تُلملم سوريا جراحها اليوم مع تشييع الدفعة الأولى من ضحايا هجوم الكلية الحربية "الدامي"، الذي وَقع عصر أمس الخميس، عقب حفل تخريج دفعة من الضباط في حمص، وأسفر عن مقتل 112 شخصاً، من عسكريين وأفراد عائلاتهم، حتى الساعة.
ومنذ الصباح، تجمّع أمام المستشفى العسكري في حمص، العشرات من أهالي الضحايا، وسط أجواء من الحزن الشديد والوجوم.
وأجريت مراسم التشييع على دفعات لقرابة 30 قتيلاً من عسكريين ومدنيين بحضور وزير الدفاع علي محمود. وقد رفع رفاق السلاح نعوش الضحايا على الأكفّ، بعدما لُفّت بالعلم السوري، كما مُنح الضباط أوسمة شرف وتقدير.
وأدّى الهجوم بمسيّرات على الكلية العسكرية في حمص، والذي اتّهم الجيش السوري "تنظيمات إرهابية" بالوقوف وراءه، إلى "سقوط 112 قتيلاً بينهم 21 مدنيّاً من ضمنهم 11 امرأة وطفلة، إضافة إلى إصابة 120 بجروح بعضها خطير"، حسب آخر حصيلة للمرصد.
من جهته، أورد وزير الصحة حسن الغباش، في تصريح للتلفزيون السوري ليل الخميس، غنّ "حصيلة أولية غير نهائية"، أحصى فيها "ثمانين شهيدا منهم ست نساء وستة أطفال"، مشيراً إلى "نحو 240 جريحاً".
ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الهجوم.
واتّهم الجيش السوري، في بيان، "التنظيمات الإرهابية المسلحة المدعومة من أطراف دولية معروفة" بالوقوف خلف الاستهداف "عبر مسيرات تحمل ذخائر متفجرة وذلك بعد انتهاء الحفل مباشرة، ما أسفر عن ارتقاء عدد من الشهداء من مدنيين وعسكريين ووقوع عشرات الجرحى"، من دون تحديد أي حصيلة.
وأضاف أنّ "القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة تعتبر هذا العمل الإرهابي الجبان عملاً إجرامياً غير مسبوق، وتؤكد أنها سترد بكل قوة وحزم على تلك التنظيمات الإرهابية أينما وجدت".
واستعادت القوات الحكومية، بعد قتال عنيف في أيار 2017، السيطرة الكاملة على مدينة حمص بعدما شكّلت معقلاً للفصائل المعارضة إثر اندلاع النزاع عام 2011.
من جهتها، ندّدت وزارة الخارجية بـ"الجريمة النكراء"، مطالبةً "الأمم المتحدة ومجلس الأمن بإدانة هذا العمل الإرهابي الجبان".
وأعلنت الحكومة الحداد الرسمي لمدة ثلاثة أيام بدءاً من الجمعة.
وفي وقت لاحق الخميس، أفاد "المرصد" وشهود عيان، وكالة "فرانس برس"، عن قصف مدفعي نفذته القوات الحكومية على مدن عدة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) وفصائل متحالفة معها في محافظة إدلب (شمال غرب).
وتسبَّب القصف وفق المرصد بمقتل أربعة مدنيين.
وأوقع قصف مماثل فجر الخميس، على بلدة في ريف حلب الغربي، المجاور لإدلب، خمسة قتلى من عائلة واحدة هم امرأة مسنة وأولادها، وفق المرصد وفرق الدفاع المدني الناشطة في المنطقة.
وقال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، في إيجاز صحافي، إنّ "الأمين العام يشعر بقلق بالغ" إزاء الهجوم على الكلية العسكرية، مبدياً في الوقت ذاته قلقه "من القصف الانتقامي من جانب القوات الموالية للحكومة على مواقع عدة في شمال غرب سوريا".
وأكد إدانته بشدة "جميع أعمال العنف"، وحضّه "الأطراف كافة على احترام التزاماتهم" و"ضرورة حماية المدنيين والبنى التحتية المدنية".
ضربات تركية
في شمال شرق سوريا، نفّذت تركيا الخميس سلسلة ضربات بطائرات بدون طيار ضدّ أهداف عسكرية وبنى تحتية في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية التي يقودها الأكراد، ما أسفر عن مقتل 11 شخصاً على الأقل.
وأصيب شرطيان تركيّان، الأحد، بهجوم نفّذه شخصان على مقر وزارة الداخلية في أنقرة، تبنّاه حزب العمال الكردستاني الذي يخوض تمرّداً مسلّحاً ضد السلطات التركية منذ العام 1984.
وقال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، آذناك، إنّ "الإرهابيَين جاءا من سوريا وتدرّبا هناك"، لافتاً إلى أنّ "كلّ البنى التحتية والمنشآت الكبيرة ومنشآت الطاقة التابعة (للمجموعات الكردية المسلحة) في العراق وسوريا هي أهداف مشروعة لقواتنا الأمنية".
وأدّت الضربات التركية إلى "مقتل 11 شخصاً منهم خمسة مدنيين وستة أعضاء من قوى الأمن الداخلي"، وفق قوات الأمن في الإدارة الذاتية الكردية (الأسايش) التي أكدت أن الغارات أدت إلى "جرح عشرة أشخاص بينهم ثمانية مدنيين واثنان من أعضاء قوى الأمن الداخلي".
وأوضحت "الأسايش" أنّ "عدد المواقع التي تعرضت للقصف التركي بلغ 21 موقعاً، منها 10 بنية تحتية و8 مواقع سكنية و3 مواقع استهدف فيها قوى الأمن الداخلي".
من جهتها، أبلغت وسائل إعلام تركية عن ضربات جديدة في سوريا أدت إلى "تدمير مبانٍ تضمّ وحدات هجوم وتخريب، بالإضافة إلى مستودعات أسلحة وذخيرة تابعة لحزب العمال الكردستاني/وحدات حماية الشعب" خلال عملية قادتها وحدات الاستخبارات الوطنية التركية.
على صعيد متّصل، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية أن الولايات المتحدة أسقطت الخميس طائرة مسيّرة تركية في سوريا، قالت إنّها مثّلت تهديداً محتملاً لقواتها.
وتشنّ تركيا بين الحين والآخر ضربات تستهدف قوات سوريا الديموقراطية، وعمودها الفقري وحدات حماية الشعب الكردية التي تعتبرها أنقرة منظمة "إرهابية" وتعدّها امتداداً لحزب العمال الكردستاني.
وشاهد مصوّر لـ"فرانس برس" إثر الضربات، أعمدة من الدخان الأسود فوق موقع القحطانية النفطي قرب الحدود مع تركيا. وتوجّه رجال الإطفاء إلى محطة توليد الكهرباء الرئيسية في مدينة القامشلي في محافظة الحسكة.
وقال مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا إنّ "المشاهد المروعة" الخميس في سوريا تظهر أن الوضع الراهن في البلد الذي مزقته الحرب غير قابل للاستمرار، محذّرا من أن الوضع الأمني قد يزداد سوءاً.
"نحو الأسوأ"
في أسواق مدينة القامشلي الحدودية، يتسمّر أصحاب المتاجر وزبائنهم القلائل أمام شاشات التلفزيون والهواتف ويتابعون بقلق آخر أنباء المسيرات التركية التي تستهدف مناطقهم.
وقال حسن الأحمد (35 عاما)، وهو أحد تجار القماش في سوق القامشلي الشعبي إنّ "الوضع في المنطقة يتجه نحو الأسوأ كل يوم وكل مرة نواجه المصير ذاته".
وأضاف: "تركيا لا تدعنا نرتاح على أرضنا وتستهدفنا كل يوم وتقتل السكان فيما لا نريد سوى أن يعيش أطفالنا بسلام وآمان".
وفي بيان الخميس، دعت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا "المجتمع الدولي والتحالف الدولي والمؤسسات الأممية والحقوقية والإنسانية وكذلك روسيا إلى اتخاذ مواقف فعالة ورادعة لهذا الجموح التركي نحو فرض توازنات جديدة على سوريا ولكن عبر مناطقنا".
ونفّذت تركيا بين عامَي 2016 و2019 ثلاث عمليات كبرى في شمال شرق سوريا ضد الفصائل الكردية.
وتنشر الولايات المتحدة وروسيا وتركيا قوات في مناطق مختلفة في سوريا.
وأبدى المتحدث باسم الخارجية الأميركية، فيدانت باتل، قلق بلاده إزاء التصعيد العسكري في شمال سوريا.
وبدعم من موسكو وطهران، استعاد النظام السوري الجزء الاكبر من الأراضي التي خسرها في بداية الحرب.