تتطلّع "حركة المقاومة الإسلامية" (حماس)، التي تدير قطاع غزة، إلى فرض خطوط حمراء جديدة في القدس، لبّ الصراع المستمرّ منذ عقود بين الإسرائيليين والفلسطينيين، حتى لو كان ذلك ينطوي على مخاطر بإشعال فتيل حرب أخرى.
على مدى سنوات، نظم القوميون الإسرائيليون مسيرة الأعلام السنوية في أنحاء القدس لإحياء ذكرى استيلاء إسرائيل على البلدة القديمة في حرب عام 1967.
لطالما أثارت المسيرة التي تمرّ عبر الشوارع الضيقة في البلدة القديمة الجدل، لكنّ الجهود القانونية لحظرها باءت بالفشل، إذ يقول المؤيدون إنّه احتفال قانونيّ بلحظة استثنائية في التاريخ اليهوديّ.
صعّدت "حماس" ردّها بشكل كبير العام الماضي بإطلاق صواريخ على إسرائيل، بعد دقائق من انطلاق مسيرة 2021، ممّا أدّى إلى اندلاع حرب استمرت 11 يوماً. وحذّر قادة الحركة من أنّهم مستعدّون للتصعيد يوم الأحد، إذا لم تمنع الحكومة الإسرائيلية مسيرة هذا العام من دخول البلدة القديمة.
في الإطار، قال رئيس دائرة السياسة والعلاقات الخارجية في "حماس" في قطاع غزة باسم نعيم لوكالة "رويترز" هذا الأسبوع: "يمكنهم تجنّب الحرب والتصعيد إذا أوقفوا هذه (المسيرة) المجنونة".
بالنسبة لعدد من الفلسطينيّين، تُعتبر المسيرة استفزازاً صارخاً وانتهاكاً واضحاً لواحد من الأماكن القليلة في المدينة التي لا تزال تحتفظ بصبغة عربية واضحة. وتطوّق أنشطة الاستيطان اليهودي المتزايدة المدينة.
وبالنسبة لـ"حماس"، يُعتبر هذا أيضاً إهانة دينية، نظراً لأنّ البلدة القديمة هي موطن المسجد الأقصى، ثالث أقدس موقع في الإسلام، وهو موقع يقدّسه اليهود أيضاً باعتباره يضمّ جبل الهيكل الذي يقولون إنّه من بقايا معبدَين قديمَين لدينهم.
ودافع رئيس الوزراء نفتالي بينيت عن قرار مسؤولي الأمن بالسماح لمسيرة الأحد بدخول باب العمود والمرور بالحيّ الإسلاميّ.
وحضّه بعض أعضاء حكومته الائتلافية على تغيير مسار المسيرة وأشاروا إلى أنّه قد يكون هناك تغيير في الموقف في اللحظة الأخيرة. ومع ذلك، شكك مصدر ديبلوماسيّ غربيّ رفيع المستوى في أنّ بينيت سيرضخ لمطلب "حماس".
وقال الديبلوماسيّ الذي طلب عدم نشر اسمه: "لقد تولّى المنصب منذ عام فقط وسيجعله هذا يبدو ضعيفاً".
جنازات وأعمال شغب
تعتبر إسرائيل القدس بأكملها عاصمتها الأبدية غير القابلة للتقسيم، بينما يريد الفلسطينيون الجزء الشرقي منها عاصمة لدولتهم المستقبلية. وتعتبر "حماس" أنّ إسرائيل كلّها أرض محتلة.
وقال المحامي الإسرائيلي والناشط المدافع عن حقوق الفلسطينيين في القدس الشرقية دانيال سيدمان إنّ "القدس غير مطروحة على الطاولة بالنسبة لإسرائيل؛ وبالنسبة للفلسطينيين فإنّ القدس هي الطاولة وما عليها".
وتصاعدت التوتّرات في المدينة منذ أسابيع. واندلعت اشتباكات متكرّرة بين الفلسطينيين والشرطة الإسرائيلية في المسجد الأقصى في نيسان، خلال شهر رمضان، مع غضب المسلمين من زيادة أعداد الزوار اليهود للمسجد.
وفي إحدى ليالي شهر رمضان، تمكّن شبان من تهريب لافتة ضخمة بصورة لمقاتل من حركة "حماس" إلى المكان، وعلّقوها أمام قبة الصخرة المطلية بالذهب والتي تعود للقرن السابع.
وقال الديبلوماسيّ الغربيّ: "لم يكن هذا وارداً قبل سنوات قلائل. إنّه يُظهر أنّ دفاع (حماس) عن القدس أصبحت له أصداء وأنّ الدعم لها يتزايد".
وقبل أسبوعَين، اندلعت حال فوضى عندما هاجمت الشرطة المشيّعين في جنازة الزميلة شيرين أبو عاقلة، التي قُتلت خلال دهم للجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية. وبعد يومين، حدثت مواجهات شاملة في القدس الشرقية خلال تشييع جنازة شاب أصيب بجروح أودت بحياته في اشتباكات الأقصى.
وقال عضو بارز في الكنيست الإسرائيليّ من الائتلاف الحاكم هذا الأسبوع إنّ ترك مسيرة الأحد تستمرّ بصورتها الحالية أمر محفوف بالمخاطر في ظلّ هذه التوترات.
وقال رام بن باراك لراديو "كان": "يجب ألّا نُشعل بأيدينا حرباً دينية هنا أو (نُثير) كلّ الاستفزازات التي من شأنها إشعال الشرق الأوسط".
وفيما يبرز هذه المخاوف، منعت السفارة الأميركية في القدس موظّفي الحكومة وعائلاتهم من دخول البلدة القديمة يوم الأحد وقالت إنّ منطقة باب العامود محظورة عليهم حتى إشعار آخر.
رغم ذلك، قوبلت دعوات إعادة التفكير في الطريق الذي تسلكه المسيرة بالازدراء من جانب المنظّمين، الذين نفوا أن تكون مسيرتهم، التي تتردّد فيها في الغالب هتافات معادية للعرب، استفزازاً.
وقال نائب رئيس بلدية القدس آرييه كينج، إنّ "الأمر كلّه يتعلّق بالاحتفال بتحرير القدس وعودة الشعب اليهوديّ إلى المدينة اليهودية، القدس".
لكنّ هذه الرؤية تتعارض تماماً مع "حماس"، فيما يُسلّط الضوء على استحالة التوفيق بين رؤيتَين متعارضتَين تماماً للتاريخ. وقال نعيم: "أيّ محاولة لمواصلة تهويد القدس هي مساس بوتّر حسّاس للغاية".