بدأ الحجّاج، الأربعاء، رمي جمرة العقبة الكبرى في منى قرب مدينة مكّة المكرّمة، في أوّل أيّام عيد الأضحى، وذلك في ختام أبرز محطّات مناسك الحجّ هذا العام الذي شهد مشاركة 1,8 مليون شخص.
ومنذ ساعات الصباح الأولى، شقّت مجموعات من المصلّين طريقها عبر وادي منى لرمي سبع حصوات على مجسّم يُجسّد غواية الشيطان. وتتم هذه المناسك في مبنى ضخم متعدد الطوابق شيدته السلطات السعودية للحد من إمكانية وقوع حوادث تدافع.
وبعد الانتهاء، يتحلل الحاج من إحرامه عبر حلق شعر رأسه أو قصّه، ثم يرتدي ملابسه العادية.
ويُقام موسم الحجّ هذا العام في أجواء شديدة الحرارة وصلت إلى 48 درجة مئوية الثلثاء في عرفات. فيما توقعت هيئة الأرصاد أن تبلغ 47 درجة مئوية في منى الأربعاء، حيث سيتوافد الحجاج.
لكنّ المعلمة المصرية شاهيناز مصطفى (57 عاما) أكّدت أنها لا تأبه بالحرارة.
وقالت بعدما انتهت من شعيرة الرجم من تحت مظلتها البيضاء "لا اركز اذا كان الجو حرا او بردا. كلما كان الجو حرا كلما زادت حسناتي".
فيما كان العديد من الحجاج المنهكين يفترشون الأرض في الظل ليأخذوا قسطا من الراحة.
وفي إرجاء منى، شوهد حجاج خصوصا كبار سن يحاولون المكوث في الظل قدر الإمكان، حتى أنّ بعضهم احتمى من الشمس بأن اندسوا تحت شاحنات متوقفة.
وقرابة الفجر في مكة المكرمة، اكتظ المسجد الحرام بألوف الحجاج الذين قدموا لأداء طواف الإفاضة. ولم يكن هناك موضع قدم في منطقة السعي بين الصفا والمروى.
وقال حاج من عرب 48 فضلّ عدم ذكر اسمه "قررنا اداء الطواف الليلة لتفادي الحر والزحام غدا".
وتبادل الحجاج الذي ارتدوا ملابس الإحرام البيضاء التهاني بالوقوف على عرفات وحلول عيد الأضحى.
أ ف ب
-"جسدي ينصهر"-
ومساء الثلثاء، وعلى طول الطريق بين منى ومزدلفة وقف متطوعون يرشون رذاذ المياه على وجوه الحجاج الذين ظهر عليهم الإعياء الشديد جراء الحرارة المرتفعة.
وقالت التونسية فرح (26 عاما) وهي تصب الماء فوق رأس صديقتها "لن افكر في الحج مجددا قبل أن يحلّ في الشتاء".
وتابعت من تحت مظلتها الحمراء "حققت حلم حياتي لكنّ جسدي ينصهر".
على مر العقود، وقعت الكثير من الحوادث راح ضحيتها المئات بسبب عمليات التدافع خلال الرجم أو في الأماكن الضيقة عموما.
لكنّ لم تسجل أي حوادث كبيرة منذ العام 2015، حين تسبّب تدافع أثناء شعائر رمي الجمرات في منى بوفاة نحو 2300 من الحجيج في أسوأ كارثة على الإطلاق في موسم الحج.
والاربعاء، أعلن الدفاع المدني السعودي تكثيف "الجولات التفتيشية في مخيمات منى لضمان سلامة الحجاج"، فيما حلّقت طائرات مروحية عسكرية لمتابعة تدفق الحشود على الأرض.
ويتوجّه الحجّاج لاحقًا إلى مكّة المكرّمة لأداء طواف الإفاضة وهو ركن من أركان الحجّ، ثمّ يعودون بعد ذلك إلى منى حيث يبيتون أيّام التشريق التي يقومون خلالها برمي الجمرات الثلاث. ويمكن للحجّاج المغادرة بعد جمرة العقبة الكبرى إذا توفر لديهم العذر.
بعد طقوس الرجم، يعود الحجّاج إلى المسجد الحرام في مكّة لأداء "طواف الوداع" حول الكعبة المشرفة في المسجد الحرام.
وأعلنت السلطات السعوديّة الثلثاء مشاركة أكثر من 1,8 مليون حاج، 1,66 مليون منهم من خارج المملكة.
والحجّ عادةً ما يكون أحد أكبر التجمّعات الدينيّة السنويّة في العالم، وهو من بين أركان الإسلام الخمسة ويتوجّب على كلّ مسلم قادر على تأديته، أن يقوم به مرّةً واحدة على الأقلّ.
-"حر شديد" -
وفي عام 2019، أدى شعائر الحج 2,5 مليوني مسلم من جميع أنحاء العالم. لكنّ هذا العدد انخفض إلى بضعة آلاف عام 2020 وإلى 60 ألفًا عام 2021 و926 ألفا في 2022.
وبعد ثلاث سنوات من مواسم حج بأعداد محدودة، فاضت شوارع مكة بمئات الألوف من الحجاج، وازدحمت المطاعم ومتاجر الهدايا التذكارية بالزبائن، فيما كان العثور على غرفة شاغرة بالعاصمة المقدسة حلما بعيد المنال.
والأربعاء، قال العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، خادم الحرمين الشريفين، في تغريدة على تويتر إنّ الحج يلهم "معاني التعاضد والأخوّة والوحدة"، متمنيا من الله أن "يحقق لبلادنا وللمسلمين والعالم الخير والازدهار".
وذكرت قناة الإخبارية أنّ العاهل السعودي تكفل بنفقات الهدي لـ" 4951 حاجا وحاجة من 92 دولة من مختلف قارات العالم".
ويكلف الهدي، وهو ذبح يقوم به الحجاج، 720 ريالا على الأقل (200 دولار)، وهو مبلغ لا يقوى على دفعه العديد من الحجاج البسطاء.
ويؤدي الحجاج المناسك تحت شمس حارقة وفي أجواء خانقة، تتسبب في كثير من الأحيان في ضربات شمس وحالات إعياء إضافة إلى توقف عضلة القلب.
وتحمل بعض مناسك الحج مشقة، إذ لا يمكن للرجال وضع قبّعات منذ لحظة الإحرام ونيّة الحجّ.
وأقر كامل سلطان (50 عاما) الآتي من داغستان بصعوبة الأجواء خصوصا "الحر الشديد". لكنّه قال إنّ "الأجواء الروحانية تطغى على الظروف الجوية الصعبة".