أعلنت المملكة العربية السعودية مساء الأربعاء 1 تشرين الثاني 2022، أنها ستستضيف اجتماع القمة العربية المقبلة على مستوى القادة في دورته الـ32. جاء ذلك في كلمة لوزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، في ختام أعمال الدورة الـ31 للقمة العربية.
قال الفرحان "انطلاقاً من حرص المملكة على ديمومة التعاون القائم، فإننا نعلن استضافة بلادنا لاجتماع مجلس الجامعة العربية، على مستوى القمة في دورتها الـ32 ونرحب بالقادة في بلدهم الثاني". هذا وأعرب القادة العرب عن الموافقة لعقد اجتماع على مستوى القمة في دورته الـ32 في السعودية عام 2023.
انعقدت القمة العربية 2022 أو القمة العربية الواحدة والثلاثون في الجزائر تحت اسم "لمّ الشمل" العربي. لمّ الشمل ليس فقط على مستوى حضور زعماء العرب بعد انقطاع 3 سنوات بسبب جائحة كورونا، حيث انعقدت القمة الأخيرة عام 2019 في تونس، لكنّها حملت في طيّاتها أهدافاً جزائرية لدفع الدول العربية – لاسيما الخليجية منها – إلى قبول عودة سوريا لملء مقعدها في الجامعة بعد شغوره لسنوات، بسبب اعتبار العرب أن نظام الأسد مارس الإجرام بحقّ شعبه بعد الثورة السورية عام 2011.
لم يكن موضوع سوريا هدف الجزائر الوحيد من قمتها، بل أيضاً موضوع تفعيل دورها في القضية الفلسطينية، إذ وقّعت الفصائل الفلسطينية المجتمعة برعاية الجزائر ممثلة برئيسها عبد المجيد تبون في أيلول الماضي، أي قبل انعقاد القمة، بالأحرف الأولى أمام كاميرات التلفزيون الجزائري على وثيقة أطلق عليها اسم "إعلان الجزائر". ذلك المشهد حمل معه نوعاً من الاستفزاز لبعض الدول العربية التي اعتُبرت تاريخياً راعيةً للقضية الفلسطينية على رأسها المملكة والأردن ومصر.
قد تكون حسابات الجزائر تختلف عن حسابات البيدر العربي والخليجي من أهداف القمة الـ31، وإن كانت لدى الجزائر نيّة حقيقية في إعادة لمّ الشمل العربي. لكنّ طرح الموضوع بهذه الصياغة وما رافقه من تقارب جزائري إيراني، والتموضع الجزائري ضمن المحور الروسي الصيني، فتح الكثير من التساؤلات عن سعي الجزائر للقيام بدور القيادة للدول العربية.
لهذا حملت القمة في بيانها الختامي الكثير من العناوين للمرحلة المقبلة، وجدت فيها الجزائر فرصة لتأكيد حضورها الفاعل لتفعيل دورها الريادي في زعامة العرب. إلا أن بعض المتابعين نظروا في مشهدية التمثيل الرسمي رغم تأكيد حضور ثلثي القادة العرب (21 دولة)، وتوقفوا عند التمثيل المنخفض لـ5 دول أخرى، فقرؤوا بين السطور الرسالة التي يجب أن تصل إلى الجزائر.
فعلى مستوى منخفض ما بين رئيس وزراء، وممثل للرئيس أو الملك، أو وزير، يأتي التمثيل لكل من السعودية والمغرب وسلطنة عمان والبحرين ولبنان. فهل في ذلك تأكيد من المملكة على أن القيادة العربية لم تزل في الرياض في ضوء التحرّك السعودي المفاجئ قبل القمة على أكثر من مسار؟
منذ أن أعلنت إيران والسعودية الجمعة 10 آذار، استئناف علاقاتهما الديبلوماسية المقطوعة منذ عام 2016، بعد مفاوضات قادتها الصين، توالت ردود الفعل العربية والدولية على أثر هذا الاتفاق والبعد الذي يحمله على المنطقة في ما يتعلق بالدور الجديد الذي تديره المملكة مع علاقات الدول الإقليمية والدولية. أرخى الاتفاق بظلاله على القضايا العربية العالقة، فانعكست ارتياحاً عند الدول المعنية، ما أظهر التأثير السعودي في ملفات على أكثر من ساحة عربية من اليمن إلى العراق إلى سوريا وصولاً إلى لبنان.
ثمّ إن مواقف المملكة المتمثلة في الوزير بن فرحان من الحديث عن عودة سوريا إلى مقعدها في جامعة الدول العربية، له دلالة على أن الفيتو السعودي الذي وضع في القمة الجزائرية كان لمنع الجزائر من تسجيل أي هدف في مرمى المملكة. لهذا فإن وتيرة التطبيع المتسارعة بعد كارثة الزلزال الذي ضرب سوريا، دلالة على أن المملكة عازمة على أن تكون عودة سوريا من بوابة الرياض لا من بوابة أي دولة أخرى، كي تبقى محافظة على مرجعية قراراتها.
اعتمدت المملكة سياسة توسيع "مروحة" علاقاتها الدولية، ولا سيما بعد حرب أوكرانيا، من خلال الانفتاح أكثر على الدول التي تشكل عداوة للولايات المتحدة على رأسها روسيا والصين. ولم تكتف بعلاقات ديبلوماسية جيدة بل ، متّنت علاقاتها على الصعيد الاقتصادي من خلال توقيع اتفاقيات الشراكة مع الصين.
يحتاج ولي العهد محمد بن سلمان إلى تمكين المملكة في دروها الريادي، لهذا أحدث تغييرات جذرية على صعيد علاقات السعودية مع جيرانها. لقد ألغى الوكالة الحصرية لاتفاقية كوينسي التي وُقعت عام 1945 مع الولايات المتحدة، واستبدلها باتفاقيات تحاكي تطلعات المملكة المستقبلية ولا سيما على صعيد القيادة والريادة.
بالعودة إلى القمة العربية الـ32 المنتظر انعقادها في الرياض، فسوف تشهد صدمة إيجابية من خلال عودة مشاركة الوفد السوري فيها، كما ستحمل الكثير من المقرّرات في بيانها الختامي الذي سيُعدّ بمثابة نقلة نوعية في تحديث علاقات العرب مع الدول العالمية.
إن نجاح القمة العربية في الرياض من خلال الحضور الفعال لجميع القادة العرب، سيعطي عنوان "لمّ الشمل العربي" للمملكة العربية السعودية دون سواها، وسيعمّق الدور السعودي أكثر في القضايا العربية. لهذا تسعى المملكة إلى تعبيد الطريق أمام قمتها قبل انعقادها، وذلك لتكريس زعامة بدأتها مع انحسار الدور المصري بعد اتفاقية السلام مع إسرائيل 1978، وستقضي على آمال الجزائر بذلك بعد تعثّر الأخيرة في تخطي المصالحة مع جارتها المغرب.