يروي مسلم حميد وهو جالس في استوديو أمام كاميرا، كيف رأى في صيف العام 2014 شاحنات للجهاديين تقلّ نساء أيزيديات، في مشهد قاسٍ تحوّل جزءاً من يوميات أليمة يوردها مسلم في شهادته مع عشرات آخرين لمنظمة غير حكومية عراقية تريد توثيق قصصهم.
على غرار حميد، شارك نحو 70 شخصاً من سكان الموصل ومحافظة نينوى، قصصهم الحزينة وتجاربهم اليومية القاسية في ظلّ هيمنة تنظيم الدولة الاسلامية الذي سيطر على تلك المنطقة من شمال العراق.
هُزم الجهاديون في العام 2017، لكن الندوب التي خلّفوها لم تندمل بعد، كما تظهر الشهادات التي توثّقها منظمة "عين الموصل". وستُحفظ هذه الشهادات في جامعة الموصل لتكون أرشيفاً يمكن للباحثين وللأجيال المقبلة الاطلاع عليه.
حينما هيمن الجهاديون في آب 2014 على مناطق في شمال العراق، بقي حميد وعائلته حوالى خمسة أشهر في سنجار، المعقل التاريخي للأقلية الايزيدية التي تتبع ديانة توحيدية باطنية.
يتذكر الشاب الذي كان يدرس الحقوق "أسبوعاً أولاً دموياً لا ينسى".
ويضيف لوكالة فرانس برس، "مرةً رأيت حوالى ثلاث سيارات كبيرة تنقل نساء ايزيديات ورجالا أيضاً، لكن الغالبية نساء، بنات لسن كبيرات، تراوح أعمارهنّ بين 17 و30 عاماً".
القرى الايزيدية أفرغت، النساء خطفن وسبين، الرجال قتلوا، و"من استطاع هرب إلى الجبل"، على ما يروي الشاب البالغ من العمر 27 عاماً.
شهد السكان من غير الايزيديين على ما يحدث مع عجز كامل حيال ما يحصل. يقول حميد "أن ترى جارك يتعرض إلى هكذا مصيبة من دون أن تكون قادراً على مساعدته، كنا نشعر بالقهر، كان الأمر متعباً نفسياً". فرّت عائلة حميد إلى تركيا لأن أشقاءه الثلاثة كانوا في الجيش، لكنهم عادوا بعد ذلك إلى العراق.
شأنه في ذلك شأن المشاركين الآخرين، سجّل حميد مع منظمة "عين الموصل" مقابلة استمرت لنحو ساعة إلى ساعة ونصف.
يدرك حميد أن العودة إلى هذه الذكريات سوف "تفتح جروحاً"، لكن نحن "كأشخاص كنا شاهدين على حقبة أليمة... لا بدّ أن ندوّن هذا التاريخ".
من الموصل إلى سنجار والقرى المسيحية مثل الحمدانية وبعشيقة، ترسم القصص التي جُمعت من كل أنحاء المحافظة صورة شاملة لانتهاكات الجهاديين، لكن أيضاً الحياة قبل وبعد سيطرتهم.
يستذكر بعض المشاركين طفولتهم، ويعطون انطباعاتهم عن المجتمع في مدينة الموصل، كما يشرح لوكالة فرانس برس مسؤول التواصل في منظمة "عين الموصل مهند عمار".
أصغرهم يبلغ 10 سنوات فيما آخرون في الثمانين من العمر. شارك أيضاً عميد سن بعشيقة البالغ من العمر 104 سنوات، الذي "تكلمنا معه لكن بصعوبة كبيرة بسبب سنه"، وفق عمار.
ومن المقرر إنهاء المقابلات أواخر نيسان المقبل، على أن تُحفظ في مكتبة جامعة الموصل. كذلك، ستحتفظ المنظمة نفسها بنسخ مع إيداع نسخ أيضاً في جامعة جورج واشنطن في الولايات المتحدة، على ما يفيد عمار.
ويؤكد "كانت فترة مظلمة"، ولذلك "أردنا أن نظهر للعالم كيف استطاع أهل الموصل التغلب عليها".
بفضل تمويل من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (يو إس ايد)، قامت منظمة عين الموصل بتدريب 10 طلاب على تصوير المقابلات وعلى كيفية إجرائها.
وستنشر نسخ "قصيرة" من الشهادات، لمدة دقيقة أو دقيقتين، على مواقع التواصل الاجتماعي.
يشكل المشروع انعكاساً لبدايات نشاط عين الموصل، فحينما كانت المدينة بقبضة الجهاديين، كان حساب تويتر أنشأه مؤسس المنظمة عمر محمد، نافذة للعالم الخارجي عن الحياة اليومية في الموصل في تلك الحقبة.
يقول محمد "كنت في الموصل وكنت أسجل كل شيء بنفسي، شعرت أنه من الضروري أن أشرك جميع السكان لتوثيق تاريخنا بصوتهم".
وفي حين تركز غالبية الشهادات على الموصل، ثمة شهادات أخرى وثّقت من البصرة في الجنوب والأنبار في الغرب.
أدلت أم محمد ربة المنزل التي تبلغ من العمر 55 عاماً، بشهادتها كذلك.
في إحدى ليالي العام 2015، اعتقل الجهاديون ابنها أحمد، عامل البناء البالغ من العمر 27 عاماً. انضمّ شقيقه محمد الذي يصغره بعشر سنوات إلى التنظيم من أجل أن يبحث عنه.
تروي المرأة لوكالة فرانس برس "قلت له يا ابني لا تنضمّ إليهم. لكن قال: لا علاقة لكم بي، أريد أن أذهب للبحث عن شقيقي ... أن أدخل إلى السجون" بحثاً عنه.
أحمد قُتل، ومحمد ذهب "ولم يعد"، تضيف المرأة التي غطت شعرها بوشاح أسود. وتقول "شعروا بأنه لم يكن معهم، اعتبروه جاسوساً".
بلسم الإدلاء بشهادتها بعضاً من جراح أم محمد إذ تؤكد "كان بداخلي بركان...حينما تكلمت شعرت بفرح وحزن ومأساة وراحة نفسية".