يبدأ إيمانويل ماكرون غداً زيارة رسمية للجزائر تستمر ثلاثة أيام تتوجه في المقام الأول إلى "الشباب والمستقبل" من أجل إعادة بناء مستدامة لعلاقة تضرّرت بسبب شهور من الخصومات المتعلقة بالذاكرة.
أكّد الإليزيه أن "رئيس الجمهورية اختار توجيه هذه الزيارة نحو المستقبل والشركات الناشئة والابتكار والشباب وقطاعات جديدة".
كما سيجري "حواراً مطولاً" الجمعة مع رجال الأعمال الشباب في العاصمة وسيلتقي بالشباب في وهران، ثاني مدن البلاد، بمناسبة عرض لرقص البريك دانس.
تهدف الزيارة الثانية لماكرون إلى الجزائر منذ انتخابه في عام 2017، إلى "إرساء أساس لإعادة بناء وتطوير" العلاقة بين باريس والجزائر، على ما شدّدت الرئاسة الفرنسية.
وهي تأتي في أعقاب فترة حملت في طياتها كثيراً من الرمزية لا سيّما بعد إحياء الذكرى السنوية الستين لتوقيع اتفاقيات إيفيان (18 آذار 1962) التي وضعت حدّاً لحرب استمرّت سبع سنوات بين الثوار الجزائريين والجيش الفرنسي، واستقلال الجزائر (الخامس من تموز 1962) بعد استعمار فرنسي دام 132 عاماً.
والعلاقة مع ماكرون وهو أول رئيس للجمهورية الخامسة مولود بعد حرب الجزائر، كانت تبدو على المسار الصحيح، لكنها سرعان ما تعثرت عقب سلسلة من الخلافات حول هذا التاريخ المشترك المؤلم. إذ ضاعف ماكرون مبادراته، لكنه لم يقدّم اعتذاراً عن الاستعمار الفرنسي للبلاد.
- حاخام ومسجد -
وفي أيلول 2021 تدهورت العلاقات بين باريس والجزائر بعدما اتّهم ماكرون النظام "السياسي-العسكري" الجزائري بتكريس سياسة "ريع الذاكرة" بشأن حرب الاستقلال وشكّك في وجود "أمة جزائرية" قبل الاستعمار الفرنسي.
واستدعت الجزائر سفيرها في فرنسا حينذاك، ليعود لاحقاً بينما بدا أن البلدين أعادا ترميم العلاقات التي تمليها أولويات أخرى، من الحرب في أوكرانيا إلى أمن منطقة الساحل.
يعتزم الرئيس الفرنسي "مواصلة العمل لتهدئة الذاكرة" - سيذهب إلى مقبرة بولوغين (سان أوجين) في الجزائر العاصمة، حيث دُفن العديد من الفرنسيين المولودين في الجزائر - لكن هذا "ليس الهدف الرئيسي لهذه الزيارة"، على ما أشار الاليزيه.
بمناسبة إعادة إحياء هذه العلاقة، سيقيم الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الذي سيستقبل نظيره لدى وصوله بعد ظهر الغد، مأدبة عشاء رسمية على شرفه. وسيجري الرئيسان قبل ذلك محادثات ثنائية بعد أن يزورا معاً نصب الشهداء.
يرافق الرئيس الفرنسي وفد يضم 90 شخصًا، من بينهم سبعة وزراء، ضمنهم برونو لو مير (الاقتصاد)، جيرالد دارمانين (الداخلية) وكاثرين كولونا (الخارجية) بالاضافة إلى برلمانيين ومدراء شركات كبرى، بالإضافة إلى سارة أوراهمون، الفائزة بالميدالية الفضية في الملاكمة في دورة الألعاب الأولمبية في ريو 2016.
كما سيرافقه الحاخام الأكبر لفرنسا، حاييم كورسيا، وهو من عائلة يهودية مولودة في الجزائر. وسيزور إيمانويل ماكرون الجامع الكبير بالجزائر وكذلك كنيسة سانتا كروز في وهران.
-"بصراحه" -
على الصعيد الاقتصادي، لن يكون الغاز في قلب المحادثات، بحسب باريس، وإن كان الأوروبيون في سعيهم لتقليل اعتمادهم على الإمدادات الروسية، على خلفية الحرب في أوكرانيا، يتجهون بشكل متزايد نحو الجزائر.
كما سيناقش الرئيسان الوضع في مالي التي غادرها الجيش الفرنسي مؤخراً، وعلى نطاق أوسع الوضع في منطقة الساحل وكذلك في ليبيا.
تؤدي الجزائر دورًا محورياً في المنطقة نظرًا لثقلها الديبلوماسي وحدودها المشتركة الممتدة آلاف الكيلومترات مع مالي والنيجر وليبيا.
وأشارت الرئاسة الفرنسية إلى أن ماكرون سيتطرق "بصراحة تامة" إلى تنامي نفوذ روسيا في المنطقة، لا سيّما في مالي، مشيرة إلى "اختلاف في المقاربة" مع الجزائر التي تربطها علاقات وثيقة مع موسكو.
كما سيبحث الرئيسان قضية خفض فرنسا عدد تأشيرات شنغن التي تمنحها للجزائريين إلى النصف، على خلفية التقاضي بشأن إعادة دخول المواطنين الجزائريين الذين يعتبرون غير مرغوب فيهم في فرنسا.
لكن باريس تلاحظ الزيادة في عدد حالات استقبال المرحلين في الجزائر خلال الأشهر الأخيرة وتأمل في "رفع آخر العوائق" قريباً.
أكّد الإليزيه أن إيمانويل ماكرون سيتطرق خلال زيارته إلى قضية أوضاع حقوق الإنسان التي أثارها جزائريون مقيمون في فرنسا "وفق الأساليب التي سيقرّرها" مع "احترام سيادة" الجزائر.