النهار

"الذئاب المنفردة" تؤرق إسرائيل والعين على رمضان... "خارج عن السيطرة"
جاد ح. فياض
المصدر: "النهار"
"الذئاب المنفردة" تؤرق إسرائيل والعين على رمضان... "خارج عن السيطرة"
مسلّحون فلسطينيون (أ ف ب).
A+   A-
تبنّى المجلس الثوري لـ"قوات الجليل – الذئاب المنفردة"، وهو الجناج العسكري لحركة "شباب العودة الفلسطينية"، مسؤولية العملية الأخيرة التي حصلت في مجدو، وكانت عبارة عن تفجير عبوة ناسفة، واعتبرتها إسرائيل عملية "غير مألوفة"، ووجّهت أصابع الشك في بادئ الأمر إلى "حزب الله"، لأنها تزامنت مع اكتشاف خرق أمني عند حدودها الشمالية مع لبنان.

أربكت العملية إسرائيل، ودفعت رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو إلى تقصير أجل زيارته لبرلين للعودة ومتابعة الملف، وعقد المشاورات الأمنية مع المعنيين لتحديد حقيقة ما حصل، والرد المناسب على العملية. وكان إعلام إسرائيل الرسمي وغير الرسمي مشتتاً. وبعدما أعلن الجيش الإسرائيلي قتل منفّذ العملية بعد الاشتباه بصلته بـ"حزب الله"، كان بيان المجلس الثوري المذكور يؤكّد سلامة "ذئبها" وتواجده في مقرّ آمن.

من هي "قوات الجليل – الذئاب المنفردة"؟
إن هذه القوّة تنظيم مسلّح يُعدّ الجناح العسكري لحركة "شباب العودة الفلسطينية"، إحدى فصائل المقاومة الفلسطينية ضد إسرائيل. نشاطها المحلي في مواجهة إسرائيل متواضع جداً مقارنة بحركة "حماس" أو "الجهاد الإسلامي"، ولم تبرز إلّا في محطّات معيّنة. لكن ما كان لافتاً هو كشف تقارير صحافية أجنبية عن مشاركة هذا الفصيل المسلّح في الحرب السورية، إلى جانب النظام السوري.

يُفيد معهد الشرق الأوسط للبحوث، "Memri"، ومقرّه واشنطن، أن "حركة شباب العودة الفلسطينة"، تأسّست برئاسة فادي الملاح، في دمشق، بتاريخ 12 أيار 2012، بعد عام من بدء الحرب السورية، وتزامن التأسيس مع ذكرى النكبة الفلسطينية، في 15 أيار.

موقف لافت صدر عن مؤسّس الحركة بعد أيام عن إعلانها، إذ شدّد الملاح على أن للحركة "قاعدة شعبية كبيرة" في سوريا وفلسطين المحتلة، وطالب بتحقيق الحقوق الوطنية الفلسطينية، المتمثّلة بـ"تحرير فلسطين وجميع الأراضي المحتلة في فلسطين والوطن العربي بكل أشكال الكفاح، وفي مقدمتها المقاومة المسلحة"، مؤكّداً أن "لا علاقة للحركة بأي حركة أو حزب آخر"، وفق ما نقل مركز البحوث الأميركي نفسه.

العلاقة مع الأسد: جزء من محور الممانعة
قدّمت الحركة منذ بداية تأسيسها دعماً ملحوظاً للنظام السوري في حربه، واعتبر مسؤولوها أن رحلة العودة إلى فلسطين "تبدأ من دمشق". وفي آب 2014، في ذروة القتال في غزة، شارك أعضاء الحركة في حملة للتبرع بالدم لصالح عناصر النظام السوري، حسب التقرير الأميركي نفسه. 

أما على الصعيد العسكري في سوريا، فكان للحركة دور في المناطق الحدودية مع فلسطين ولبنان، وبشكل خاص في القلمون، وسبق لها أن أعلنت مشاركتها في معارك المنطقة ضد "جيش فتح القلمون" المعارض للنظام السوري. ومن المعلوم أن سير المعارك في هذه المنطقة كان بإدارة وتنفيذ "حزب الله" بشكل خاص. كذلك شاركت في معارك في ريف دمشق.

وتعتبر الحركة نفسها جزءاً من محور "المقاومة" في المنطقة بقيادة إيران، وأظهر إعلامها ولاءً للأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله، وقائد "أنصار الله" في اليمن عبد الملك الحوثي، وهما من قادة المجموعات المسلّحة المدعومة من إيران، إلى جانب الولاء لبشار الأسد.

"الذئاب المنفردة": اسم على مسمّى
لا يمتلك هذا التنظيم قدرات عسكرية ضخمة كتلك التي تتمتع بها حركتا "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، وهو غير قادر على خوض الحروب المباشرة مع إسرائيل، وقصف الداخل الإسرائيلي بصليات صواريخ؛ ولهذا السبب يخوض حرب شوارع وعصابات، ويقوم بعمليات أمنية لا عسكرية.

يعتمد هذا التنظيم على سياسة الذئاب المنفردة، أي قيام عنصر أو عناصر قليلة بعملية أمنية هدفها إيقاع أكبر عدد من الضحايا، وعادة ما تُنفّذ هذه العمليات بسلاح أبيض، كالسكاكين في عمليات الطعن، أو بسلاح خفيف ومتوسط، أي مسدس، رشاش حربي، قنابل أو متفجرات، لقتل إسرائيليين، وهذا ما حصل في عملية مجدو.

وفي وقت سابق، حذّرت الولايات المتحدة الإسرائيليين في بيان من احتمال تعرّضهم في الداخل الإسرائيلي، وفي الضفة الغربية وغزّة لعمليات هجومية تعتمد سياسة الذئاب المنفردة، كما حذّرت من التنظيم نفسه، "المجلس الثوري لقوات الجليل – الذئاب المنفردة، في تقرير أمني سابق نشرته صحيفة "تايمس أوف إسرائيل".
 
وفي السياق نفسه، اعتمدت فصائل المقاومة الفلسطينية على سياسة الذئاب المنفردة في العقود الماضية. وقد تكون عملية إطلاق النار في تل أبيب وإصابة إسرائيليين، ثم قتل المنفّذ أخيراً، أبرز هذه العمليات التي تجسّد المعنى الحقيقي لمفهوم "عمليات الذئاب المنفردة".

إسرائيل أمام امتحانٍ صعب!
وضعت عملية "المجلس الثوري لقوات الجليل – الذئاب المنفردة"، ومجمل عمليات الذئاب المنفردة، بغض النظر عن هوية الجهة التي تتبنّاها، إسرائيل أمام تحدٍّ صعب، ولن تكون قادرة على السيطرة بسهولة على هذه الهجمات ومنعها، وذلك وفق ما تؤكّد وسائل إعلام إسرائيلية.

في الإطار، كتب ياكوف لابين، في صحيفة "تايمس أوف إسرائيل"، عن خطورة هجمات الذئاب المنفردة، وحجم التحدّي الذي تضفيه على تحديات إسرائيل الأمنية والاستخباراتية، ويلفت إلى نقاط عدّة تزيد الأمور تعقيداً بالنسبة لأجهزة إسرائيل الأمنية والمخابراتية.

وحسب المقال، فإن عمليات الذئاب المنفردة التي تحصل "تُلهم" الفلسطينيين الراغبين في تنفيذ عمليات ضد إسرائيل، خصوصاً أن هذا الإلهام يترافق مع أفكار "متطرّفة"، تتأجّج في المناسبات الدينية، كشهر رمضان، وتغذّيها الدعاية الإعلامية التي تقوم بها الفصائل الفلسطينية، كـ"حماس" و"الجهاد الإسلامي".

وهنا، لا بدّ من التذكير بأن هذا النوع من العمليات لا يحتاج إلى الكثير من التخطيط، ولا إلى العتاد الحربي، بل إلى خطّة بسيطة لاجتياز الحواجز الأمنية في حال كانت موجودة، وقطعة من السلاح كالسكين، مما يعني أن الجميع قادر على تنفيذ عملية مشابهة.

وبالعودة إلى المقال، لفت الكاتب إلى أن جهاز المخابرات الإسرائيلي الداخلي، "الشاباك"، الذي يحبط في المتوسط ما بين 500 إلى 600 هجوم سنوياً، بما في ذلك مئات عمليات إطلاق النار المخطط لها، يواجه تحدّي القدرة على الإبلاغ عن مهاجمين منفردين، قبل أن يقوموا بعملياتهم. وبالرغم من العمليات الاستباقية التي تقوم على مراقبة مواقع التواصل، والاعتقالات الاحترازية، تبقى أجهزة المخابرات غير قادرة على ضبط الملف بشكل كامل.

رمضان المقبل: فترة متوترة صعبة بالانتظار
لن تكون عملية "قوات الجليل" هي الأخيرة في المدى المنظور، لا بل من المتوقع أن تزيد وتيرة العمليات الأمنية بوجه إسرائيل، نسبةً لسياسات حكومة نتنياهو المتطرّفة، ولوزرائها المتطرفين أيضاً الذين يريدون "محو مدنٍ فلسطينية".

وتنظر إسرائيل إلى شهر رمضان المقبل بترقّب وقلق، لأن هذا الشهر من العام يكون متوتراً دائماً ويحمل الدماء. وفي السنوات الأخيرة، خيضت الحروب بين "حماس" وإسرائيل، كما نظّم الفلسطينيون مسيرات وتظاهرات ضمّت أعداداً كبيرة اشتبكت مع القوات الإسرائيلية.
 
وفي هذا الإطار، حذّر مسؤولون أمنيون إسرائيليون، رفيعو المستوى خلال نقاشات أمنية، من عمليات قد تُنفَّذ "في المدى القريب"، في الضفة الغربية، وداخل إسرائيل، عشية شهر رمضان، بحسب ما أفادت تقارير صحافية، نُشرت مساء الجمعة.

وأشارت صحيفة "هآرتس" إلى "قلق كبير لدى رؤساء أجهزة الأمن" الإسرائيلية، "على خلفية الأحداث الأمنية الأخيرة"، وذلك خلال نقاش أمني خاصّ، أشار خلاله ضباط المخابرات الذين حضروه إلى أن "عدد العمليات التي نُفِّذت منذ بداية العام، أعلى من تلك في الفترة نفسها من العام الماضي". كما أكد المسؤولون الذين لم تسمّهم الصحيفة، أن "سلوك الوزراء يؤجج الوضع".

وذكر التقرير أنه "بحسب التقديرات الاستخباراتيّة التي قُدّمت في اللقاء، ثمّة عدد كبير من التنبيهات بشأن عمليات (قد تُنفَّذ) داخل الضفة الغربية، ونيّة لتنفيذ عمليات إرهابية في إسرائيل"، لافتة إلى "تهديدات آنية"، من عمليات قد تُنفَّذ في المدى القريب.

من غير المرتقب أن يتغيّر الواقع هذا العام، لا بل قد يكون أكثر توتراً، وهو يتزامن مع فترة مصيرية تعيشها إسرائيل بسبب النقمة الداخلية على الحكومة وإجراءاتها "الإصلاحية" القضائية. وحذّرت مصادر أمنية إسرائيلية عديدة من هذا الشهر، وتحدّثت عن حالة استنفار أمني، خصوصاً أن الوضع الداخلي الإسرائيلي الملتهب قد يشكّل بيئة خصبة لعمليات الذئاب المنفردة.
 

اقرأ في النهار Premium