النهار

فرصة منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لقيادة العالم في مجال التعليم المناخي
أحمد البغدادي
المصدر: النهار
فرصة منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لقيادة العالم في مجال التعليم المناخي
تعبيرية
A+   A-
بقلم أحمد البغدادي ولينارت كونتز وريم مارتو 
 
 
إنّ التغيّر المناخي واقع مرير تعيشه مجتمعات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: حيث ترتفع درجات الحرارة في المنطقة بنسبة تفوق متوسط ارتفاع الحرارة العالمي بضعفين، بالإضافة إلى أنها المنطقة الأولى المتوقع أن تنضب مواردها المائية. وبذات الوقت يواجه السكان زيادةً في الظواهر الجوية المتطرفة مثل الفيضانات والعواصف والجفاف القاحط. فكانت الفيضانات الأخيرة في باكستان، والتي غمرت ثلث البلاد وشرّدت 33 مليون مواطن، وقلبت حياة الناس رأسًا على عقب، بمثابة لمحة مرعبة عن المستقبل الداني والموحش الذي ينتظرنا. وللأسف، فإن المجتمعات الأقل حظًّا والشباب - نصف سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحت سن الخامسة والعشرين - يذوقون الأمرّين من هذا الانهيار المناخي، ويتحمّلون وطأته، على الرغم من مساهمتهم الضئيلة في المشكلة. 
 
 
وقد شارك أحمد البغدادي، أستاذ في منظمة التعلِّيم لأجل لبنان في بيروت، ولينارت كونتز، رئيس التعليم المناخي والقيادة في شبكة التعلِّيم لأجل الجميع"،بصفتيهما التعليمية، بمؤتمر المناخ (كوب 27) الذي عُقد في مصر. وتحضيرًا لمؤتمر المناخ (كوب 28) المنوي عقده في الإمارات العربية المتحدة العام المقبل، اجتمعا مع ريم مارتو، رئيسة منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في شبكة التعليم لأجل الجميع، للتباحث حول هذه الفرصة الذهبية التي باتت متاحة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لقيادة العالم في مجال التعليم المناخي، وما يجب عمله لاقتناص مثل هذه الفرصة.  
 
 
 
إلا أن الأمر بأيدينا لنتعاون ونرسم مستقبلًا باهرًا: لأن التغير المناخي جريمة بشرية، فإن الإنسان هو الوحيد الذي بإمكانه حل المعضلة. وتتمثّل أهم العوامل لوقف التغير المناخي في تعليم الشباب وتزويدهم بالدعم والمهارات للعيش في عالم رسمت ملامحه أشواك التغير المناخي. وعليه، تلوح أمام دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فرصة فريدة لقيادة العالم في مجال التعليم المناخي، وتحتاج من أجل اقتناصها إلى بناء كفاءات وجاهزية من هم في طليعة التعليم: ألا وهم المعلمون. 
 
 
 
 
ما يحتاجه المعلمون من أجل التعليم المناخي 
 
 
 
 
المعلمون هم أساس الأنظمة التعليمية، ونحتاج منهم إلى أن يدعموا الشباب في بناء المعرفة والمهارات والعقلية اللازمة لتشكيل مستقبل أفضل. إلا أنه وحسب دراسة عالمية أجرتها اليونسكو والمنظمة الدولية للتعليم، فإن 95% من المعلمين الذين شاركوا في الدراسة – وعددهم 58,000 معلم – مدركون أهمية التعليم المناخي، بينما يثق أقل من 40% من المشاركين بكفاءتهم في مجال التعليم المناخي. 
 
 
 
 
وتنسجم هذه النتائج مع ما نسمعه من الكثير من المعلمين في شبكة علِّم لأجل الجميع البالغ عددهم 15000 معلم، بما في ذلك المعلمون في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وتدرك الغالبية العظمى من المعلمين الخطر القادم، ويريدون التوعية والتعليم بشأنه، إلا أنهم يفتقرون إلى المعرفة والكفاءة اللازمتيْن، ما يجعل الأمر مستعصيًا عليهم. وعليه فإن أخذنا التغير المناخي على محمل الجد، وأردنا تثقيف أطفالنا عنه، علينا المسارعة إلى بناء كفاءات المعلمين وتغيير طريقة تفكيرهم وتفويضهم بتعليم الطلبة وتثقيفهم حول الموضوع. 
 
 
 
 
الرؤى من مؤتمر المناخ (كوب 27) في مصر 
 
 
 
 
ما عادت الحاجة الملحة إلى التعليم المناخي وإلى المعلمين المؤهلين لتعليمه سرًّا يخفى على أحد، حيث ينادي به الناشطون في مجاليْ التغير المناخي والتعليم، إلا أن وجهات نظرهم وتجاربهم كانت غائبةً عن مؤتمر المناخ (كوب 27) في مصر؛ فلم نقابل سوى معلم حالي واحد أثناء المؤتمر، يُدعى أحمد ويعمل في أحد أحياء بيروت. ويسعى أحمد في الغرفة الصفية إلى إشراك طلبته في التعليم المناخي ومراقبة تعلمهم وردود أفعالهم، وهو بذلك مثال حي على الممارسة الصحيحة للتعليم المناخي، مثيرًا اهتمام العديد من المشاركين الذين أرادوا الحصول على رؤاه وملاحظاته. 
 
 
 
 
يُواجه أحمد وسكان لبنان عموماً أزمة كهرباء، حيثُ يحصل المواطنون على ساعة واحدة فقط من الكهرباء يومياً، ما دفعهم إلى البحث عن وسائل أخرى لتأمين احتياجاتهم الأساسية. وبالرغم من شدة تأثير التغير المناخي وتلوث الهواء على المنطقة، فقد تفاجأ أحمد بالمعرفة القليلة لدى طلابه حول أسباب أزمة المناخ وتداعياتها. وقرر تباعًا تعليمهم الأساسيات حول التغير المناخي، وشارك في تنظيم مخيّم لابتكار الحلول المستدامة، حيث تختار مجموعات الطلبة أحد تحديات الاستدامة المحلية (كالنفايات أو الكهرباء على سبيل المثال) ثم تجد لها حلًا مبتكرًا ومربحًا يقلل من التلوث أو الانبعاثات. لقد اندهش أحمد من مشاعر التمكين التي انتابت الطلبة عند التعلم عن التغيّر المناخي، ومن طاقتهم المذهلة وإبداعاتهم وروحهم القيادية في إيجاد الحلول. وانطلق الطلبة حاملين تلك المبادرات والحلول إلى مجتمعاتهم، فمنهم من صار مؤثرًا على وسائل التواصل الاجتماعي، ومنهم من أطلق حملات محلية للتوعية بالقضايا والحلول المتاحة. 
 
 
 
 
وبالتأكيد هذه ليست مهمة معلم واحد فحسب، بل علينا التكاتف ومشاركة الخبرات لتمكين المزيد والمزيد من المعلمين ورفدهم بالقدرات المطلوبة للتعليم المناخي. ولهذا السبب تم تشكيل فريق عمل مؤلف من 7 اساتذة من منظمة التعلِّيم لأجل لبنان من أجل تدريب زملائهم على التفاعل مع طلابهم وتعليمهم المبادرة لمواجهة التغير المناخي، وقد أطلقوا برنامجاً يهدف لتدريب زملائهم البالغ عددهم 68 استاذاً من المنظمة لإدراج التعليم المناخي في مباحثهم ومدارسهم. ولدعم أولئك المعلمين، تقوم منظمة التعليم لأجل لبنان أيضًا بإعداد منهاج دراسي للتعليم المناخي بشكل يناسب السياق المحلي، لكي يشعر الطلبة والمعلمون بالمسؤولية للتحرّك والتغيير؛ فيحددون المشكلات المحلية، مثل حرائق الغابات والتلوث وإدارة النفايات ونقص الكهرباء، ثم يحثون أفراد المجتمع على العمل معًا لإيجاد حلول لتلك المشكلات. إنّهم ينفّذون مبادرة مدفوعة بشغف المعلمين الدؤوبين، الذين يريدون إعداد طلبتهم للمستقبل في ضوء التغيّر المناخي، على الرغم من عدم وجود حيّز في المناهج الدراسية أو التمويل اللازم لذلك. فهم الآن بأمسِّ الحاجة إلى أن تستلم الحكوماتُ الرايةَ، وتجعل التغيّر المناخي جزءًا لا يتجزأ من المناهج الدراسية والمعايير التعليمية وتدريب المعلمين، فضلًا عن تمويل المبادرات التعليمية. 
 
 
 
 
وطرحت الحكومة المصرية في مؤتمر المناخ (كوب 27) خطة استراتيجية لتحقيق هذا الهدف النبيل؛ حيث تعتزم وزارة التربية والتعليم المصرية تقديم دورات تدريبية حول التغيّر المناخي إلى 350,000 معلم ومدير مدرسة تابعين لها، بالتعاون مع اليونيسف. علاوةً على تدريب المعلمين في مجال التعليم المناخي، سيكون من الضروري دعم المعلمين من خلال بناء كفاءاتهم وتفويضهم بإدماج التعليم المناخي في المناهج والسياق وإشراك الطلبة في القيادة الجماعية. ومجددًا، يتوجب علينا الأخذ بتجارب المعلمين مثل أحمد والتعلم منها. 
 
 
 
 
الأنظار متّجهة نحو منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا 
 
 
 
 
مع نهاية مؤتمر المناخ (كوب 27) تتّجه الأنظار إلى دولة الإمارات العربية المتحدة التي ستستضيف مؤتمر المناخ (كوب 28) في أواخر العام المقبل. وبفضل هذا الزخم والانتباه إلى التغير المناخي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فإنّ لدى المنطقة فرصة فريدة العام المقبل لتكون قدوة يحتذى بها عبر تمكين المعلمين وتوفير المعنى الحقيقي والمؤثر للتعليم المناخي. حينها يمكن استضافة المعلمين من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومختلف أرجاء العالم الذين يدعمون طلبتهم في اكتساب المهارات الضرورية للقيادة والابتكار في الاقتصاد الأخضر المستقبلي. ولدعم هذه الجهود، ستوسّع شبكة التعليم لأجل الجميع نطاق جهودها من خلال شركائها في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومختلف أنحاء العالم لتبادل الدروس والخبرات وأفضل الممارسات من المعلمين الذين يدمجون التعليم المناخي مع التعليم العادي، آخذين بيد المعلمين ليتردد صدى أصواتهم في منتديات النقاش في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وحول العالم. 
 
 
 
 
وأخيرًا، نؤكد أنّ العام المقبل سيقدّم فرصةً لا تُعوَّض لتكون منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في طليعة العالم من حيث تزويد الطلبة بالمهارات والمعرفة اللازمة للوقوف في وجه أعظم تهديد يواجه البشرية. وإذا استفدنا من خبرات المعلمين الرائدين في مجال التعليم المناخي سواءً في صفوفهم أم في مجتمعاتهم، فسيكون عام 2023 عامًا حافلًا نشهد فيه انتشار التعليم المناخي في كراسات الطلبة وملاحظات المعلمين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والعالم أجمع. 

اقرأ في النهار Premium