توسّع نطاق الحرب الجارية منذ أكثر من أربعة أشهر في السودان لتصل المعارك إلى مدينتين كبيرتين هما الفاشر والفولة، بحسب ما أفاد شهود عيان الجمعة، في تطوّر فاقم المخاوف حيال مصير مئات آلاف النازحين الذين كانوا قد فرّوا إليهما من أعمال العنف في إقليم دارفور.
ومنذ اندلعت المعارك في 15 نيسان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، شهد دارفور، الإقليم الشاسع الواقع في غرب البلاد، إلى جانب العاصمة الخرطوم، أعمال عنف تعدّ الأسوأ.
وليل الخميس استؤنفت المعارك في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، بحسب الشهود، لتنهي هدوءاً استمرّ شهرين في المدينة المكتظة بالسكّان والتي كانت ملاذاً لهم من القصف وأعمال النهب وعمليات الاغتصاب والإعدام بدون محاكمة التي شهدتها أجزاء أخرى من دارفور.
وقال مدير مختبر الأبحاث الإنسانية في جامعة يال الأميركية ناتانيال ريموند لوكالة فرانس برس "إنّه أكبر تجمّع لمدنيين نزحوا في دارفور مع لجوء 600 ألف شخص إلى الفاشر".
من جهتهم، أفاد سكّان فرانس برس أنّ أعمال العنف اندلعت مجدّداً في الفاشر في وقت متأخّر من ليل الخميس. وأفاد أحدهم عن سماع أصوات "معارك بالأسلحة الثقيلة في شرق المدينة".
كما أفاد شهود عن أعمال قتالية في الفولة، عاصمة ولاية غرب كردفان المحاذية لدارفور.
وامتدّ النزاع بالفعل إلى ولاية شمال كردفان التي تعدّ مركزاً للتجارة والنقل بين الخرطوم وأجزاء من جنوب السودان وغربه.
وفي هذا الصدد، أصدرت إحدى حركات التمرّد المسلّحة والمسمّاة "تمازج" أوامر لأفرادها على الشريط الحدودي في اقليمي دارفور وكردفان بالانضمام إلى معسكرات قوات الدعم السريع.
وأفادت الحركة في بيان الخميس "نعلن وبصورة رسمية انضمامنا للقتال مع قوات الدعم السريع ضدّ فلول النظام السابق الذين اتّخذوا القوات المسلّحة مطيّة بغية الوصول إلى السلطة وإعادة إنتاج النظام الشمولي القمعي".
وكانت "تمازج" من الحركات التي وقّعت على اتفاق السلام التاريخي الذي أُبرم عام 2020 في جوبا بين مجموعات التمرد المسلحة في السودان والحكومة المدنية الانتقالية التي تولّت السلطة عقب إطاحة الرئيس السابق عمر البشير من الحكم.
- "قصف عشوائي" -
وبحسب مجموعات حقوقية وشهود فرّوا من دارفور فقد شهد الإقليم مجازر ارتُكبت بحقّ مدنيين وهجمات بدوافع عرقية وعمليات قتل ارتكبتها خصوصاً قوات الدعم السريع وميليشيات قبلية عربية متحالفة معها.
وفرّ كثيرون عبر الحدود الغربية إلى تشاد المجاورة بينما لجأ آخرون إلى أجزاء أخرى من دارفور حيث تنظر المحكمة الجنائية الدولية في شبهات بارتكاب جرائم حرب.
ولطالما كانت هذه المنطقة مسرحاً لمعارك دامية منذ اندلعت في 2003 حرب هاجم خلالها عناصر مليشيا الجنجويد التي سبقت تشكّل قوات الدعم السريع، متمرّدين من أقليات عرقية.
وتركّزت المعارك في النزاع الأخير في الجنينة عاصمة غرب دارفور، حيث تشتبه الأمم المتحدة بأنّ جرائم ضد الإنسانية ارتُكبت.
كما امتدت إلى مدينة نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور، لتتحوّل أيضاً إلى مركز للمعارك الأخيرة فيما أفادت تقارير عن فرار آلاف السكان.
وفي هذا السياق، أكدت غرفة طوارئ المدينة أنها "تعيش أوضاعا إنسانية كارثية تجاوزت فيها كل حدود التوقع، بعد إستمرار المعارك المميتة بين قوات الدعم السريع والجيش لليوم السابع تواليا".
وأضافت الغرفة في بيان الجمعة "تسببت الإشتباكات في سقوط عدد كبير من الضحايا العزل من المواطنين وعدد لا حصر له من الإصابات والإنتهاكات الإنسانية مع خروج كل مستشفيات الولاية من الخدمة".
وحضّت الولايات المتّحدة الخميس طرفي النزاع على "وقف القتال الذي تجدّد في نيالا.. ومناطق أخرى مأهولة بالسكان، ما تسبّب بالموت والدمار".
وأفاد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر في بيان "نشعر بالقلق خصوصاً من التقارير عن قصف عشوائي ينفّذه الطرفان".
وتابع "في كلّ يوم يتواصل فيه هذا النزاع العبثي، يُقتل المزيد من المدنيين ويصابون ويُتركون من دون منازل وطعام ومصادر رزق".
- "سلب ونهب" -
في الأثناء، أفاد أحد سكّان الفولة بأنّ عناصر من "الجيش والاحتياطي المركزي اشتبكوا مع قوات الدعم السريع وأُحرقت خلال المعارك مقارّ حكومية".
وأشار شاهد آخر في الفولة إلى "عمليات سلب ونهب للمحلات التجارية بسوق المدينة"، مؤكّداً "سقوط عدد من القتلى من الطرفين لم يتم حصرهم بسبب استمرار القتال".
وأسفر النزاع منذ اندلاعه قبل أربعة أشهر عن مقتل 3900 شخص في أنحاء البلاد، بحسب مشروع بيانات الأحداث وموقع النزاع المسلح (أكليد)، إلا أنّ الأعداد الفعلية للضحايا قد تكون أعلى بكثير، بحسب وكالات إغاثة ومنظمات دولية إذ أن المعارك تعرقل الوصول إلى العديد من المناطق.
إلى ذلك أفاد بيان من منظمة أطباء بلا حدود في دولة جنوب السودان بأنّ هذا البلد استقبل أكثر من 200 ألف نازح من غرب السودان منذ بدء الحرب.
وأضافت المنظمة أن "نسبة 90%" من النازحين هم من مواطني جنوب السودان في الأساس وكانوا قد فرّوا إلى السودان لتجنب الحرب في بلدهم، ولكنهم عادوا مجددا "مجهدين وضعافاً للغاية"، مشيرة إلى "زيادة مقلقة في حالات الاصابة بالحصبة بينهم".
وأكد مسؤولو 20 منظمة إنسانية دولية في بيان الثلثاء أن "المجتمع الدولي ليس لديه أي عذر" لتأخره في تخفيف معاناة سكان السودان.
وقالوا إن نداءين لمساعدة نحو 19 مليون سوداني حصلا على تمويل "يزيد قليلا على 27 في المئة. هناك حاجة لتغيير هذا الوضع".
وأشار الموقّعون على البيان إلى أن أكثر من 14 مليون طفل بحاجة للمساعدة الإنسانية بينما فرّ أربعة ملايين شخص من القتال، سواء داخل السودان أو في بلدان مجاورة.
ومع حلول موسم الأمطار في حزيران، تضاعفت مخاطر انتشار الأوبئة بينما تحمل الأضرار التي لحقت بالمحاصيل خطر مفاقمة انعدام الأمن الغذائي.
وأعربت الأمم المتحدة خصوصا عن قلقها على مصير النساء والفتيات في ظل "انتشار صادم لأعمال عنف جنسي تشمل الاغتصاب".
وقالت ليلى بكر من صندوق الأمم المتحدة للسكان "شهدنا ازدياداً في العنف القائم على النوع الاجتماعي بنسبة تتجاوز 900 في المئة في مناطق النزاع. تواجه تلك النساء خطرا كبيرا جدا".