يكشف تحقيق أعدّه فريق "بي بي سي عربي" التابع لخدمة "بي بي سي العالمية"، الدور الذي تقوم به أسرة الرئيس السوري بشار الأسد ومسؤولون رفيعو المستوى من القوات المسلحة السورية في الاتجار غير المشروع بمخدّر الكابتاغون المعروف في البلدان العربية باسم "أبو هلالين" والذي تبلغ قيمته مليارات الدولارات.
وقال جندي سوري سابق إن وحدة النخبة في الجيش السوري، التي يقودها ماهر الأسد شقيق الرئيس السوري بشار الأسد، ضالعة بشكل منتظم في التهريب الدولي لمخدّر الكابتاغون غير القانوني.
و عثر التحقيق على هاتف لأحد كبار مسؤولي الأمن السوريين يوثق عملية شراء معدات لتصنيع مخدر كابتاغون من رجل يعتقد أنه أحد مسلحي "حزب االله".
وفي مقابلة حصرية يقول جندي لا يزال في الخدمة بالجيش السوري إن الرئيس بشار الأسد وماهر الأسد و"حزب الله" هم المستفيدون الرئيسيون من تهريب المخدر.
ويكشف التقرير عن محادثة شخصية على "واتساب" استخدمت كدليل أثناء محاكمة في لبنان، مكنت "بي بي سي عربي" من تتبع دليل قادها إلى تورّط واحد من أكثر قادة الجيش السوري نفوذاً في تجارة الكابتاغون. هذا القائد هو أقرب مساعدي ماهر الأسد.
وتوصّل التحقيق أيضاً بشكل حصري إلى وثائق من قضيّة عُرضت أمام محكمة ألمانية تفيد بتورّط أبناء عم الرئيس السوري بشار الأسد كشركاء في عملية تهريب المخدر.
جوي رايبيرن، الذي شغل منصب المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا من عام ألفين وثمانية عشر حتى عام ألفين وواحد وعشرين قال لـ"بي بي سي" إن نظام الأسد لم يكن باستطاعته أن يستمر لو توقفت عائدات الكابتاغون أو أعيقت.
وتمكنت "بي بي سي" أيضاً من الوصول إلى رسائل نصّية على واتساب ورسائل هاتفية أرسلها راجي فلحوط، قائد ميليشيا موالية للنظام السوري. توضح الرسالة أنه اشترى معدّات لتصنيع الكابتاغون من أحد المسلحين المرتبطين بـ"حزب الله".
ويظهر الهاتف الذي كان بحوزة راجي فلحوط والذي تركه في إحدى القواعد المهجورة بمدينة السويداء السورية بعدما ثارت جماعات مناوئة ضد ميليشيا راجي – يظهر رسائل إلى "أبو حمزة". وكشفت "بي بي سي" عن الهوية الحقيقية لـ"أبو حمزة" بأنه حسين رياض الفيتروني وعن معلومات عن صلته بـ"حزب الله".
و في الرسائل الهاتفية يناقش أبو حمزة وراجي نقل معدات تصنيع الكابتاغون من لبنان إلى سوريا. كما عثر في القاعدة المهجورة على معدات كبس حبوب الكابتاغون مع كمّيات كبيرة من الحبوب المعبّأة والجاهزة للتوزيع.
و في رسالة صوتية يسأل أبو حمزة راجي إن كان باستطاعته أن ينقل معدات المصنع في إحدى سياراته حتى يوفر ثلاثة آلاف دولار. ويقول راجي: إن ألف دولار من الممكن أن تصبح مليار دولار عندما تتحسّن الأمور. هل تتفهّم موقفي؟ كيف لي أن أبيع بالخسارة. ويجيب أبو حمزة: قلت لك، ليس بحوزتي ألفا دولار ثمن ماكينة الضغط الصغيرة. إن الأمر لا يتعلق بالمال فقط.
و في مقابلة نادرة، تحدثت "بي بي سي" إلى جندي يخدم في الجيش السوري في حلب، وأكد الجندي تورّط "حزب الله" والفرقة الرابعة والجيش السوري في تهريب الكابتاغون. وقال إن الرواتب الشهرية التي يتقاضاها الجنود لا تكفي لإعاشة أسرة: "لذلك أصبحنا تجّار مخدرات، نبيعها للناس". وأضاف أن الجنود يشترون أكياس مخدرات من "حزب الله": "الكيس يحتوي على كيلوغرام، بعضها خمسة، البعض الآخر أربعة... نحن نتسلم البضاعة، نغطيها ثم ننصرف. وننسّق مع الوحدة الرابعة".
و قال لـ"بي بي سي" إن أسرة الأسد ضالعة في تهريب الكابتاغون: "الشخص الأول المسؤول عن تصنيع وتهريب المخدرات هو بشار الأسد وأخوه ماهر الأسد بالتعاون مع "حزب الله" اللبناني. الأموال تذهب مباشرة إلى جيوبهم". هكذا تحدّث الجندي إلى "بي بي سي" بشرط عدم الإفصاح عن هويته.
حصلت "بي بي سي" على اتصالات شخصية تظهر العلاقة بين لبناني يدعى حسن دقو ويلقب بملك الكابتاغون، وأحد أكثر قادة الجيش السوري نفوذاً، غسان بلال، المساعد المقرب من ماهر الأسد. في عام ألفين وواحد وعشرين حُكم على حسن بالسجن لمدة سبع سنوات في لبنان بتهم تتعلق بتهريب الكابتاغون. وخلال المحاكمة قال إنه يعمل مع الفرقة الرابعة للسيطرة على عمليات التهريب. وخلصت المحكمة إلى عدم وجود دليل يربط بين المسؤولين السوريين وأنشطة حسن في التهريب.
لكن "بي بي سي" اكتشفت سلسلة من رسائل الواتساب أرسلها حسن إلى شخص أطلق عليه "الزعيم". تحدثت "بي بي سي" إلى عدة مصادر وتوصّلت إلى أن الرقم يخص الشخص الذي يلي ماهر في قيادة الفرقة الرابعة وهو اللواء غسان بلال، الذي يدير مكتب أمن الفرقة وله قواعد في قرية صابورا السورية.
ويبدو أن الرسائل كانت متبادلة مع "الزعيم" بخصوص تهريب مخدرات. يكتب حسن إلى الزعيم: "عمي، لقد حصلنا على مخزن في الصبورة لأننا سننقل البضاعة من الجديدة"، ويسأل الزعيم: "لماذا من الجديدة؟ البضاعة قادمة من لبنان؟" ويرد حسن: "البضاعة هناك في الجديدة. ونحن دائماً نتحرّك من الجديدة".
وكشفت عمليات التنصّت التي قام بها محققون ألمان أن أحد المهربين ويدعى محمد تفاخر بصلاته بأبناء عم الأسد. في أحد التسجيلات يقول محمد: "الجميع يعرفون أنني كنت شريكاً لعائلة الأسد... الجميع يعرفون أنني كنت شريكاً لمنذر الأسد... ما تزال علاقاتي مع عائلة الأسد مستمرة حتى اليوم، منذر وحافظ أصدقائي حتى الآن" (منذر هو ابن العم الثاني للرئيس).
يقول المحقق لـ"بي بي سي": "حسب ما يقوله هو عن نفسه، أصبح محمد غنياً جداً. لديه شقة في حيّ راقٍ بدمشق. لديه العديد من السيارات. لديه حراس شخصيون. وكان تحت حماية عائلة الأسد".