت الديكتاتور زين العابدين بن علي، شهدت تونس صعود جماعات جهاديّة، لكنّ السلطات تؤكّد إحرازها تقدّمًا كبيرًا في مكافحة الإرهاب خلال السنوات الفائتة.
ويأتي الهجوم أيضًا في وقتٍ تشهد تونس أزمة ماليّة حادّة تفاقمت منذ أن تفرّد الرئيس قيس سعيّد في تمّوز 2021 بكامل السلطات بالبلاد.