أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تمكّن الجيش الإسرائيلي والشاباك من اغتيال جميع قادة "الجهاد الإسلامي" في غزّة بعملية "السهم الواقي" التي أطلقت فجر الثلاثاء. وبحسب التقديرات، قضى 6 قادة عسكريين في "سرايا القدس"، الجناح العسكري للحركة، بالإضافة إلى تدمير مواقع عسكرية، وبذلك تكون العملية الإسرائيلية نوعية تستهدف قادة ثاني أقوى الفصائل الفلسطينية المدعومة من إيران، بعد "حماس"، وتشير إلى عودة سياسة الاغتيالات.
اغتيال 6 قادة رفيعي المستوى في "الجهاد الإسلامي" كشف حجم الاختراق الأمني الموجود في صفوف الحركة في "عقر دارها"، وجناحها العسكري خاصّةً، المفترض أنّه مُمسك بأمنه بإحكام، وعزّز من ذلك الإعلان الإسرائيلي عن تعاون الجيش مع جهاز الشاباك، أي الأمن العام، وهو الجهاز الاستخباراتي الإسرائيلي المعنيّ بالشؤون الداخلية، والذي بات واضحاً أنّه يتغلغل في صفوف الفصائل الفلسطينية بعمق ويُشكّل خطراً على قادة الصف الأول في هذه المجموعات.
القادة الستّة هم: خليل البهتيني، قائد "الجهاد الإسلامي" في شمال غزة، جهاد غانم مسؤول كبير في المجلس العسكري للحركة، طارق عز الدين، الذي أدار أنشطة "الجهاد" في الضفة الغربية من قاعدة في غزة، علي غالي، قائد الوحدة الصاروخية في "سرايا القدس" في غزّة، أحمد أبو دقة، نائب قائد الوحدة الصاروخية في "سرايا القدس"، إياد الحسني مسؤول وحدة العمليات المركزية في السرايا.
هشاشة أمنية فلسطينية مقابل تطوّر استخباراتي إسرائيلي
وبحسب وسائل إعلام عبرية، فإن العملية الإسرائيلية أظهرت حجم تطوّر قدرات تل أبيب الاستخباراتية بالإضافة إلى حجم التعاون بين المؤسسات الأمنية، ومن الواضح أن الجيش الإسرائيلي والشاباك لديهما معرفة وثيقة بالهيكل التنظيمي لـ"الجهاد"، خصوصاً الهيكلية العسكرية وتلك المرتبطة بوحدات الصواريخ، ما جعل من الحركة "عدوّاً شفافاً" بالنسبة لإسرائيل، وفق الإعلام العبري.
على المقلب الآخر، فإن هذه الضربات العسكرية التي استهدفت قادة "الجهاد" لم تكشف فقط عن قدرات إسرائيل، بل كشفت عن ضعف البنية التحتية للحركة، وحجم الاختراق الموجود في زواريبها، ما مكّن الجيش الإسرائيلي من معرفة أماكن وجود القادة المستهدفين وكيفية تحرّكهم بشكل دقيق وفوري، مع العلم بأن الحركة موجودة في غزّة، القطاع الذي تُسيطر عليه "حماس" سيطرةً تامة، ما يفتح الباب على أسئلة مرتبطة بأمن حركة "حماس" أيضاً.
ماذا عن "حماس" و"حزب الله"؟
وفي هذا السياق، أشارت وسائل الإعلام العبرية نفسها إلى أن "حماس" وجناحها العسكري، "كتائب القسّام"، بقيا خارج دائرة الصراع المباشر، وبحسب الجيش الإسرائيلي، فإن "حماس" لم تُشارك في أي من عمليات إطلاق الصواريخ على الداخل الإسرائيلي، وذلك لجملة من الأسباب، بينها قلق الحركة من شمول قادتها بعمليات الاغتيالات، التي من الواضح أنها قادرة على "اصطيادهم".
في السياق نفسه، فإن مختلف الفصائل الإيرانية في المنطقة ليست بمنأى عن سياسة الاغتيالات التي تنتهجها إسرائيل وترفع من وتيرة اللجوء إليها في الفترة الأخيرة، ولا يتوقف الأمر على الداخل الفلسطيني، وعلى سبيل المثال لا الحصر، استهدفت إسرائيل قادة حركة "الجهاد" في سوريا قبل أشهر قليلة، ويتخوّف خبراء أمنيون من انسحاب المشهد على لبنان أيضاً، واستهداف قادة "الجهاد" و"حماس" في المخيمات، وحتى "حزب الله"، في عمليات أمنية لا عسكرية، في ظل القدرات الاستخباراتية الواسعة التي تمتلكها إسرائيل.
مضمون العملية: إشارات ورسائل
يحمل الهجوم على هؤلاء القادة في مضامينه إشارات ورسائل عدّة، فبالدرجة الأولى، استهدفت العملية قادة مرتبطين بالهيكلية الصاروخية لـ"الجهاد الإسلامي"، بالإضافة إلى مواقع تُطلق منها الصواريخ، ما يعني أن إسرائيل قد اتخذت قراراً بالهجوم على الترسانة الصاروخية لـ"سرايا القدس"، ومن المعروف مدى خطورة أي هجوم صاروخي تقوده الفصائل الفلسطينية من غزّة على الداخل الإسرائيلي، نسبةً الى المتابعة الايرانية لهذه الصواريخ.
وبالدرجة الثانية، فإن هذا الهجوم لم يستثنِ "حماس" وإن لم يستهدف قادتها، لكنّه وجه لها ضربة قويّة من خلال استهداف قادة حركة حليفة لها ولإيران، ووجّه رسالة مباشرة لها حيال القدرات الإسرائيلية في استهداف قادة الفصائل الفلسطينية، واحتمالية مواجهة الحركة السيناريو نفسه الذي واجهته "الجهاد الإسلامي"، واغتيال الصف الأول من قادتها العسكريين، وكشف حجم تغلغل الشاباك في قطاع غزّة الواقع تحت سيطرتها.
أما الدرجة الثالثة، فكانت رسالة الى مختلف الفصائل المسلّحة، وخصوصاً تلك المرتبطة بإيران، في غزّة وخارجها، مفادها أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية ستواجه أي خطر صاروخي يهدّدها، ولن تسمح باستهداف المجموعات الإيرانية في المنطقة لداخلها الإسرائيلي، وليس من باب الصدفة ارتباط كل القادة المستهدفين بالترسانة الصاروخية لـ"سرايا القدس"، ومن الضروري الإشارة إلى أن العملية جاءت بعد أقل من شهرين على قصف "حماس" منطقة الجليل من الجنوب اللبناني، وقصف سوري استهدف الداخل الإسرائيلي بعد أيام قليلة.
ومن الضروري التذكير، في موازاة القراءة الأمنية الإسرائيلية لنتائج المعركة وما حصدته، بأن القبّة الحديدية عجزت عن التصدّي لجميع الصواريخ التي أطلقت وبقيت في حصاد المعركة، سلاح الفصائل الذي يؤرّق الإسرائيليين. وقد استمر إطلاقها حتى دقائق قليلة من دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ.
في المحصّلة، فإن العملية العسكرية الإسرائيلية أظهرت من جهة حجم التقدّم الاستخباراتي الذي وصل إليه جهاز الشاباك، وحجم الاختراق الأمني الموجود داخل صفوف الفصائل الفلسطينية – الإيرانية، وشكل المواجهة المقبلة بين الطرفين، في ظل تعنت إسرائيل بوقف سياسة الاغتيالات الذي اشترطته "الجهاد الإسلامي" أثناء مفاوضات وقف إطلاق النار، هل نشهد المزيد من الاغتيالات في الفترة المقبلة؟ وهل تشمل العمليات العسكرية والأمنية قادة في "حماس" و"حزب الله"؟ الأكيد أن صراع العقود الماضية يجعل طرفي الصراع يدرسان النتائج والتوقيت جيّداً.