مر ما يقرب من عشر سنوات على المرة الأخيرة التي رأى فيها محمود خلف والده، لكنه تعرف على الفور على وجه مليء بكدمات في صورة فوتوغرافية صادمة نُشرت على الإنترنت.
تلك صورة واحدة من أربع عينات نشرت من أصل 800 صورة يُقال إنها لسوريين ماتوا في صيف 2013 وهم رهن الاعتقال لدى الحكومة في سجن حلب المركزي شمال البلاد.
ولم يتسن لـ"رويترز" التحقّق بعد من دقة الصور الأربع التي نشرها موقع إلكتروني سوري على الإنترنت يسمى زمان الوصل.
ولم ترد الحكومة السورية على طلب للتعليق.
وذكر موقع زمان الوصل أنه تلقى ملفاً كاملاً مُسرّباً من مصور بالجيش السوري التقط صوراً في 2014 ثم انشق دون أن يكشف الموقع عن اسم الجندي.
وكانت مجموعة صور سابقة التقطها مصور آخر في الجيش السوري، كُني بالقيصر، انشق في 2013 قد أثارت موجة من الغضب الدبلوماسي عندما تم نشر بعضها في 2014. ووصف ممثلون سابقون للادعاء في قضايا جرائم الحرب الصور بأنها دليل دامغ على تعذيب ممنهج وعمليات قتل جماعي.
وتمت تسمية قانون أميركي فرض مجموعة قاسية من العقوبات على سوريا في 2020 بقانون قيصر نسبة لكُنية ذلك المصور.
وأطلق موقع زمان الوصل على المجموعة الأحدث من الصور (القيصر2) في إشارة إلى أنه يُحتمل أن تسلط الصور الضوء أيضاً بذات الطريقة على أسلوب تعامل قوات الأمن السورية مع السجناء.
ومثل المجموعة السابقة من الصور، تظهر الصور الأحدث جثامين وقد أصبح جلدها أسود وبعضها بجروح ظاهرة على الجذع وأخرى بكدمات واضحة حول العينين.
وقال خلف أن جزءاً فقط من وجه أبيه كان قابلاً للتعرّف عليه من بين الكدمات.
وأضاف لـ"رويترز" من تركيا التي فر إليها هو وأشقائه الأربعة ومعهم والدتهم في 2014: "كان كتير صعب أطّلع على الصور وأشوف شو عملوا فيه".
وقال إن والده اعتُقل في 2011 وهو العام الذي اندلع فيه الصراع السوري ولم يسمعوا عنه أي أخبار منذ ذلك الحين.
وتابع خلف: "كان عنا شوية أمل إنه عايش.. بس ما كان فيه تأكيد لحد هلأ".
وقال فتحي إبراهيم بيوض رئيس تحرير زمان الوصل لـ"رويترز" إن أسرة واحدة أخرى على الأقل تمكنت أيضاً من التعرف على فرد منها في الصور.
"الصراخ للسماء"
يُقدر أن عشرات الآلاف اختفوا في السجون السورية منذ عام 2011، ممّا ترك العائلات داخل البلاد وخارجها تتساءل عمّا حدث لأقربائهم.
وأوصى مكتب الأمين العام للأمم المتحدة الشهر الماضي بإنشاء "هيئة دولية جديدة... لتوضح مصير ومكان الأشخاص الذين يُعتقد أنهم مختفون في الجمهورية العربية السورية".
وفي ظل غياب هذه الآلية، بحثت عائلات مثل عائلة خلف عن إجابات لتساؤلاتها في مكبات الصور وشهادات الوفاة التي نشرتها السلطات السورية بعد وفاة أصحابها بسنوات أو في تفقد الناجين من المحتجزين المفرج عنهم في عفو رسمي.
وعلمت السورية ياسمين مشعان بوفاة شقيقها في معتقل حكومي عندما لفت شخص ما انتباهها إلى صورة من مجموعة قيصر التي تم تداولها على منصة التواصل الاجتماعي "فايسبوك" عام 2015.
وقالت مشعان (42 عاماً) لـ"رويترز": "فيه غضب فيه حزن، بدك تصرخي للسماء، وكمان بتقول الحمد لله إنه خلص من التعذيب".
واعتبرت مشعان، التي تقوم بحملة الآن مع رابطة عائلات قيصر من أجل أقارب آخرين للسوريين المختفين قسرياً، أن مجموعة الصور الجديدة من حلب "بتفتح جروح قديمة".
ووجدت دراسة أجرتها الرابطة في وقت سابق من هذا العام أن نشر منافذ إعلامية لهذه الصور بشكل غير منظم سبّب للعائلات "كثيرا من الألم".
وذكرت ليلى كيكي، المديرة التنفيذية لحملة من أجل سوريا آمنة وحُرة، وهي جماعة تسعى لتحقيق العدالة عن الجرائم المُرتكبة أثناء الحرب السورية، أن الصور الجديدة يجب أن تُسلم إلى جماعات حقوقية سورية ومحققين مستقلين للتحقق منها واستخدامها في الإجراءات الجنائية الدولية المحتملة.
وقالت لـ"رويترز": "يجب ألّا يعلم أفراد عائلات المختفين والمعتقلين في سوريا بنبأ وفاتهم من التقارير الإخبارية أو يضطروا إلى البحث في الصور المؤلمة للجثث المعذبة والمشوهة على الإنترنت لاكتشاف مصير أحبائهم".
وأفادت اللجنة الدولية للعدل والمحاسبة بأنها لم تسع للحصول على مجموعة الصور الجديدة، لكنها ذكرت أنها "تتحقّق على ما يبدو" من مزاعم انتهاكات أخرى.
وقالت نيرما يلاتشيتش، مديرة العلاقات الخارجية باللجنة: "قد تساعد هذه الصور في تسليط الضوء على مصير السجناء الأفراد، الذين فقد الكثيرون منهم حياتهم في سجن حلب. ويمكن أيضاً أن تستخدمها جهات وطنية تسعى لتحقيق العدالة في أي قضايا مستقبلية".
وذكر محقّقو جرائم الحرب في لجنة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في سوريا أن "ظهور هذه المجموعة من الصور المتداولة" يكشف مرة أخرى أن آلية دولية لتحديد مصير المختفين "مطلوبة بشكل عاجل".
ولم يعلّق الرئيس بشار الأسد مباشرة على صور قيصر الأصلية منذ مقابلة أُجريت معه عام 2015 عندما وصفها بأنها "مزاعم بلا دليل".