لاحظ الزميلان في وحدة أبحاث النزاعات التابعة لمعهد "كلينجندايل" للعلاقات الدولية نانسي عز الدين والدكتور حميد رضا عزيزي أنّ "محور المقاومة" الذي تقوده إيران يزداد لامركزية.
ولفتا في موقع "وور أون ذا روكس" إلى المشاكل التي يواجهها شركاء إيران في الاستحقاقات التشريعية كما حصل في لبنان والعراق مما أدى ببعضهم إلى إبعاد أنفسهم عن إيران إما سياسياً أو خطابياً. يأتي ذلك في وقت تواجه إيران سلسلة تحديات مثل التمدد المفرط لشبكتها الإقليمية وضعف اقتصادها والانقسامات داخل المجتمع الشيعي حول المرتبة العلمية لرجال الدين الإيرانيين.
نتيجة ذلك أنّ "محور المقاومة" يتحول من شبكة هرمية مركزها إيران إلى هيكلية لامركزية أفقية تسهل استقلالية أكبر لأعضائها. إن تفكك سيطرة طهران على الشبكة قد يؤدي إلى اتخاذ شركائها خطوات غير منسقة قد تهدد المصالح الإيرانية. لكن المنافع بالنسبة إلى إيران والشبكة تبقى أعظم. المزيد من الاستقلالية يعطي إيران احتمال إبعاد نفسها عن استفزازات شركائها بينما تواصل تمتعها بالقدرة على طلب دعمهم عند الحاجة.
ثمة ثلاثة أسباب تساهم في اللامركزية. أولاً ازداد حجم المحور وقوته بشكل كبير مما يصعب على طهران الإبقاء على تماسكه. ثانياً، إن التنظيم المركزي للشبكة جعلها معرضة للاضطراب عند اغتيال قادة بارزين مثل قاسم سليماني. ثالثاً، انضم شركاء إيران إلى السلطة السياسية فأصبحوا جزءاً من أنظمة سياسية فاسدة كما في لبنان وسوريا والعراق.
مع تعزز أوضاع الشيعة في المنطقة بمرور السنوات، فقدت "مقاومة المظلومية" بعض بريقها. وهكذا تحرر بعض حلفاء إيران الأقوياء من توجيهات طهران مثل "عصائب أهل الحق" و"منظمة بدر" ورسموا مسارهم الخاص. وأصبح حزب الله أكثر استقلالية في عدد من الطرق تشمل مقاربته للسياسات الداخلية وقيادته للعمليات العسكرية.
وتراجعت سيطرة إيران في سوريا مع إعفاء الجنرال جواد غفاري من قيادة قوة القدس هناك. وفي اليمن، رفضت إيران دعم هجوم الحوثيين على الإمارات العربية المتحدة في كانون الثاني 2022 لأنها حدثت حين سعت إيران إلى تحسين العلاقات مع أبو ظبي. وقالت طهران حينها إن "الغارات العسكرية ليست الحل للأزمة اليمنية".
وتعرض عدد من المسؤولين العسكريين البارزين في سلسلة القيادة للاغتيالات مثل الجنرال حسين حمادي في سوريا (2015)، أبي مهدي المهندس (2020)، وعماد مغنية (2008). قوضت جميع هذه الاغتيالات التجانس الاستراتيجي والأداء العملاني لشبكة مبنية على الروابط الشخصية. والآن يعاني الجنرال اسماعيل قاآني في توجيه شبكة لم يؤسسها بنفسه. قوة المحور نفسها (العلاقات الشخصية) أصبحت ضعفه الجوهري بحسب الباحثين.
وفاقم اغتيال المهندس التأثير السلبي الذي تركه غياب سليماني. فالمهندس حافظ على التناغم بين مجموعات شيعية مختلفة. تبدو هذه المهمة مستحيلة أمام قاآني. وتدخل ممثلون بارزون عن إيران لاستعادة النفوذ الإيراني مثل أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني والرئيس السابق للاستخبارات في الحرس الثوري حسين تائب وممثلين عن حزب الله. بالرغم من ذلك، واجهت إيران تمرداً من شركائها العراقيين.
رفضوا مطالب بالتهدئة خلال محادثات نووية مع واشنطن، ومناشدات سابقة بالتهدئة خلال ما تبقى من ولاية ترامب لعدم خلق سبب للتدخل الأمريكي. أعلى هذه الأصوات المتحدية كان زعيم عصائب أهل الحق قيس الخزعلي الذي قال إنه سيواصل استهداف "المحتل" الأميركي وأن قراره هو عراقي.
لا تعني هذه التطورات أن محور إيران يتفكك. هو يتحول من شبكة شديدة المركزية إلى أخرى أكثر تشاركية ولامركزية. وفي السنوات الأخيرة انتشر مفهوم "المساعدة المتبادلة". درّب حزب الله الحوثيين على استخدام المسيّرات المتفجرة في بعض المعسكرات. وقال عناصر من الحوثيين للكاتبين إنهم وفروا تدريبات ونصائح لعناصر من حماس خلال الهجوم على غزة في ايار 2021. وأظهرت فصائل عراقية دعمها لهجوم الحوثيين في تحد لإيران عبر إطلاق واحد من هجماتها ضد الإمارات العربية المتحدة.
وساهمت القيود المالية مثل حملة الضغط الأقصى في زيادة اللامركزية لأنها صعبت نقل الاسلحة والتكنولوجيا وكذلك فعلت الغارات الإسرائيلية. هذه المساعدات الداخلية المتبادلة تعزز الالتزام بين أعضاء المحور وتقلص الاعتماد على إيران في الحصول على الدعم المالي والعملاني. وهي تعني أيضاً أن مهاجمة إحدى عقد الشبكة تزيد من احتمال رد عقدة أخرى. وتساعد هذه اللامركزية في تنويع الموارد المتاحة لإيران والأعضاء في محورها، للنجاة من العقوبات والضغط والهجمات المباشرة.
ويرى الكاتبان أن سليماني لم يكن مهتماً قط بدعم مجموعة وكلاء معتمدة بالكامل على إيران. عوضاً عن ذلك، سعى إلى مساعدة الشركاء الإقليميين في تطوير صناعاتهم الدفاعية الخاصة والاندماج في الحياة السياسية والاقتصادية لدولهم الخاصة. تُقلص اللامركزية المنفعة المباشرة للمحور كأداة للسياسة الخارجية الإيرانية لكنها تعزز مرونتها وإمكاناتها. قد يتخذ الشركاء خطوات تعاكس مصالح إيران لكن الأخيرة تكسب شبكة دفاعية أكثر كثافة وتمكنها من إنكار أي مسؤولية عن تصرفاتهم.
إن تأمين منافع هذا النموذج التنظيمي الجديد يتطلب درجة من التجانس الفكري والسياسي. ستولّد الاضطرابات الداخلية والمصالح المتبانية المجموعة التالية من التحديات. إلى الآن، يبقى المحور متناسقاً بما يكفي كي يستفيد جميع أعضائه منه. لكن المقاومة السياسية المحلية واحتمال بروز اعتراض دولي أكبر يمكن أن يجعلا المحور لامركزياً إلى درجة تؤدي إلى تفككه.