استفاق سكّان قرية حوارة في شمال الضفة الغربية المحتلة صباح الإثنين على آثار الدمار والتخريب التي وقعت خلال ساعات الليل على أيدي مستوطنين إسرائيليين أرادوا الانتقام لمقتل مستوطنَين.
والإثنين كان التوتر لا يزال سائدا، إذ أفاد الجيش الإسرائيلي بوقوع هجوم جديد أدّى إلى مقتل سائق إسرائيلي قرب أريحا في الضفة الغربية المحتلة، مشيراً إلى أن البحث جار عن منفّذي الهجوم.
وفي واشنطن، أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس أنّ الإسرائيلي الذي قُتل في مدينة أريحا يحمل أيضاً الجنسية الأميركية.
وقال برايس "ندين القتل المروّع لشقيقين إسرائيليين قرب نابلس ولإسرائيلي قرب أريحا تفيد معلوماتنا بأنه مواطن أميركي أيضاً".
وتابع برايس "ندين أيضاً العنف العشوائي الواسع النطاق الذي مارسه مستوطنون ضد المدنيين الفلسطينيين في أعقاب عمليات القتل".
وتوهجت سماء حوارة ليل الأحد-الإثنين مع اشتعال النيران في القرية التي دمر فيها المستوطنون، وفق عضو مجلس بلديتها وجيه عودة، وأحرقوا "أكثر من 30 منزلاً و100 مركبة".
وأكدت جمعية إسعاف الهلال الأحمر الفلسطيني تسجيل 350 إصابة في حوارة خلال الليل، معظمها بسبب استنشاق الغاز المسيل للدموع الذي أطلقه الجيش الإسرائيلي.
وصباح الإثنين، رصد مصور لوكالة فرانس برس منازل محترقة اكتست جدرانها باللون الأسود بسبب ألسنة اللهب بالإضافة إلى سيارات وأشجار متفحمة ونوافذ محطمة.
وقال كمال عودة وهو أحد سكان القرية إنّ "عشرات المحال التجارية وعشرات المنازل أحرقت ودُمّرت".
وأضاف لوكالة فرانس برس "حتى الأشجار لم تسلم، لقد أحرقوا كل شي، أحرقوا كلّ ما كان أمامهم".
والمستوطنون الذين جاؤوا من أنحاء مختلفة هاجموا القرية في أعقاب هجوم مسلّح أودى بمستوطنين شقيقين (20 و22 عاما) من مستوطنة هار براخا.
وما زال الجيش يلاحق مطلق النار عليهما أثناء قيادتهما مركبتهما قرب مفترق حوارة على الطريق بين رام الله ونابلس.
ولا ينفكّ التوتر يتصاعد في الضفة الغربية. فالأربعاء، نفّذ الجيش الإسرائيلي عملية عسكرية في مدينة نابلس أسفرت عن مقتل 11 فلسطينيا وجرح أكثر من 80 بالرصاص الحي.
وتعرضت قرى أخرى ليل الأحد-الإثنين لهجمات من جانب مستوطنين، ولا سيّما زعترة وبورين القريبتين من نابلس، وفق وزارة الصحّة ومسؤولين في السلطة الفلسطينية.
ومساء الأحد، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية "استشهاد سامح حمدلله أقطش (37 عاما) متأثراً بجروح بالغة أصيب بها بالرصاص الحي في البطن جراء اعتداء قوات الاحتلال والمستوطنين على قرية زعترة" قرب نابلس. وجرى تشييع أقطش في الليلة نفسها.
وقال شقيقه عبد المنعم "من أطلق النار على أخي هو الجيش وليس المستوطنين". وأضاف "كنا نقف أنا وشقيقي أمام مشغل الحدادة المحاذي للطريق الرئيسي، جاء المستوطنون وحاولوا الهجوم علينا لكنّنا قاومناهم؛ فغادروا ومن ثم عادوا ومعهم جيش الاحتلال".
أما ضياء عودة الذي يسكن في حوارة فقال إنّه "بالأمس كانت الحرب هنا".
وأضاف الشاب البالغ 25 عاما "كانوا ما بين 200 و300 مستوطن، يحملون الحجارة وصفائح بنزين، أحرقوا السيارات والبيوت وكسروا كل شيء".
وقال عودة إن "الجيش كان يراقب من دون أن يحرك ساكناً، بدأنا بصدّ المستوطنين بينما كان الجيش يطلق علينا قنابل الغاز المسيل للدموع".
من جهته، أفاد الجيش أنّه أجلى عشرات الفلسطينيين المهددة منازلهم بالحرائق في حوارة، وأغلق الطريق الرئيسي الموصل إليها.
وقال متحدث باسم الشرطة لفرانس برس إن ثمانية إسرائيليين اوقفوا على خلفية اعمال العنف تم الافراج عن معظمهم.
اما قرية بورين جنوب نابلس، فلم تنم. وقال رئيس مجلسها القروي إبراهيم عمران لفرانس برس "حتى الخراف لم تسلم من وحشية المستوطنين المتطرفين، الذين استباحوا قريتنا الليلة الماضية".
وأضاف "عاش أهالي قريتي ليلة عصيبة، فقد تحولت القرية الى ساحة حرب حقيقية. ... أحرق المستوطنون الذين هاجمونا أربعة منازل وست مركبات، وغرفة في المدرسة الثانوية. ولم يكتفوا بذلك بل اقتحموا حظيرة أغنام ونحروا خروفين بالسكاكين، فيما سرقوا ثمانية رؤوس غنم".
وتقع بورين بين مستوطنتي ايتسهار في الجنوب وبراخا في الشمال الشرقي وكلاهما أقيمتا فوق أراضي بورين وعدد من القرى الفلسطينية الأخرى.
وابدى عمران خشيته من توسع هجمات المستوطنين الانتقامية على قريته، خصوصاً أنّ المستوطنين اللذين قتلا الأحد من سكان مستوطنة براخا القريبة.
ودعا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو مساء الأحد إلى الهدوء.
والإثنين، قال وزير الدفاع يوآف غالانت إنه يتوقع "أيامًا صعبة مقبلة" وأمر بتعزيز قوات الأمن، وقال "مع هذا أدعو الجميع إلى استعادة الهدوء ... لا يمكننا أن نسمح بوضع يأخذ فيه المواطنون القانون بأيديهم".
وقال رؤساء مجالس المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة في بيان "لن نأخذ القانون بأيدينا ... الألم كبير ... نطالب الحكومة الإسرائيلية بالتحرك بأسرع ما يمكن لضمان سلامة وحياة المستوطنين".
وكتب دافيدي بن تسيون نائب رئيس مجلس مستوطنات شمال الضفة الإثنين على تويتر "يجب محو قرية حوارة اليوم".
وشُيّع المستوطنان القتيلان على وقع الصلوات، وفق مراسلي فرانس برس. وقالت والدتهما إستي يانيف "بدلا من مرافقتهما إلى حفل زفافهما، ندفنهما".
وقالت في بيان صادر عن مجلس شمرون لمستوطنات شمال الضفة الغربية "نحب هذا البلد ونحب الجيش. نريد الأمن ومسؤولية ضمان الأمن تقع على عاتق الجيش وحده".
والإثنين، تحدث زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد عن "فوضى عارمة"، وكتب على تويتر أن "الحكومة فقدت السيطرة على الإرهاب العربي والإرهاب اليهودي ومجلس الوزراء والكنيست والمستوطنين".
من جانبها، دعت حركة حماس الإسلامية الحاكمة في قطاع غزة، متحدثة عن نابلس، "أبناء شعبنا إلى مواصلة النفير نصرة للمدينة وأهلها في مواجهة قطعان المستوطنين المتطرفين المدعومين بقوات الاحتلال وحكومتهم الفاشية".
ودانت الرئاسة الفلسطينية الاحد "الأعمال الإرهابية التي يقوم بها المستوطنون" مؤكدة أن "هذا الإرهاب ومن يقف خلفه يهدف إلى تدمير وإفشال الجهود الدولية المبذولة لمحاولة الخروج من الأزمة الراهنة".
دان المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس "العنف في الضفة الغربية بما في ذلك الهجوم الإرهابي الذي أسفر عن مقتل إسرائيليين وعنف المستوطنين الذي أسفر عن مقتل فلسطيني وإصابة أكثر من 100 آخرين وتدمير واسع النطاق للممتلكات".
كما نددت الخارجية الفرنسية بالهجوم الذي أدى إلى قتل إسرائيليين واعتبرت "أعمال العنف ضد المدنيين الفلسطينيين غير مقبولة".
ودعت ألمانيا "الجميع" إلى "عدم تأجيج وضع متوتر جدا"
من جانبها، دانت منظمة التعاون الإسلامي "الجرائم المتواصلة" التي ينفذها المستوطنون. وقالت في بيان إن "الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة في الأرض الفلسطينية المحتلة .... تشكل جريمة حرب جسيمة وجرائم ضد الإنسانية".
وتزامن التصعيد مع "قمة العقبة" الاحد حيث أكد الفلسطينيون والإسرائيليون "على ضرورة الالتزام بخفض التصعيد ومنع المزيد من العنف".
ومنذ مطلع العام الحالي، أودت أعمال العنف والمواجهات ب63 فلسطينيا بينهم مقاتلون ومدنيّون بعضهم قصّر، و11 إسرائيليا بينهم ثلاثة قاصرين، فضلا عن امرأة أوكرانية، وفق تعداد لوكالة فرانس برس يستند إلى مصادر رسمية إسرائيلية وفلسطينية.
وتحتل إسرائيل الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية منذ العام 1967. وتعتبر المستوطنات الإسرائيلية حيث يعيش نحو 475 ألف مستوطن، غير قانونية بموجب القانون الدولي، فيما يبلغ تعداد الفلسطينيين في الضفة الغربية 2,9 مليون نسمة.