خرج آلاف من السوريين، الجمعة، في تظاهرات عدّة في مناطق سيطرة الفصائل المعارضة للنظام السوري في شمال سوريا وشمال غربها، منددين بتصريحات لوزير خارجية تركيا مولود تشاوش أوغلو دعا فيها الى "مصالحة" بين دمشق والمعارضة لتحقيق "سلام دائم".
وقال تشاوش أوغلو الذي كانت بلاده في بداية النزاع السوري في 2011 من أبرز داعمي المعارضة السورية سياسياً وعسكرياً وديبلوماسياً، خلال مؤتمر صحافي في أنقرة الخميس، "علينا أن نجعل النظام والمعارضة يتصالحان في سوريا، وإلا لن يكون هناك سلام دائم".
وخرجت، وفق مراسلي فرانس برس، تظاهرات متفرقة عقب صلاة الجمعة في كبرى مدن الشمال السوري كأعزاز والباب وعفرين وجرابلس التي تسيطر عليها القوات التركية وفصائل سورية موالية لها، تحت شعار "لن نصالح". كما شهدت مدينة إدلب (شمال غرب) ومحيطها الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) وفصائل أخرى أقل نفوذاً، تحركات مماثلة.
في وسط مدينة الباب، قال النازح ياسين الأحمد (37 عاماً) لوكالة فرانس برس "اجتمعنا هنا كثوار لرفض أي مصالحة مع النظام لأنها تعني دمار وتشريد ملايين السوريين".
وأضاف "هذه المصالحة ليست بيدنا وليست بيد تركيا (...) هي بالنسبة لنا أشبه بانتحار وجريمة".
وحمل متظاهرون أعلام المعارضة السورية ولافتات عدة جاء في إحداها "لا تصالح والثورة مستمرة"، وفي أخرى "ضامن وليس وصياً"، في إشارة الى دور تركيا كضامن لوقف إطلاق النار في مناطق الشمال السوري.
وأحصى المرصد السوري لحقوق الإنسان خروج تظاهرات في أكثر من ثلاثين نقطة في شمال وشمال غرب سوريا الجمعة، وأطلقت دعوات لتظاهرات مماثلة مساء الجمعة.
وقرب نقطة عسكرية تركية في بلدة المسطومة الواقعة على بعد سبعة كيلومترات جنوب مدينة إدلب، تجمّع العشرات من المتظاهرين منددين بالتصريحات التركية ومجددين المطالبة بـ"إسقاط النظام" في سوريا.
وأوضحت سناء العلي على هامش مشاركتها في الوقفة الاحتجاجية لفرانس برس "نحن هنا اليوم لنؤكد أننا لن نصالح ولن ننسى دماء الشهداء ووجع المعتقلين والمجازر".
وكانت تحركات غاضبة جرت ليلاً، تم خلالها إحراق العلم التركي وإزالته من مدن عدة. وتجمّع العشرات قرب معبر باب السلامة مع تركيا، مرددين هتاف "الموت ولا المذلة".
- "سلام دائم" -
في أنقرة، صدر الجمعة بيان توضيحي عن المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية تانجو بيلغيتش أكد فيه أن بلاده "ستواصل المساهمة بقوة في الجهود الرامية لإيجاد حل دائم" للنزاع في سوريا "بما يتماشى مع توقعات الشعب السوري".
وذكّر بـ"الدور الرائد" الذي لعبته بلاده لناحية تثبيت اتفاقات وقف إطلاق النار في سوريا وبـ"الدعم الكامل الذي قدمته للمعارضة وهيئة التفاوض طيلة العملية السياسية" التي اعتبر أنها "لا تمضي قدماً حالياً بسبب مماطلة النظام".
ورأى معارضون في تصريحات تشاوش أوغلو تحولاً في الموقف التركي. ولطالما وصف الرئيس التركي رجب طيب إردوغان نظام الرئيس السوري بشار الأسد بـ"القاتل". وقال في أيار إنه لن يعيد اللاجئين السوريين الموجودين في بلاده الى "أفواه القتلة".
وتستضيف تركيا أكثر من 3,6 ملايين لاجئ سوري على أراضيها منذ بدء النزاع السوري الذي تسبّب بمقتل نحو نصف مليون شخص وألحق دماراً هائلاً بالبنى التحتية والقطاعات المنتجة وأدى إلى نزوح أو تشريد ملايين السكان داخل البلاد وخارجها.
وكان تشاوش أوغلو قال الخميس إنه بعد مرور 11 عاماً على اندلاع النزاع السوري، "مات كثيرون وغادر عديدون بلدهم. يجب أن يتمكن هؤلاء من العودة، بمن فيهم الموجودون في تركيا. لهذا، يتعيّن أن يكون هناك سلام دائم".
واعتبر أن مسار أستانا موجود "من أجل التوصل الى حلّ عبر الديبلوماسية والسياسة في سوريا".
وتجري أنقرة منذ سنوات محادثات مع طهران وموسكو، أبرز داعمي دمشق، في إطار مسار أستانا الهادف الى إيجاد تسوية سياسية للنزاع، بموازاة جهود الأمم المتحدة في جنيف. وأدت اتفاقات تهدئة ضمن هذا المسار الى وقف هجمات عسكرية واسعة نفذتها قوات النظام السوري خصوصاً في إدلب.
- تواصل استخباراتي -
ونفى تشاوش أوغلو وجود أي تواصل مباشر راهناً بين الرئيس التركي ونظيره السوري، رغم مطالبة روسيا بذلك منذ زمن طويل، على حد قوله. لكنه أشار الى عودة التواصل مؤخراً بين أجهزة استخبارات البلدين بعد انقطاع.
وكشف عن لقاء قصير جمعه مع نظيره السوري فيصل المقداد في بلغراد في تشرين الأول أكد خلاله أن "الحل السياسي هو السبيل الوحيد للخروج" من الأزمة، مشدداً في الوقت ذاته على ضرورة "القضاء على الإرهابيين".
وتلوّح تركيا منذ أيار بشنّ هجوم على منطقتين تحت سيطرة المقاتلين الأكراد في شمال سوريا. وأكد تشاوش أوغلو أن بلاده "ستواصل قتالها ضد الإرهاب في الميدان في سوريا"، بموازاة جهودها للتوصل الى حل سياسي.
وتصنّف تركيا المقاتلين الأكراد الذين يسيطرون على منطقة واسعة في شمال وشمال شرق سوريا "إرهابيين"، وتخشى أن يستقوي المتمردون الأكراد في تركيا بهم.
وخلال مشاركته في تظاهرة مدينة الباب، قال صدام حجار (38 عاماً) بانفعال لفرانس برس "ليفاوض المقاتلين الأكراد ويتصالح معهم (...) نحن لا نبيع دمنا ولا نبيع القضية".