باستثناء بعض الخطوات اللافتة، لا يمكن وصف زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن الأراضي الفلسطينية المحتلة بأنها تحويلية، لا على صعيد حلّ النزاع ولا على صعيد الملف النووي الإيراني. أعربت إسرائيل عن "عدم اعتراضها" على نقل جزيرتي تيران وصنافير إلى المملكة العربية السعودية، بالمقابل، أعلنت الأخيرة استقبالها لـ"جميع الناقلات الجوية" بما يعني تلك الآتية من إسرائيل أيضاً. وصف بايدن هذا القرار بـ"التاريخي". بصمة الإدارة الديموقراطية في هذين الحدثين غير واضحة. هل تمّت الخطوتان بدفع جديد من واشنطن أم أنّهما تعدّان نتيجة طبيعية لاتفاقات أبراهام للسلام التي رعتها الإدارة الجمهورية السابقة؟ ربما الجواب مزيج من الفرضيتين.
"تدريب على التفاهة"
الواضح أن لا تقدّم على مستوى حل الدولتين. تقييم مجلة "إيكونوميست" بحق برنامج الرئيس الأميركي عبّر عن قساوة واضحة: "كانت زيارته التي استمرت 48 ساعة إلى إسرائيل وفلسطين، والتي بدأت في 13 تموز، تهدف إلى أن تكون تمريناً على التفاهة: مصافحة بعض الأيدي، ومشاهدة بعض المعالم، والعودة إلى المطار. لم يصل أي رئيس في الذاكرة الحديثة مع القليل ليقوله عن الصراع الأكثر استعصاء في المنطقة".
مع ذلك، تحاشت المجلة لوم بايدن. فالإسرائيليون والفلسطينيون غارقون في الفوضى ومن الصعب أن يجد الرئيس الأميركي من يريد الانضمام إلى أي مسار محتمل للسلام. "والنزاع لم يعد يبدو مهماً كما كان في السابق. بعد عقود من الإصرار على أن الستاتيكو غير مستدام، قررت أميركا أنه قد يكون كذلك". بالفعل، أعلن بايدن يوم الأربعاء أنّ آفاق قيام دولة فلسطينية في المدى المنظور غير واقعية مما أغضب العديد من الفلسطينيين. إذاً، لا عجب في أن ترى المجلة أنّ محور الأهمية في الزيارة يبدأ من لحظة وصول بايدن إلى السعودية.
العلاقة مع نتنياهو
حين قرّر بايدن زيارة إسرائيل، كانت الحكومة برئاسة نفتالي بينيت قائمة. هذا العنصر مثّل دوراً أساسياً في اتخاذ القرار بشأن إجراء الزيارة. كان الهدف دعم بينيت وحكومته التي شهدت تصدّعات متنوّعة في الأشهر القليلة الماضية. أدرك بايدن أنّه على الرغم من التباين الكبير بين سياستي بينيت وإدارته بشأن إيران، تدبّر الطرفان إبقاء هذه الخلافات في الكواليس. بالتالي، كان بايدن يعلم أنّ أيّ انهيار لحكومة بينيت يعني احتمال عودة نتنياهو إلى الحكم. سيؤدي ذلك إلى نتيجتين سلبيتين على الأقل بالنسبة إلى بايدن: بعثرة نتنياهو أوراق التفاوض الأميركي مع إيران بسبب سوء التنسيق أو سياساته الجامحة، وإمكانية نقل نتنياهو خلافاته مع بايدن إلى أروقة الكونغرس كما حصل خلال ولاية أوباما. كان الخلاف كبيراً بين بايدن ونتنياهو إلى درجة أنّه انتظر شهراً كاملاً بعد توليه منصبه في البيت الأبيض ليتصل برئيس الوزراء الإسرائيلي السابق.
إلى حدّ كبير، باتت الخلافات السابقة بين الرجلين من الماضي. على جري العادة، التقى بايدن بنتنياهو كزعيم للمعارضة وكانت المصافحة حارة بينهما. لكنّ نتنياهو لم يضبط نفسه كثيراً في مسألة إطلاق التهديدات.
"لقد دعمَنا في العديد من الأمور على امتداد السنوات. كنا أصدقاء طوال 40 عاماً، لكن لضمان الصداقة خلال الأعوام الأربعين التالية يجب أن نتصدى للتهديد الإيراني. نحتاج لأمر واحد، وقد قلت له ذلك"، على ما أوضحه نتنياهو خلال حديث أمام مراسلين. والأمر الوحيد الفعال بحسب نتنياهو هو الخيار العسكريّ. وشدّد على أنّه إذا عاد إلى السلطة فسيبقى هذا موقفه تجاه إيران والولايات المتحدة.
لا يزال على تباين مع لبيد
على الأرجح، ليس هذا ما كان ينوي بايدن سماعه من مضيفه. بالرغم من ذلك، يصعب أن يكون قد توقّع أسلوباً خطابياً مغايراً منه. ليس أنّ رئيس حكومة تصريف الأعمال يائير لبيد يملك موقفاً مختلفاً. على العكس من ذلك، ذهبت حكومته في سياستها المناهضة لإيران أبعد مما حصل مع حكومة نتنياهو. لقد انتقلت الحكومة من سياسة ضرب أذرع إيران في المنطقة إلى ضرب إيران نفسها في ما عرف بـ"سياسة الأخطبوط". حتى الاستهدافات الداخلية لم تعد محصورة بأشخاص على علاقة بالبرنامج النووي الإيراني وحسب. لكنّ لبيد أكثر حرصاً على عدم إطلاق التهديدات بشكل علني أمام ضيفه.
خلال المؤتمر الصحافي المشترك أمس الخميس قال لبيد: الكلمات لن توقفهم (الإيرانيين)، السيد الرئيس. الديبلوماسية لن توقفهم. الشيء الوحيد الذي سيوقف إيران هو معرفة أنّهم لو واصلوا تطوير برنامجهم النووي، فسيستخدم العالم الحر القوة". من جهته، رأى بايدن أن الديبلوماسية هي السبيل الأفضل لمنع إيران من الوصول إلى قنبلة نووية. وأكد الطرفان أنّهما متفقان على الهدف نفسه في نهاية المطاف.
مساعدات للفلسطينيين
زار بايدن الجمعة مستشفى أوغستا فكتوريا في القدس الشرقية معلناً عن مساعدات لشبكة مستشفيات محلية بقيمة 100 مليون دولار. وهذه المساعدات ليست سوى إعادة عكس مفاعيل تعليق ترامب المساعدات إلى تلك المستشفيات سنة 2018. وأشاد بايدن بإعلان الإمارات العربية المتحدة تحويل منحة إضافية بقيمة 25 مليون دولار لمستشفى المقاصد في القدس الشرقية. وحجب ترامب مساعدات مالية بالقيمة نفسها عن مستشفى المقاصد بعدما قطعت رام الله علاقتها بإدارته عقب اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل. وقال بايدن إنّه لن يلغي خطوة سلفه هذه.
يبدو أنّ بايدن اتّفق مع الإسرائيليين على تعزيز شبكة الاتصالات من الجيلين الثالث والرابع بحلول نهاية السنة في القطاع والضفة لتعزيز الأوضاع الاقتصادية فيهما. وستؤمّن واشنطن 15 مليون دولار من المساعدات الإنسانية للتخفيف من آثار تضاؤل إمدادات الغذاء بسبب الحرب في أوكرانيا. كذلك، كانت هنالك مساعدات بقيمة 200 مليون دولار لوكالة "اونروا" إلى جانب تسهيل مرور الفلسطينيين على معبر "اللنبي" وفقاً لتقرير "هآرتس".
"شعر أنه في الديار"
تلقى بايدن الكثير من عبارات الإشادة من القادة الإسرائيليين. الرئيس الإسرائيلي إسحق هيرزوغ وصفه بـ"أخينا جوزف". لبيد رأى أنّ بايدن "صهيوني عظيم وواحد من أفضل الأصدقاء الذين عرفتهم إسرائيل على الإطلاق". من جهته، لفت بايدن في مقابلة إعلامية إلى شعوره بأنّه "في الديار" حين يزور الأراضي المقدسة. كانت "نيويورك تايمس" محقة حين رأت أنّ بايدن لن يسمع هذا النوع من الإطراء في دياره مع تدهور شعبيته. وسط الخرق الديبلوماسي الباهت الذي تحقق مؤخراً، ربما مثلت الزيارة في جوهرها متنفّساً للرئيس الأميركي قبل العودة مجدداً إلى المشاكل الأميركية الداخلية.