النهار

في شمال شرق سوريا مركز لتأهيل أطفال جهاديّين
المصدر: "أ ف ب"
في شمال شرق سوريا مركز لتأهيل أطفال جهاديّين
"في الباحة الخارجية، يتفيأ بعض الأطفال تحت ظلال أشجار، بينما يلهو آخرون بمكعّب روبيك" (7 آذار 2023 - أ ف ب).
A+   A-
داخل مركز متخصّص في شمال شرق سوريا، يلعب أطفال كرة القدم بينما يستمع آخرون لدروس باللغتين الإنكليزية أو العربية، في إطار مساعي الإدارة الذاتية الكردية لإعادة تأهيل جيل من أبناء الجهاديين بعيداً عن تعاليم "تنظيم الدولة الإسلامية".
 
مركز "أوركش للتأهيل والإصلاح" قرب مدينة القامشلي المخصّص للأطفال الذكور الأجانب، هو الثاني من نوعه في مناطق الإدارة الكردية في شمال شرق سوريا، حيث تعجّ سجون ومخيمان بأفراد من عائلات التنظيم المتطرف من أكثر من ستين جنسية.
 
يقول مدير مشروع إعادة التأهيل آراس درويش لوكالة "فرانس برس" إن هدف المركز "تهيئة الأطفال لناحية تقبّل الآخرين والاندماج في مجتمعاتهم مستقبلاً والعيش بشكل أفضل وسليم، والتصرف في المجتمع في السياق الطبيعي".
 
ويضمّ المركز الذي افتُتح قبل ستة أشهر أكثر من خمسين فتى من جنسيات عدّة، بينها الألمانية والفرنسية والبريطانية والأميركية. وقد نقلوا من سجن غويران الذي شهد قبل أكثر من عام هجوماً للتنظيم أودى بحياة المئات، كما من مخيمي روج والهول حيث تُحتجز عائلات الجهاديين. 
 
يُقدّم المركز دعماً نفسياً لأطفال ذكور تتراوح أعمارهم بين 11 عاماً و17 عاماً. وتتنوّع الدروس بين اللغتين العربية والإنكليزية والرياضيات والرسم وحتى الموسيقى. كما يتدرّب الأطفال على لعبة الشطرنج ويُسمح لهم بمشاهدة أفلام وثائقية ورسوم متحركة. 
 
ويوضح درويش: "هدفنا تقديم الدعم النفسي والاجتماعي والتعليمي"، مشيراً على سبيل المثال إلى أن دروس الرسم تساعدهم على التعبير عمّا يدور داخلهم، وعن صور وذكريات.
 
في قاعات التدريس، عُلقت عشرات الرسومات على الجدران، بعضها يجسّد أشجاراً أو منازل وملاعب كرة قدم أو حتى سيارات.
 
وتشرح المرشدة النفسية في المركز ريم الحسن (28 عاماً) لـ"فرانس برس": "نشهد فرقاً كبيراً بين ما كان عليه الأطفال لدى مجيئهم واليوم. في البداية، لم يكن لديهم تواصل بصري ورفض بعضهم تلقي دروس من معلمات". وتضيف: "لكنّ الوضع اليوم أفضل، نشهد تحسناً تدريجياً وإن بطيئاً. نقدّم الدعم النفسي من خلال جلسات جماعية وأخرى فردية، من أجل تجاوز القاسم المشترك بين جميع الأطفال وهو التشدد".
 
 
"جهود بطيئة"
ليست مهمة إعادة التأهيل سهلة، إذ يواجه الفريق التعليمي تحدّيات عدّة بينها تعدّد الجنسيات واللغات التي يتحدّث بها الأطفال.
 
منذ إعلان القضاء على "تنظيم الدولة الإسلامية" في 2019، تطالب الإدارة الذاتية الكردية الدول المعنية باستعادة رعاياها من أفراد عائلات التنظيم المحتجزين في مخيمي الهول وروج. ويؤوي الهول وحده، وفق الأمم المتحدة، 56 ألف شخص، غالبيتهم نساء وأطفال، بينهم أكثر من عشرة آلاف من عائلات مقاتلي التنظيم الأجانب.
 
تُحذّر منظمة "سايف ذي تشيلدرن" غير الحكومية التي تُعنى بحقوق الأطفال، من أنّ سبعة آلاف طفل أجنبي ما زالوا عالقين "في خطر" في المخيمين، خصوصاً الهول، في ظل حوادث أمنية بينها جرائم قتل وهجمات تطال حراساً وحتى عاملين إنسانيين. ويخشى المسؤولون الأكراد من نشوء الأطفال في المخيمين، حيث لا تزال أفكار التنظيم مزروعة بشدّة.
 
يتألف مركز "أوركيش" المحاط بكاميرات مراقبة ويخضع لحراسة أمنية مشدّدة، من مبنى رئيسي من طبقتين تضمّان قاعات التدريس وغرف نوم وصالات ترفيه. وتجاور المبنى غرف للطعام. في الباحة الخارجية، يتفيأ بعض الأطفال تحت ظلال أشجار، بينما يلهو آخرون بمكعّب "روبيك". 
 
يُشكل مصير الأطفال بعد إتمامهم سنّ 18 عاماً أحد التحديات التي تنتظر الإدارة الذاتية. ويقول الرئيس المشترك لمكتب شؤون العدل والإصلاح في الإدارة الكردية خالد رمو لـ"فرانس برس" إنّ ثمّة خيارين، إمّا وضع برنامج تأهيل جديد يناسب أعمارهم، أو ممارسة ضغوط ديبلوماسية من أجل أن تستعيدهم دولهم.
 
ويشرح: "لا نرغب بوجود الأطفال بشكل دائم في المراكز لكنّ الجهود الديبلوماسية بطيئة، وأطفال كثر بحاجة إلى تأهيل"، في المركز الذي يستقبل الفتيان فقط "للحؤول دون نشأة جيل جديد متطرّف إيديولوجياً، ذلك أنّ (داعش) بحاجة للذكور ليتمكّن من الظهور عسكرياً مرّة أخرى".
 
تُكرّر الإدارة الذاتية مناشدتها المجتمع الدولي تقديم الدعم من أجل بناء مراكز إعادة تأهيل جديدة، باعتبار أنّ ملف عائلات التنظيم "ليس خاصاً بالإدارة الذاتية بل هو ملف دولي وإقليمي" معقّد. ويرى رمو أنّ نجاح مراكز التأهيل "بمثابة إنقاذ للمنطقة من ظهور جيل جديد متطرّف".

اقرأ في النهار Premium